ليلى الغريب ـ دمشق
كما خسرت سوريا ثرواتها الحيوانية من الأغنام والأبقار والأحصنة، كذلك الحال مع الإبل. ففي حين تناقلت الأجيال الحكايات عن أخبار حرب دامت لعقود “حرب البسوس”، بسبب ناقة. لم تعد قطعان الإبل تجد من يهتم لأمرها.
وتعاني قطعان الإبل التي ما زالت موجود في سوريا، من الإهمال والتهريب والذبح للتخلص من تكاليف تربيتها منذ بداية الحرب.
حفظ التراث
يقول صلاح علي وهو صاحب خمسة رؤوس إبل، لنورث برس، إن حفاظه على ميراث أسرته هو ما يجعله يحافظ على تربية الإبل، ولكن المشكلة، حسب رأيه، أن تربيتها مكلفة ولم تعد تحقق الجدوى منها.
كان “علي” في زيارة لمؤسسة الأعلاف للاستفسار عما يمكن أن يحصل عليه من مخصصات للحيوانات التي يربيها ومن بينها الجمال.
وأشار إلى أن الإبل تفضل الرعي في الأراضي الصحراوية أكثر من حبسها وإطعامها كما الأبقار، ولكن بعد تغير كل شيء مع الحرب، وبسبب الوضع الأمني المتردي أصبح يخشى عليها في الشتاء من الخروج والتعرض للكسر، وتراجع المراعي والربيع كثيراً.
وبين “علي”، أن حاجة رأس الإبل في اليوم لا تتعدى 7 كيلو علف مركز وتبن، في حين تحتاج البقرة في اليوم إلى نحو 20 كيلو علف، وبرأيه أن هذا يجعل تربية الإبل اقتصادية أكثر، لكن المشكلة أن الطلب على إنتاجها قليل سواء من اللحوم أو الحليب، وأن أسواق تداولها وعرضها اختفت منذ بداية الحرب.
تراجعت أعدادها
تراجعت أعداد الإبل في سوريا من أكثر من 50 ألف رأس في 2010، إلى 34 ألف رأس حسب إحصاءات وزارة الزراعة، ولكن يشير مدير سابق في مركز بحوث وتطوير الإبل في وزارة الزراعة، أن “العدد الحقيقي لا يصل إلى نصف هذا الرقم”.
وتتركز تربية الإبل في حمص وحلب ودير الزور والرقة وريف دمشق وبادية السويداء، وكانت دير الزور تحتل المرتبة الأولى في تربية الإبل، حسب إحصاءات الزراعة، لكن صعوبة تأمين مستلزمات تربيتها جعل أعدادها في حالة تراجع مستمر.
المدير السابق في مركز بحوث وتطوير الإبل في وزارة الزراعة، قال لنورث برس، إن الحرب أثرت كثيراً على ثروة سوريا من الإبل، وذلك بسبب تمركز تربيتها في المناطق الصحراوية التي تعرضت للحرب ودخلها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الأمر الذي فرض على المربين نقل ما يملكونه إلى مناطق أكثر أمناً، وغالباً إلى بيئات لم تكن الأفضل لتربية الإبل، كنقل بعضهم لإبله من الرقة إلى ريفها بحثاً عن المياه والمراعي.
كثرة أمراضها
ومع تراجع الأعلاف والمراعي تراجعت أيضاً الرعاية الطبية، تعرضت الإبل لأمراض كثيرة، يقول المدير السابق إنه على اطلاع عن حالة قطيع عند أحد المربين الذي كان لديه 400 رأس من الإبل، ولكنه كان يخسر منها يوميا بسبب صعوبة متابعتها والاهتمام بها ومعالجتها، وأن هنالك سلالات انقرضت لأن أغلب المربين اضطروا إلى مغادرة مناطقهم والذهاب إلى مناطق أكثر أمناً، ولكنها أقل ملائمة لتربية الإبل من البيئة الصحراوية التي تنمو فيها الأشواك الحولية ونبات الرمثا، حيث تسرح الإبل في اليوم لمسافة لا تقل عن 15 كم وهي تبحث عن طعامها.
وعن أنواع السلالات التي كانت تنتشر في بادية الشام قال مهندس في مركز بحوث وتطوير الإبل أن من أنواع الإبل الموجودة في سوريا: الخوار والجودي والشامية والحرة والذلول والنجدية، وأن الأنواع الموجودة هي وحيدة السنام.
وأضاف المهندس لنورث برس، أن المشكلة الأبرز التي واجهت هذه الثروة هي “عمليات التهريب التي شهدتها الإبل من مناطق تربيتها إلى العراق والأردن ويقدر أعداد الإبل التي خرجت بما لا يقل عن 20 ألف جمل”.
ولفت إلى أن الكثير من المربين أصبحوا يتخلصون من الجمال التي يملكونها “لكي لا يتم مصادرتها من قبل داعش في أيام سيطرتها على مناطق تواجد الإبل، لأنهم كانوا يعتمدون على لحومها لإطعام جنودهم”.
دعمها وحمايتها
ودعا المهندس إلى دعم المربين ومساعدتهم للحفاظ على تربية الإبل، لأن تكاليف تربيتها قليلة، وفوائدها كثيرة، إذ إنها تنتج الحليب على مدار العام، ويصل سعر الكيلو منه الآن إلى نحو 35 ألف ليرة، ويتميز بغناه في الكثير من المواد الغذائية، وأن كمية الحليب التي ينتجها في اليوم قد تصل إلى 10 كيلو حليب.
ورغم أن سعر الجمل وصل إلى 25 مليون ليرة، إلا أن الطلب عليها قليل، والأسواق التي كانت مخصصة لبيعها اختفت منذ بداية الحرب، كسوق دوما في ريف دمشق، وأسواق حماة.