مانيش راي
في مقابلته الأخيرة مع قناة سكاي نيوز عربية، كان الرئيس السوري بشار الأسد واضحاً وصريحاً، حيث رفض أي احتمال لإجراء محادثات مباشرة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لم تنسحب القوات التركية من الأراضي السورية.
وقال الرئيس الأسد: “هدف أردوغان من اللقاء معي هو إضفاء الشرعية على الاحتلال التركي في سوريا، ولماذا يجب أن نلتقي أنا وأردوغان؟ لتناول المشروبات الغازية؟”. وأضاف أن «الإرهاب في سوريا يُصنع في تركيا».
في مناسبات عديدة سابقة، صرح الرئيس التركي أردوغان بأنه منفتح على المحادثات مع نظيره السوري ولكن دون أي شرط مسبق لانسحاب القوات التركية من سوريا. وكانت هذه المرارة موجودة في العلاقات الثنائية بين الجارين منذ بدء الحرب الأهلية السورية في آذار/مارس 2011.
كانت تركيا أكبر حليف عسكري وسياسي للمعارضة السورية التي لا تزال تسيطر على آخر معقل في إدلب شمال غربي سوريا على الحدود التركية. كما كانت تركيا قاعدة رئيسية لجماعات المعارضة السورية منذ عام 2011.
في حين أن تركيا لم تكن القوة الخارجية الوحيدة التي تدخلت في سوريا ولكنها كانت بالتأكيد القوة الأولى والأبرز. علاوة على ذلك، فقد فتحت المجال للآخرين بالوصول إلى سوريا. وبدأ تدخل الرئيس التركي أردوغان في أيار/مايو 2011 بعد شهرين فقط من اندلاع الاحتجاجات في سوريا ضد حكم الأسد. وعقد اجتماعاً لفصائل المعارضة السورية المختلفة في اسطنبول لمناقشة كيفية تنفيذ تغيير النظام.
وفي تموز/يوليو 2011، بدأت تركيا في تجنيد الفارين من الجيش السوري ضمن صفوف الجيش السوري الحر بهدف استخدام القوة للإطاحة بالأسد الذي افترضت أنقرة أنه سيهزم في غضون أسابيع. يعتقد نظام الرئيس الأسد أن سوريا كانت ستنجو مما يقرب من عقد من الحرب لو لم تتدخل تركيا عسكرياً وسياسياً عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الربيع العربي.
وبدون تدخل تركيا المبكر، كانت حملة دمشق القمعية ستنهي الاحتجاجات وكانت الحكومة ستبدأ بتنفيذ الإصلاحات الموعودة. وإذا نظرنا من وجهة نظر تركيا، فإن الدولة السورية المعادية تشكل تهديداً للأمن القومي، وإذا أخذنا وجهة نظر سوريا، فإنهم يعتقدون أن تركيا هي أكبر عدو لها لأن الأتراك مسؤولون عن تدمير بلادهم.
اجتمع وزيرا الخارجية والدفاع لكلا البلدين مؤخراً، ولكن يبدو أنه لم يتم إحراز تقدم كبير نحو المصالحة. وعلى الرغم من أن الحكومة التركية علقت منذ فترة طويلة دعواتها لتغيير النظام في سوريا، لا تزال العلاقات بين أنقرة ودمشق تهيمن عليها حالة الحرب بالوكالة وانعدام الثقة العميق.
لكن البيان الأخير للرئيس السوري جاء كمفاجأة صغيرة. كما يُعتقد أن الحكومة السورية كانت منذ بعض الوقت في حملة مصالحة مع جيرانها واللاعبين الإقليميين. ويبدو أن الأسد يشعر بالجرأة بسبب التطورات الأخيرة مع الدول العربية، أي إعادة التطبيع مع المملكة العربية السعودية وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
بالإضافة إلى هذا، لا يرى النظام السوري حتى الآن أي فائدة في إجراء محادثات رفيعة المستوى مع الأتراك. كما أن للسوريين والأتراك مصالح متضاربة في المشهد السياسي السوري.
ويهدف خطاب أردوغان في التطبيع إلى إرضاء الأمل الشعبوي في الداخل بأن تتمكن تركيا من إعادة ملايين اللاجئين السوريين المقيمين في البلاد، وبالتالي تصور أردوغان كزعيم قد يحقق تغييراً حقيقياً. كما يتوقع الأتراك أنها قد تتلقى تعاوناً من دمشق لتسريع انسحاب القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا وكبح الحكم الذاتي الكردي.
كلا هدفي الأتراك لا يهمان النظام السوري على الإطلاق. ولا تشارك الحكومة السورية وجهة نظر تركيا تجاه الإدارة الكردية، ودمشق أقل عدائية نسبياً من تركيا تجاه الوضع الكردي في سوريا. وينبع هذا الاختلاف في الموقف من القضايا الكردية المحلية في تركيا، والتي تشكل النهج الإقليمي للبلاد.
وتخشى دمشق أيضاً من ديناميكيات السلطة المحلية إذا لم تعد الإدارة الذاتية التي يقودها الكرد في شمال وشرق سوريا موجودة. وبشأن مسألة عودة اللاجئين، لا تعتبرها الحكومة السورية مشكلتهم الخاصة بل مشكلة الأتراك، أو حتى تعتبرها ورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية مع تركيا، وقد توقف دمشق عودة اللاجئين أو تجعل الحياة صعبة للغاية، لدرجة لا يرغبون في العودة، تاركةً أنقرة مع المشكلة.
واعتقدت القيادة السورية أن الوقت في مصلحتهم. كلما طال انتظارهم، كلما ازداد نفوذهم ضد تركيا حيث تحرروا الآن من العزلة الدبلوماسية. علاوة على ذلك، فإن لعبة الانتظار هي أهم سلاح يستخدمه النظام طوال مدة الصراع.
لقد حافظت دمشق بنجاح على صبرها وانتظرت تفكك العداء المحلي والإقليمي والعالمي ضد النظام، وشهدت تفكك الائتلافات المحلية والإقليمية المناهضة للأسد. وبعد تقييم كل هذه الديناميكيات، طرح الرئيس الأسد شروطاً مسبقة للمضي قدماً في المصالحة.
وخلق هذان النهجان المختلفان تماماً للأتراك والسوريين فجوة واسعة بين الجانبين. ولا تستطيع تركيا تلبية مطالب سوريا على المدى القصير، وبالتالي تصر أنقرة على أن تبدأ محادثات المصالحة دون أي شروط مسبقة.
ولا ترى دمشق أي سبب للتسرع في تحسين العلاقات مع الأتراك. لذلك، في المستقبل القريب، يبدو أن هذين الجارين سيكونان على خلاف مع بعضهما البعض. من الصواب القول إن العلاقات بين أنقرة ودمشق ستظل متوترة وستستمر على هذا النحو لفترة من الوقت.