الحاج جمعة.. تطور الأدوات لم يوقف شغفه بمزاولة مهنته الممتدة منذ نصف قرن

دلسوز يوسف ـ القامشلي

بيدان ترتجفان ملطختان بالشحوم، يجهد السبعيني الحاج جمعة، في صيانة دراجة هوائية صغيرة أمام محله بريف القامشلي، شمال شرقي سوريا، إذ إنه أقدم مختص في صيانة الأدوات المنزلية في المنطقة.

ولم يمتهن الحاج جمعة (76 عاماً) مهنة أخرى على مدى خمسة عقود، منذ أن تعلمها لدى أحد سكان قريته في الستينيات من القرن الماضي.

ورغم تتالي السنوات وتطور الأدوات، إلا أن ذلك لم يثنِه شغفه وسنه الكبير في مواصلة مهنته، لطالما يقول عنها بأنها لم تعد مجرد مهنة لكسب الرزق إنما روتين يومي تجمعه بسكان قريته والقرى المجاورة.

حكايته

مع صبيحة كل يوم يتوجه جمعة شيخ محمد والمعروف بـ”الحاج جمعة” من مواليد 1947 إلى محله الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 3 أمتار مربعة، والملاصق لمنزله في بلدته تل معروف جنوب غربي القامشلي.

في بداياته امتهن المسن السبعيني عمل العطارة، وأمضى فيها بضع سنين، حيث كانت القيمة المادية للأشياء حينها بخسة ويمكن للمرء شراء ما يحلو له، وفق قوله.

ليقول ساخراً من ارتفاع أسعار المواد حالياً “كنا نجلب كيس الشاي الذي يزن 50 كغ بـ 60 ليرة سورية”.

بعد عمله سنوات قليلة في مهنة العطارة، توجه للعمل لدى أحد الصناعيين في مجال صيانة الأدوات المنزلية ضمن قريته قبل أن تتوسع وتتحول إدارياً في الوقت الحالي إلى بلدة.

وتعلم الحاج جمعة، صيانة المدافئ والبابور وغيرها من الأدوات المنزلية، وبعد أن أتقن العمل جيداً فتح محله الخاص بالقرب من سجن القرية حينها، وذلك في عام 1965.

ويقول عن عمله لنورث برس: “كان السكان يقصدون محلي بجلب قطع التنك لأحولها لهم إلى بواري للمدافئ بالإضافة إلى صيانة المدافئ والبابور وأباريق توتياء وغيرها”.

بعد مكوثه عدة سنوات في ذلك المحل، قام صاحبه بتخريبه، ليتنقل الحاج جمعة، إلى محل آخر بالقرب من محطة الوقود ضمن البلدة، ليعمل فيها هو وأولاده.

وبعد 20 عاماً من العمل في ذلك المحل، انتقل السبعيني إلى محله الحالي الملاصق لمنزله.

ورغم الحداثة، لا يزال محل الحاج جمعة، محافظاً على حاله من حيث الطراز المعماري القديم الذي يتميز بسماكة جدرانه المبنية من الطين والقش.

مع تقدمه في السن ومرضه بعصب في رجله والديسك في ظهره، لم يعد السبعيني يستطيع صيانة الأدوات كما السابق ليقتصر عمله على صيانة الدراجات الهوائية وبعض القطع المنزلية الصغيرة.

ويقول المسن الذي يرتدي نظارة طبية وقميصاً رصاصي اللون ووشاح أبيض على رأسه: “لم يتبقَّ لدي شيء سوى دراجات الأطفال لصيانتها، لذا أقول لأصحابها أمهلوني عدة أيام لصيانتها بسبب التعب الجسدي”.

وبينما يقضي جل وقته في محله بين الخردوات، يقول الحاج جمعة، بأن هدفه من مزاولة مهنته هو ليس الربح بقدر ما هي مهنة يحبها إلى جانب التفاعل وتبادل الأحاديث مع المارة والزبائن الذين يقصدونه من جميع المنطقة.

ويقول: “هدفي ليس الربح أقوم بتصليح دراجة هوائية لقاء مبلغ زهيد يتراوح بين 5 – 20 ألف ليرة سورية، حالياً الدراجات كلها باتت حديثة يتجاوز سعر إحداها مليون ونصف المليون ليرة”.

ويضيف متهكماً: “سابقاً كنت أجلب خمس دراجات من حلب بـ 150 ليرة لكل واحدة”.

ويؤكد المسن السبعيني بأن عمله صعب بالنسبة له ولا سيما أنه يتطلب جهداً عضلياً، نظراً لأنه يقوم بجميع أعمال الصيانة بيديه، “سابقاً كانت لدي ماكينات للصيانة بينما أسير حالياً على عكازة”.

شغف وعلامّة

ورغم جميع الصعوبات التي يواجهها في عمله إلا أن المسن الذي قضى معظم حياته في هذه المهنة، يأبى التخلي عنها ولا سيما أن محله من أشهر المحلات في المنطقة.

ويقول: “أنا مشهور في المنطقة وعلامة فارقة، عندما فتحت محلي حينها كان يوجد نحو 7 محلات فقط بالقرية”.

ويتذكر السبعيني الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية بعام واحد، جميع الحقب الزمنية التي عاشتها المنطقة سواء أثناء التواجد الفرنسي في سوريا وصولاً إلى يومنا الراهن، والتفاصيل الصغيرة عن جميع منطقته.

ورغم محاولات أولاد الحاج جمعة، إقناعه بالكف عن العمل، إلا أن شغف المهنة لديه والتواصل مع السكان خلالها يدفعانه للاستمرار.

ويقول: “لا أصبر بلا عمل، العمل هو أُنس بالنسبة لي، خلاله أتواصل مع الأشخاص الذين يأتون للجلوس أمام عتبة المحل ونتبادل الأحاديث في جميع المواضيع التي تخطر بالبال”.

تحرير: تيسير محمد