في سبق إعلامي عربي أجرى مراسل محطة سكاي نيوز عربية مقابلة مع الرئيس بشار الأسد في دمشق، أذيعت مساء التاسع من الشهر الجاري، وهي تشكل نوعاً من الخروج على عادته المقلة في الظهور الإعلامي في السنوات الأخيرة، وربما هي الوحيدة التي جرت مع قناة عربية منذ سنوات.
وكالعادة، خاب أمل السوريين مما جاء فيها بخصوص أزمة البلاد، ومعاناة السوريين من ضنك العيش؛ وعلى ما يبدو فقد تم اختيار الأسئلة بحيث يتم تجنّب المسائل الجوهرية والحساسة المتعلقة بدور نظامه في الأزمة التي تسبب بها لسوريا والسوريين، وفي كيفية الخروج منها.
السوريون اليوم لم يعد يهمهم كيف حصلت الأزمة، ولماذا حصلت بهذا الشكل وليس غيره، ولا بصمود الرئيس وعدم استقالته، ولا بمفاوضات نظامه مع إسرائيل أو أمريكا، ولا بتحالفه مع روسيا وإيران، ولا بكيفية استلامه للسلطة، وغيرها من أسئلة. ما يهم السوريين حقيقةً، هو كيف يمكن إخراج البلد من الأزمة، وكيف يمكن تحسين الواقع المعيشي فيها، وهي قضايا لم يتم طرح أسئلة مباشرة حولها، وبالتالي لم يقاربها الرئيس في أجوبته.
بالعودة إلى الأسئلة، وجواباً على السؤال المتعلق باحتمال تفادي ما حدث لسوريا، كان جواب الأسد أنه لم يكن بالإمكان تفادي ما حصل إلا إذا تخلت سوريا عن “مبادئها ومصالحها”. ما هذه المبادئ التي يتطلب الحفاظ عليها تدمير سوريا وتمزيق وحدة شعبها؟! وما هي مصلحة السوريين في ذلك؟ يعلم أي مراقب موضوعي لمجريات الأزمة السورية منذ بدايتها، أنه كان يوجد دائماً احتمالات لعدم حصولها أساساً، أو على الأقل عدم حصولها بالشكل الذي حصلت به. يؤكد كثير من السوريين أنه لو نفّذ الرئيس الوعود التي قطعها على نفسه في خطاب القسم عندما تولى الرئاسة في عام 2000 لحصل تغيير مهم في بنية النظام باتجاه مزيد من الحرية والديمقراطية وهي مطالب رفعها المتظاهرون السلميون في عام 2011. ولو أنه استجاب لنداء نخب سورية سياسية وثقافية واقتصادية قبل تفجر الأزمة (بيان المئة، وبيان الألف) التي طالبت بوضع خطة زمنية طويلة نسبياً للتغيير “السلمي المتدرج والآمن” باتجاه نظام ديمقراطي ربما لتم تلافي حصول الأزمة أساساً. وفي بداية تفجر الأزمة طالبت هذه النخب بعقد مؤتمر وطني شامل للبحث في الخيارات المتاحة لتجنب اتساع نطاق الأزمة، مما يخلق بيئة مناسبة لاستخدام السلاح والتدخل الأجنبي فيها، لكنه رفض ذلك. ورفض أيضاً التعامل بجدية مع المبادرة العربية الأولى والثانية التي كانت كفيلة بالخروج من الأزمة أيضاً.
وجواباً عن سؤال حول عدم تقديم استقالته تلبية لأحد مطالب المتظاهرين، أجاب الرئيس إن عدد المتظاهرين الذين طالبوا باستقالته لم يتجاوز “المئة ألف ونيف” في جميع المحافظات، لكن هذه المرة لم يربطه بالدولارات التي كانت تدفع لهم من الخارج كما فعل في مناسبة سابقة. الواقع يخالف ما ذهب إليه الرئيس إذ تجاوز عدد المتظاهرين مئات الآلاف في أغلب المحافظات السورية، وإذا أضيف إليهم حاضنتهم الاجتماعية يصير عددهم بالملايين. واليوم يمكن القول، بدرجة عالية من المصداقية، إن الغالبية العظمى من الشعب السوري لم تعد ترضى ببقاء النظام ذاته، حتى في المناطق التي عُدت موالية، وهم يعبرون عن ذلك علناً.
وفي جواب عن سؤال يتعلّق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وتضافر جهود الدول العربية لمساعدة سوريا قال الأسد: إن العلاقات العربية شكلية، وهي لا تطرح أفكاراً عملية، لكونها لا تعمل بشكل مؤسساتي، ولذلك فهو لا يتوقع منها شيئاً، بل يأمل!
على ما يبدو لم يشعر الرئيس بأية مفارقة عندما تحدث عن غياب المؤسساتية في عمل الجامعة العربية، خصوصاً أن نظامه لا يقيم وزناً للمؤسساتية، وهو من أشد الأنظمة الاستبدادية محافظةً. وأكثر من ذلك فقد حمّل الدول التي دعمت المعارضة المسؤولية عن دمار سوريا، وعن الفوضى التي حلت بها وتم استغلالها لإنتاج وتجارة المخدرات!
وعندما سُئل عن المعارضة التي يعترف بها كان جوابه واضحاً وهي المعارضة المصنّعة داخلياً. في الواقع حتى هذه المعارضة لا يعترف بها فعلياً فهي مجرد أطر شكلية، وإذا ما حاول أحدها الخروج عن الإطار المرسوم له يقوم بحله كما فعل مع أحد الأحزاب المرخصة التي شاركت هيئة التنسيق الوطنية في مؤتمر الإنقاذ الذي عقد في دمشق في عام 2013 بضمانة روسية صينية. المعارضة بالنسبة للنظام السوري إما عميلة أو خائنة، وأضاف لها وصفاً جديداً في أحد خطبه بأنها “عدوة الشعب”.
أما اللافت فقد كان اعتراف الأسد بأن الكثير من القرارات، التي اتخذها في بداية تفجّر الأزمة، لم يكن راضياً عنها، وضرب مثلاً تعديل الدستور. ومن المعلوم أن الدستور الجديد لعام 2012 لا يختلف كثيراً عن الدستور القديم لعام 1973 إلا في مسألتين رئيستين تتعلقان بتحديد ولاية الرئيس بدورتين، وبقيادة الحزب للدولة والمجتمع، وعلى ما يبدو هما التعديلان اللذان لا يروقان للرئيس. وعندما يحل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة من المؤكد أنه سوف يتم تعديلهما لكي يسمح له تجديد “انتخابه” لولاية جديدة.
لا شك بأن أجوبة الرئيس عن أسئلة مراسل سكاي نيوز عربية كانت صادقة، فهو حقيقة يؤمن بما أجاب به، مع أن الواقع يقول غير ذلك. السوريون اليوم بحاجة لمعرفة كيف سوف يتم إعادة توحيد بلدهم، وتحريرها من المحتلين لها، وإعادة إعمارها، وتأمين عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، وتحسين الواقع المعاشي للناس، وهي الأسئلة التي لم توجه له للأسف.