غليان في مناطق الحكومة السورية وسط “فقر مدقع”.. مجرد احتجاجات أم بداية “ثورة”؟
ليلى الغريب ـ دمشق
حالة من الغليان تشهدها المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية في سوريا، تفاوتت حدتها وأشكال التعبير عنها بين منطقة وأخرى، إذ شهد الجنوب السوري مظاهرات واعتصامات وإغلاق طرق، بينما بدأت تتعالى أصوات محتجين في الساحل السوري، وفي حالات نادرة ظهر عدد من الناشطين بخطاب غير مسبوق في حدة انتقاده للسلطات، وعبر تسجيلات مصورة.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه البلاد تردياً متواصلاً في الوضع المعيشي، إذ وصلت مستويات الفقر إلى حدود غير مسبوقة، وصارت تكاليف الحياة عبئاً حقيقياً تعانيه معظم الأسر، بعد رفع الدعم عن الوقود، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
“ما بياكل حجر”
حالة وصفها البعض بأنها بداية “ثورة جياع”، بينما يرى آخرون أنها ستبقى محصورة في بعض المناطق، ويمكن أن تتراجع في حال تحسن الوضع الاقتصادي ولو بشكل طفيف.
التعبير الأبرز عن تلك الحالة هو ما يشهده الجنوب السوري منذ أيام، ففي درعا والسويداء يتزايد عدد الذين ينضمون إلى مظاهرات واعتصامات احتجاجاً على تردي الوضع المعيشي، وهي مظاهرات لم تكتف بالشعارات المطلبية، بل رفعت السقف وكررت شعارات تذكر ببداية الأزمة عام 2011.
الحراك في درعا شمل عدداً من المناطق مثل نوى والحراك وإنخل، إضافة إلى المدينة، وجاءت استجابة لدعوات إلى عصيان مدني، وحسب صفحات إخبارية محلية فقد شهدت مدينة نوى، وهي كبرى مدن المحافظة، إضراباً عاماً أغلقت فيه المحلات التجارية، كما صارت الحركة شبه معدومة، منذ أكثر من 5 أيام.
رفع المتظاهرون شعارات تطالب “برحيل النظام”، كما أظهرت مقاطع مصورة عدداً من المحتجين يغلقون بعض الطرقات.
“بدنا خبز وحرية وعدالة اجتماعية”، هو أحد الشعارات التي رفعها متظاهرون في السويداء، التي تشهد منذ أكثر من 5 أيام تحركات احتجاجية متصاعدة، اتخذت أشكالاً عدة من الاعتصامات، وإغلاق الطرقات، والإضراب العام، وإغلاق بعض الدوائر الحكومية، وخاصة مقرات حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.

وأظهر تسجيل صوتي، قيام مجموعة من الأشخاص بمنع أمين فرع الحزب، فوزات شقير، من مغادرة بلدة القريا، والتوجه إلى مقره، وطالبوه بالعودة، وقالوا له: “اليوم ما عاد حدا يخاف من حدا”.
العبارات التي تحمل بعداً سياسياً يتجاوز الوضع المعيشي الراهن، ظهرت في كثير من اللافتات التي رفعها محتجون ومنها لافتة تقول: “جاع الشعب بياكل حكامو ما بياكل حجر”.
الحركات الاحتجاجية طالت جميع الشرائح في المحافظة، وبينهم رجال دين، وذلك بعد بيان للرئاسة الروحية في المحافظة يؤيد مطالب المحتجين.
كذلك أصدر محامو المحافظة بياناً موجهاً إلى نقيب محامي سوريا طالبوا فيه بإقالة الحكومة المسؤولة عن القرارات الأخيرة المتعلقة برفع الدعم خاصة، والتراجع عن تلك القرارات، ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، إضافة إلى حل الأزمات القائمة بسرعة ومنها أزمات الكهرباء، والمياه، والمحروقات.
وفي الساحل.. صوت يعلو
وفي حالات نادرة، بدأت تتعالى أصوات في الساحل السوري، وظهر عدد من الناشطين يؤيدون التحركات الجارية في الجنوب السوري، ويوجهون لأهله التحية، كما ظهرت أصوات تدعو إلى عصيان مدني، خاصة أن الراتب لم يعد كافياً للوصول إلى العمل، وهو بالكاد يكفي تأمين الطعام لأيام فقط.
ومضى ناشطون آخرون خطوات أبعد ليرفعوا سقف المطالب، ويتوجهوا بالحديث إلى الرئيس بشار الأسد شخصياً، في حالة غير مسبوقة لم يشهدها الساحل منذ سنوات طويلة، وهو ما ظهر في تسجيلين مصورين لاثنين من الناشطين في الساحل، وجها خطاباً عالي النبرة ضد الرئيس الأسد.
بينما تم اعتقال الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل، بعد تسجيل مصور انتقد فيه تدهور الأوضاع المعيشية، حسبما أكدت ابنته في تدوينات نشرتها عبر صفحته الشخصية.
وكان “إسماعيل” انتقد الحوار التلفزيوني للرئيس، وقال إنه “لم يلامس أوجاع أحد، ولم يتحدث عما يلامس الواقع”، وأشار إلى أن الدولار ارتفع بعد تصريحاته.
كرامة.. جياع
وأثارت تلك التطورات أسئلة كثيرة منها: “ما الذي يمكن أن تفضي إليه تلك التحركات؟ وهل أوصل الجوع السوريين إلى التحرك لتستعيد البلاد ما شهدته منذ 2011؟ ومن المظاهرات التي أطلق عليها ثورة الكرامة، إلى ما يسمى اليوم ثورة الجياع”؟
حول ذلك كتب أحد المحتجين عبر إحدى الصفحات الإخبارية في السويداء: “أي نعم بدنا ناكل، ما العيب في هذا؟! تسميها ثورة جياع سميها ياسيدي، ضراب السخن. المهم أنها تعبر عن الشارع عن وجعه وهمومه، وغير مطلوب منها أن تعبر عن مشاريعك وتوجهاتك”.
وأضاف: “الانتفاضة هي الانتفاضة، من أجل رغيف خبز، أو من أجل كرامة، فالانتفاضة هي قول كلمة لا في وجه سلطان جائر”.
ويختتم بالقول: “على كل حال، لا شيء أصدق اليوم، ولا أبهى من صرخة الشعب عندما يقول: بدنا ناكل يا بشار”.
يقول صحفي سوري مواكب لتلك التطورات، إن إطلاق أوصاف “الكرامة” أو “الجوع” على التحركات لا يقدم صورة حقيقية للواقع، وهو أمر لا يتعدى أن يكون إطلاق أحكام قيمة على تحرك الناس، وأن العوامل الاقتصادية كانت دوماً هي المحرك الأساسي للتغيير الجذري، خاصة أن التحركات الراهنة لا تكتفي بالشعارات المطلبية، وهناك إدراك واضح لدى معظم المحتجين بترابط العوامل السياسية مع القضايا المطلبية، ولهذا بدأنا نشهد العودة إلى شعارات وهتافات أطلقت عام 2011.
ويشير إلى أن الظروف في سوريا “تؤكد أن التغييرات الحقيقية هي تلك التي تكون أسبابها مشتركة لدى جميع الشرائح، ولا يوجد اليوم أكثر تأثيراً من العوامل الاقتصادية التي أدت إلى وضع معظم السوريين في هاوية من الفقر والجوع، وبالتالي وحدت مواقفهم، خاصة بعد سنوات طويلة اختبر فيها السوريون جميع القوى سواء تلك التي في السلطة أم غيرها، واكتشفوا أن معظمهم يقولون ما لا يفعلون، وأن ما يوحدهم أكثير بكثير مما يفرقهم”.
وحول السقف الذي يمكن أن تصل إليه تلك الاحتجاجات، يقول الصحفي السوري، إنه “من الصعب تصور ذلك، إلا أن الواضح أن تلك الاحتجاجات لن تتوقف قبل تحقيق جزء مهم من المطالب”.
ويضيف أن “علينا ملاحظة شيء مهم في البلاد، وهو وجود قوى أخرى إقليمية ودولية مسيطرة، ومن الخطورة اليوم أن صراع السوريين ليس فقط مع الحكومة أو من يوجهها بل أيضاً مع تلك القوى المستفيدة من ذلك الوضع والتي تريد له الاستمرار”.