حالة فقر شاملة في سوريا.. و”الحلول” الرسمية تزيد البؤس

ليلى الغريب ـ دمشق

رغم مستويات الفقر المستمرة بالانحدار في سوريا التي تحولت إلى بلد للفقراء بالكامل، ورغم المفارقة التي يعيشها العاملون بأجر وتجعل رواتبهم تتناقص باستمرار بدل أن ترتفع، بتأثير انهيار قيمة العملة، ورغم أن مفارقات الرواتب لا تنتهي عند أنه لا يكفي حتى لتأمين الطعام، رغم كل ذلك تبدو الحكومة في وادٍ آخر ولا يشغلها إلا سد العجز في الموازنات، وطبعاً لا تجد غير العاملين لديها لتسحب من جيوبهم المزيد.

كم سعر كيلو اللحمة؟ سؤال كانت إجابته ذاتها من معظم السوريين: “والله ما بعرف من زمان ما سألت عنها ولا اشتريتها”، وهذا لا يشمل اللحوم الحمراء فقط، بل أيضاً الفروج وأجزاءه، إذ وصل سعر كيلو الشرحات إلى نحو 45 ألف ليرة، وهو ما يعني أن راتب الشهر بالكاد يكفي ثمناً لـ 3 كيلوغرامات من تلك المادة.

حتى مكونات صحن تقليدي سوري كـ”السلطة” مثلاً، صارت تلتهم جزءاً كبيراً من الراتب، إذ إن كيلو البندورة يعادل نحو 2500 ليرة، بينما كيلو الخيار نحو 2700، أي أن “السلطة” صارت تستنزف الراتب كله. (وسطي الأجور محدد عند 150 ألف ليرة)، وذلك قبل صدور المرسوم الرئاسي بزيادة 100% للعاملين في الدولة.

جميع السلع شهدت ارتفاعات بنسب مختلفة في أسعارها، ومع الزيادة، بات يخشى السوريون، ارتفاعات “خيالية” في أسعار المواد.

وقال محمد عادل، اسم مستعار، لأحد الموظفين في مؤسسة حكومية، إنه لا يفعل سوى أن يحذف مواداً جديدة من قائمة السلع التي يمكن أن يشتريها براتبه، ثم يستدرك: “طبعاً لا نتحدث عن الألبسة أو غيرها.. نتحدث فقط عن الطعام”.

يعملون مجاناً

وتراجع القدرة الشرائية لليرة أوصل العاملين بأجر في الدولة إلى حال يشبه “من يعمل دون أي مقابل”، كما يقول باحث اقتصادي، لنورث برس، ويوضح أن قيمة الليرة أمام الدولار تراجعت منذ مطلع العام الجاري وحتى اليوم بنحو 100 في المئة، إذ كان الدولار يعادل 6700 ليرة وأصبح اليوم 14 ألف ليرة، وهذا يعني أن أجور العاملين تراجعت من نحو 22 دولاراً إلى أقل من 11 دولاراً في الشهر.

ذلك التراجع يقابله تزايد في التضخم، وقد سجلت ارتفاعات الأسعار زيادات تجاوزت 100 في المئة، ووصلت إلى قيم هائلة قياساً بالرواتب، واستناداً إلى كل ذلك يمكن القول: “فعلاً، العامل بأجر يعمل اليوم مجاناً، ودون أي مقابل، بل إنه يدفع من جيبه، فأي جدوى من عمل تعادل أجرة الذهاب والعودة منه أكثر من ثلث أجره؟”.

ما الذي فعلته الحكومة؟ يتساءل الباحث، ويجيب: اتفقت مع مجلس الشعب على جلسة “استثنائية”، سرعان ما حطمت كل الآمال التي استبقتها بتغيير ما، إذ تبين أن الهدف منها هو إبلاغ الناس أن تلك الحكومة تواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة، وحصاراً، وأنها بالتالي ستتجه نحو إلغاء ما تقدمه من دعم لبعض السلع، ورغم أنها قلصت الدعم، والإنفاق العام إلى حدوده الدنيا، فإن أسراً كثيرة ما زالت تعتمد على ذلك الدعم، “وإلغاءه سيعني أن مزيداً من الفقراء سينضمون إلى شريحة الفقر المدقع”.

وحول الزيادة، ذكرت إحدى السيدات مثلاً شعبياً لتقول إن الزيادة هي من الدعم الذي سيتم إلغاؤه، وأضافت بابتسامة: “يعني من دهنو سقيلو”.

ويرى كثير من السوريين أن أي زيادة “لن تكون مجدية إن لم تكن تضمن وصول الراتب إلى أكثر من مليون ليرة”.

التكاليف أضعاف الرواتب

وحسب إحصاءات أجرتها صحيفة “قاسيون” التي يصدرها “حزب الإرادة الشعبية” والتي تُجري دراسات دورية عن الأسعار، فإن وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية في بداية تموز/ يوليو الماضي، بلغ 6.5 ملايين ليرة، وأشارت إلى أن ذلك المؤشر ارتفع بمقدار 15 في المئة عن مثيله في الأشهر الثلاثة السابقة.

يقول الباحث، إن الإحصاءات الرسمية عن حال البلاد تكاد تكون غائبة، واستناداً إلى تصريحات أدلى بها المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء، شفيق عربش، قبل نحو عام، فإن نسبة الفقر تشمل معظم السوريين لتتراوح بين 90 إلى 95 في المئة، (وهي النسبة التي تعتمدها الأمم المتحدة).

وبحسب “عربش” فإن نسبة من يعانون انعداماً في الأمن الغذائي، تزيد عن 55 في المئة، (وهي نسبة تقل قليلاً عن آخر دراسة نشرها المكتب حول الأمر وتستند إلى إحصاء ميداني أجري عام 2017 وكانت نسبة غير الآمنين غذائيا تتجاوز 66 في المئة).

ويضيف الباحث أنه وأمام كل ذلك التردي الذي يعايشه السوريين، وتعكس بعضاً منه الأرقام المخيفة، فإن “الحكومة لا تعد السوريين بأي شيء سوى أنها سترفع ما تبقى من دعم تقدمه لبعض السلع الضرورية”.

وحول ذلك يقول إن “ما تفعله الحكومة سيؤدي عملياً إلى زيادة الأمور سوءاً، إذ إن الزيادة في الرواتب لن تكون قادرة على امتصاص نسب ارتفاع الأسعار الذي سيعقب رفع الدعم، وبنسبة قد تصل إلى 50 في المئة”.

ويشير إلى أن الأرقام التي تعلنها الحكومة حول حجم الدعم الذي تنفقه “مشكوك فيها”، إذ إن المواطن يلمس منذ سنوات كيف تتراجع الكميات التي تقدمها الحكومة بأسعار “مدعومة” سواء المحروقات أم المواد الغذائية.

ودون سابق إنذار ألغت الحكومة توزيع بعض المواد بشكل شبه نهائي، كما حدث في مادة المازوت مثلاً، هناك أسر لم تستلم أي مخصصات طوال عامين، كذلك بالنسبة للرز والسكر التي ألغتها الحكومة دون إعلان رسمي، إذ تباعدت فترات الرسائل التي يمكن بموجبها شراء تلك المواد، حتى اختفت نهائياً.

تحرير: تيسير محمد