معاملة التقاعد الحكومية.. تكثيف لقهر سنوات الخدمة

ليلى الغريب ـ دمشق

من يسمع ليس كمن يرى أو يعيش الحالة، هكذا قال من كانوا ينفقون من أعمارهم جهداً، وتعباً، في أفرع مؤسسة التأمين لإعداد معاملة التقاعد أو الاستقالة من إحدى مؤسسات الحكومة السورية.

سرعان ما يكتشفون أن إجراءات معاملة التقاعد هي “تكثيف لكل السوء الذي عاشوه في سنوات الخدمة”.

أجساد متعبة

على كراسٍ متحركة وعكازات تجد بعض المراجعين الذين جاؤوا لإتمام معاملة ستنتهي بالحصول على مبلغ لا يتجاوز غالباً المئة ألف ليرة إلا بقليل مهما علا شأن الموظف، هو ما يسمى “الراتب التقاعدي”، وبعد كل أنواع العراقيل، والرحلات المكوكية بين الدوائر المختلفة، في رحلة إتمام تلك المعاملة.

إحدى المراجعات لمكتب شؤون العاملين، تقول إنها جاءت في زيارة إلى سوريا من البرازيل، ولكنها فوجئت بأنها مطلوبة، وصدر بحقها حكم بالسجن ثلاثة أعوام، لأنها لم تستكمل أوراق الاستقالة بعد وظيفة لم تمض فيها أكثر من عام قبل أن تتزوج وتهاجر إلى المغترب.

تجلس السيدة مها العلي، اسم مستعار، التي يبدو جسدها أقل إنهاكاً من أجساد من استمروا بعملهم في هذا البلد بسبب الضغوط الهائلة التي تعرضوا لها فيه، وتنتظر إنجاز معاملة على إيقاع اعتاده السوريون وهو إيقاع “مشبع بالبلادة والتكاسل” وليس الروتين فقط، كما وصفه البعض.

تحاول أن تستفهم من موظفة تشير لها أنها لا تعرف، وعليها أن لا تسأل، رغم أن هذه السيدة راجعت ذلك المكان الذي يتبع لوزارة التنمية الإدارية بعد أيام من تصريح وزيرة التنمية سلام سفاف، عن العمل على الوصول إلى “مؤسسات رشيقة”.

وقت طويل

تقوم سهام محمد، اسم مستعار، بإنجاز معاملة استقالتها، تقول لنورث برس، إنه مضى على بداية مشوارها في تلك المعاملة أكثر من ثلاثة أشهر، وأنه حالما أنهت المعاملة في المؤسسة التي تعمل بها كان عليها الاستعداد لرحلة أخرى من الإرهاق والتعب تفوق تلك بكثير.

إذ بعد كل خطوة تقوم بها يجب عليها أن تنتظر ما لا يقل عن 10 أيام، لتكتشف عندما تراجع الدائرة الأخيرة أن هنالك نواقص في الأوراق تحتاج لترميم، أي العودة مجدداً إلى مكان العمل، حتى لو كان في محافظة أخرى.

وتتمنى لو أنها تبرعت بهذا الراتب التقاعدي ولم تحاول إنجاز تلك المعاملة، وتشير إلى أن ما يزيد من تعقيد وضعها أنها تنقلت ضمن أكثر من وزارة وأكثر من عمل، وهذا يعني أن أعباءها مضاعفة عن أعباء الآخرين ممن يعدون معاملة التقاعد وهم في المكان نفسه.

في حين كانت إحدى “الخبيرات” تنصح إحدى اللواتي يعبرن عن استياءهن من الطريقة البيروقراطية المشبعة بـ”قلة الاحترام” لمن يجرون معاملات التقاعد بعدما أصبحوا بعمر متقدم، بأن يقدروا تعب الموظفين ويضعوا في الدرج “ما يطلع من الخاطر” ولكن على أن لا يقل المبلغ عن ألفي ليرة، وأنه دون ذلك ستظل أوراق من الملف الخاص بالشخص معرضة للضياع، وهذا يعني أن عليهم عندها العودة دائماً إلى نقطة البداية لتعويضها.

معذور

هنالك من ينظر للموضوع من وجهة نظر موظف عليه أن ينجز في اليوم عشرات المعاملات، ويتعامل مع مراجعين، وبراتب بالكاد يؤمن له أجور المواصلات؟

ويشير مؤيد حسن، اسم مستعار، لموظف حكومي أنهى ملفه، أنه اكتشف أن هنالك موظف واحد لم يرض أن يحصل على “إكرامية”، في حين وزع على البقية مبالغ تتراوح بين 2 إلى 5 آلاف ليرة.

وأن حجم الضغط الكبير على الموظفين يجعلهم في حالة استياء دائمة من أسئلة واستفسارات المراجعين سواء جاؤوا على كرسي متحرك أو عكازة.

مدير سابق في أحد أفرع مؤسسة التأمينات بيّن لنورث برس أن هنالك الكثير من العاملين الذين “تكلس” عندهم الحس الإنساني، وأنهم لا يتوانون عن الطلب من صاحب الملف التقاعدي إحضار ورقة قد لا يكلفهم أمر إحضارها سوى فتح ملف الموظف في الجهاز الموجود أمامهم، ولكنهم ودون أن يشعروا بحجم المعاناة والتكاليف التي سيتكبدها هذا المتقاعد  يطلبون منه إحضار تلك الورقة غير مكترثين بالأعباء المعنوية والمادية خاصة بعد ارتفاع أجور المواصلات.

ولكنه شدد على أنه بالمقابل، هنالك موظفين يعملون بهمة رغم كل الضغوط التي يتعرضون لها يومياً، خاصة مع الزيادة الكبيرة في عدد الأضابير للمتقاعدين.

ثمن الراحة

ومقابل هذه المشاكل، هنالك أبواب أخرى لإنجاز معاملات التقاعد، إذ يمكن لمن يستطيع أن يدفع المطلوب منه أن “يرحم نفسه” من كل هذه التفاصيل، حسبما ذكر أحد المراجعين.

وأوضح لنورث برس: “يمكن اختصار كل التعب بأن يتفق مع موظفين في التأمينات أو في المؤسسات التي يعملون فيها، ليقوم هؤلاء بتسيير أمور المعاملة، عندها يمكن أن تنتهي دون أن يضطر صاحب المعاملة حتى للخروج من بيته، لأن هؤلاء خبراء في معرفة المطلوب، ولأنهم يعرفون لمن يجب أن تُعطى الإكرامية قبل أن “تضيع” الأوراق أو تنام أمام المكاتب”.

تحرير: تيسير محمد