مظاهرات السويداء حتى إسقاط “النظام” ومراهنات على الساحل.. فهل يتحقق الهدف؟

غرفة الأخبار ـ نورث برس

يتواصل زخم المظاهرات في مدينة السويداء جنوبي سوريا، ويرتفع سقف مطالب المتظاهرين، في أحداث بدت وكأنها إعادة إحياء للاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد عام 2011.

ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تطرح التساؤلات: ما هي استراتيجية المتظاهرين؟ وإلى متى يمكن أن تستمر؟ وما الذي يمكن أن تحققه من نتائج؟

حول تلك التساؤلات يختصر الفنان التشكيلي والسجين السياسي السابق سهيل ذبيان، الإجابة بالقول: “نحن مستمرون حتى إسقاط هذا النظام، أو تنفيذ قرار الأمم المتحدة 2254 وتبعاته.. أكثر من ذلك ليس لدينا أي شيء.. أحرقنا مراكبنا وأحرقنا الأشرعة وكسرنا المجاذيف”.

ويضيف لنورث برس: “هذا هو الحل الوحيد الذي لدينا، ونحن مستمرون على الأرض ونريد تعزيز وجودنا، والمظاهرات مستمرة حتى يستجيب العالم لنا.. غير ذلك لا استراتيجية لنا ولا مطالب”.

ويشدد ذبيان: “نرفض بشكل قاطع أي مهادنة قبل تحقيق مطالبنا” ويكمل بلهجة سكان الجنوب “خلي الأمم المتحدة تضل حاطة قرارات مجلس الأمن في الدروج حتى الله يفرجها”.

لا تخص السويداء وحدها

وحول آفاق تلك المظاهرات، يقول المحامي عادل الهادي لنورث برس، إن المتظاهرين كانوا ومنذ اليوم الأول “حريصين على إظهار أن الاحتجاجات لا تخص السويداء وحدها، وكانوا حريصين على إظهار أن معاناة السوريين واحدة، وأن هذه الاحتجاجات هي استمرار للاحتجاجات التي بدأت عام 2011 ضمن مضامينها المحددة بالمطالبة بالحرية والكرامة والانتقال إلى نظام ديمقراطي والتخلص من الاستبداد، وليس إلى ما آلت إليه الأمور لاحقا والتي يعرفها الجميع”.

ويضيف: “لابد أن تتم الاستجابة لمطالب الناس، لا أظن أنه سيتكرر ما حصل سابقاً من صم الآذان عن مطالب الناس، وقد حاول النظام إرسال بعض ممثليه لكن الأمر كان أن المطالب ليست خاصة بل هي عامة تتمثل بتطبيق القرار 2254”.

“اعتدنا على خيبات الأمل”

وحول الصدى الدولي لما يجري في السويداء، يقول الهادي: “نسمع أن الرأي العام العالمي أو بعض الدول بدأت تهتم بما يحصل في السويداء والمنطقة الجنوبية عموماً، وكان هناك إحاطات أمام مجلس الأمن وبعض الملاحظات حول هذا الموضوع، ما يدل على نوع من الاهتمام”.

ويضيف: “لكن اعتدنا على خيبات الأمل من الدول التي كانت تعلن أنها إلى جانب الشعب السوري، ومع ذلك هذا شأن داخلي من المفيد أن يحظى باهتمام خارجي، لكن التعويل هو على وقوف السوريين إلى جانب قضيتهم وبعضهم البعض والحصول على ما يريدون بعد كل هذه المعاناة والألم الذي مر به الشعب السوري”.

الصحفي السوري المقيم في ألمانيا تامر قرقوط، يقول لنورث برس، إن المتظاهرين انطلقوا “تعبيراً عن رغبتهم العارمة في العيش بكرامة، وهذا هو المطلب الشعبي الذي لا يخص أهالي السويداء فقط، إنما عموم السوريين”.

ويضيف أن “مطالب المتظاهرين تطورت مع ازدياد الرقعة الجغرافية التي انضمت إليهم داخل جبل العرب وبقية المحافظات، ليطالبوا صراحة برحيل النظام نتيجة عجزه عن تحقيق المطالب، ورميه كل متظاهر بصفات التخوين والعمالة، وإدراج ما يجري في إطار مخطط مشبوه يعد له أمريكياً وإسرائيلياً، ومحاولة أهالي الجبل تكوين حكم ذاتي أو الانفصال، وهو خطأ فادح، رفضه كل أهالي الجبل، مجددين تمسكهم بوطنهم الأم سوريا”.

إلى متى يمكن أن تستمر؟

يجيب “قرقوط”: “حقيقة لا أحد يمكنه التكهن إلى متى ستستمر هذه المظاهرات، لكن الواضح أن الأمور تزداد تعقيداً، لخصوصية المنطقة الجنوبية، وردات فعل النظام الاعتيادية على هكذا تظاهرات، كما جرى سابقاً في عدد من المحافظات، إذ إنه لا يعير انتباها للمطالب المحقة والمشروعة للناس، يضاف إليها هذه المرة التهم التخوينية”.

ويضيف: “واللافت أن هناك إصراراً شعبياً في تحقيق شعار التظاهر وهو العيش بكرامة، بالمقابل هناك ردة فعل غير مبالية رسمياً من النظام حتى الآن، وترك الأمور تسير كيفما كان، رغم أن الشارع المقابل للمتظاهرين – أي موالاة السويداء – بدأ بالتحذير من العواقب غير المحمودة للتظاهر”.

وهذه التحذيرات تعني، بحسب السياسي، أن “النظام لن يترك المتظاهرين بلا تدخله، ولن يسمح لهم بالتعبير عن مطالبهم إلى فترة طويلة، وربما سيستخدم أسلوبه الاعتيادي بالترغيب والترهيب، للحيلولة دون تحقيق أي مطلب للمتظاهرين”.

قد يتدهور الوضع

وحول الصدى الدولي لما يجري، قال قرقوط: “ما يجري في السويداء خاصة، وسوريا عامة، هو خارج الاهتمام الدولي، وربما هذه نقطة إيجابية بأن تبقى التظاهرات دون تدخلات خارجية، ما يبدد الرواية غير الصادقة التي بدأ عدد من المحللين التابعين للنظام بترديدها”.

وحول توقعاته لاستجابة حكومة دمشق، أضاف: “لا أتوقع أن يستجيب النظام لمطالب المتظاهرين، لعجزه الاقتصادي أولاً، وعدم رغبته في تحقيق انتقال سياسي ثانياً وفق القرار ٢٢٥٤، لذلك من المرجح أن تتدهور الأمور أكثر، وتشهد السويداء حملة عسكرية تمنع المتظاهرين بالقوة من متابعة تظاهراتهم. ولذلك إن أفضل الحلول هو الحوار الذي يستند إلى حق الناس في العيش بكرامة”.

استشعار دعم المحافظات

يرى حسام البرم وهو صحفي وباحث سياسي، أن المتظاهرين في السويداء بدأوا يستشعرون الدعم الكبير سواء من درعا أو من محافظات أخرى، وتأييداً من الوسط العربي للحراك.

ويضيف الباحث السياسي لنورث برس: “يوجد تحرك سياسي من الولايات المتحدة وعلى المستوى العربي ولكن غير معلن، وقد يفضي إلى نتيجة إذا استمر الحراك ولكنه يعتمد على مدى تجاوب واتساع رقعة الحراك واستجابة الساحل السوري لأن المراهنة اليوم أنه إذا تحرك الساحل فسيحصل تغيير”.

ولكن “حجر العثرة” في هذا الأمر، بحسب “البرم”، هو “خلط الأوراق من قبل الروس والإيرانيين وبالأحرى تصعيد محتمل من قبل الطرفين”.

ولا تملك حكومة دمشق، أي شيء تفاوض عليه مع السويداء أو غيرها من المحافظات “حتى تقدمه لحل هذه المشكلة”، بحسب “البرم”، ولذلك “الحل الوحيد لديها هو حرب شاملة بالتنسيق مع الإيرانيين على جهة ما”.

ورجح الباحث السياسي أن تكون هذه الجهة مناطق تواجد القوات الأميركية، ووصف تلك الخطوة في حال حصولها بـ”المجنونة من النظام”، للخروج من الضائقة السياسية والاقتصادية التي يمر فيها “وقد لا تكون نتائجها محسومة ولكنها الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه”.

هذه المرة السويداء

يقول نصر أبو نبوت، سياسي ودبلوماسي سابق، أن الجديد في حراك الجنوب السوري الذي لم يتوقف منذ بداية الأحداث السورية، هو خروجه هذه المرة من السويداء، وبطريقة ملفتة للانتباه، جعلت السوريين يتفاعلون معه بأهمية بالغة أكثر من المرات السابقة.

ويرى “أبو نبوت”، أن هذه الاحتجاجات ستحقق نتائج مهمة، في حدودها الدنيا انها ستغير من هذا الوضع العقيم والراكد، وخاصة في الجانب السياسي، وأن الدول المعنية في الملف السوري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية سيكون لها كلمة في موضوع تحريك الملف السوري وخاصة في مسار جنيف والقرار 2254 وسيكون هناك مقاربات جديدة تنتقل فيه امريكا من إدارة الأزمة إلى إيجاد حلول جدية للملف برمته”.

وبدوره يرى الدبلوماسي السابق صقر الملحم، أن “النتائج من الانتفاضة الشعبية في السويداء يحددها صمود المتظاهرين في المحافظة واشتراك الذين مازالوا مترددين في دعم أهاليهم فيها”.

ولا يستبعد الملحم أنه في حال استمرت المظاهرات أن يكون هناك “نتائج مهمة على الصعيدين السوري والدولي، عبر وإعادة فتح القضية السورية في أروقة الأمم المتحدة وفي دول المنطقة والدول التي تمسك بالملف السوري والنظر إليها كقضية شعب ثار من أجل انتزاع حريته والخلاص من الظلم والقهر والاستعباد وليس كقضية نظام ومعارضة”.

ويشير أن النتائج تبقى مرتبطة “بكيفية تعامل النظام في الأيام القادمة مع الحراك الشعبي ومدى قدرة المتظاهرين على الاستمرار، خاصةً أنهم لم يعد لديهم ما يخسرونه”.

إعداد: ليلى الغريب/ رزان زين الدين ـ تحرير: تيسير محمد