إقليم كردستان..أشهرٌ من الصراع يُحجّمها إعلان موعد انتخابات “مرحب به” دولياً
أربيل- نورث برس
الكثير من الخلافات السياسية بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق، حُجمت أمام إعلان رئاسي “هام” لتحديد يوم 25 من شباط/ فبراير2024، موعداً للانتخابات التشريعية المقبلة، لتمثل أحدث إشارة إلى تجاوز أبرز المعضلات التي شهدها الإقليم خلال العام.
وبالرغم من أن تحديد موعد الإنتخابات من قبل رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، لا يعني بالضرورة تصفير المشاكل بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني المتنافسين والشريكين في نفس الوقت، إلا إنه حظي بإشادة دولية واسعة.
جاء الإعلان المرحب به دولياً، بعد أشهر طويلة من الخلافات بشأن الملف الانتخابي نفسه، إلى جانب حزمة خلافات أخرى بين الحزبين البارزين.
سلسلة خلافات
ما عدا تلك التي شهدتها عقود التسعينات والثمانينات، لم يمض عامٌ في إقليم كردستان في عصره الجديد بعد سقوط نظام صدام حسين، إلا وشهد خلافاً بين الحزبين الديمقراطي والإتحاد الوطني الكردستانيين، بدءاً من قضايا تتعلق بالنفوذ والسيطرة، وصولاً إلى قضايا إقتصادية ،وشكل التعامل مع الحكومة المركزية، فضلاً عن المنافسة على مناصب عليا هناك.
دخل الإقليم عام 2023، حاملاً معه قضية اغتيال العقيد هاوكار الجاف في أربيل خريف العام الفائت، أعقبه اصدار حكم بإعدام رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية بعد اتهامه بعملية الاغتيال، مما شكل بداية لصفحة جديدة من الخلافات والتوتر بين الحزبين.
وبعد أشهر من الخلاف و الاتهامات المتبادلة، أجتمع رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، ونائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، في مطلع أيار/مايو الماضي، وتم خلاله الاتفاق على حل جميع المشاكل من خلال الحوار والتعاون بين جميع الكتل الوزارية ضمن التشكيلة الحكومية.
كان ذلك بعد أن شهدت الحكومة انقساماً خلال فترة الأزمة وقاطع وزراء الإتحاد الوطني الجلسات الوزراية، إلا أن وساطة دولية ولاسيما الأميركية، حققت على ما يبدو تفاهماً بين الطرفين، وإعادة الفريق الوزاري للاتحاد الوطني الكردستاني إلى الجلسات.
على مستوى المؤسسة التشريعية، وفي شهر أيار/مايو الماضي، تحول برلمان الإقليم إلى حلبة بين الحزبين بعد تصويت البرلمان على تفعيل مفوضية الانتخابات في الإقليم.
وفي البرلمان الحالي، يملك الحزب الديمقراطي الكردستاني الأغلبية مع 45 مقعداً، يليه الاتحاد الوطني الكردستاني مع 21 مقعدا، وباقي المقاعد موزعة على أحزاب المعارضة وأخرى صغيرة.
ومدّد برلمان الإقليم المؤلف من 111 مقعداً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مدة دورته عاماً إضافياً، مؤجلاً الانتخابات التي كان يفترض أن تجرى في الشهر نفسه، على خلفية النزاعات بين الحزبين، حول كيفية تقسيم الدوائر الانتخابية.
وبعد ذلك، حدد موعد الانتخابات في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، لكن مفوضية الانتخابات العراقية طلبت إرجاءها من جديد لقرب موعدها من موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق المقررة في 18 كانون الأول/ديسمبر.
إلى ذلك، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية العليا قراراً بعدم دستورية تمديد عمل برلمان كردستان لعام إضافي، بعدما جدّد لنفسه في العام 2022، معتبرةً أن كل القرارات الصادرة عنه بعد تلك المدة “باطلة”.
على صعيد آخر، يختلف الحزبان أيضاً في الكثير من القضايا المتعلقة بتوزيع تخصيصات الموازنة المالية العامة.
وغالباً ما تختلف حكومة الإقليم مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن حصة أربيل من الموازنة وكذلك إدارة صادرات الموارد النفطية القادمة من الإقليم.
وفيما تضمن قانون الموازنة هذا العام بعد إقراره تعديلات للاتفاق بين بغداد وأربيل تنتزع من الأخيرة أي سلطة على تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، كان الجديد فيه أنه سمح لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المسيطر على مدينة السليمانية بالتعامل مباشرة مع بغداد التي ستحول حصته من الموازنة من دون تسليمها إلى حكومة الإقليم التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقد اعتبر قيادات الديمقراطي الكردستاني هذه الفقرة بمثابة سعياً إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين.
ويُدير الاتحاد الوطني الكردستاني محافظتي السليمانية وحلبجة بالإضافة إلى الإدارات المستقلة التابعة لهما، بينما يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي أربيل ودهوك والأقضية والنواحي التابعة لهما.
هذا ومن المعروف أن قوات البشمركة منقسمة على وحدتي (70) التابعة للاتحاد الوطني، و(80) الخاضعة لإمرة الديمقراطي الكردستاني، و بالتالي أصبح لكل من القوتين أجهزة استخباراتية وأمنية وعسكرية وأخرى معنية بمكافحة الإرهاب خاصة بهما، كل حسب مناطق نفوذه.
وكثيراً ما أدى هذا الانقسام الداخلي لاسيما على المستوى الأمني والعسكري، إلى أن يكون الإقليم في مرمى الانتقادات باستمرار ومن الحلفاء الدوليين الإستراتيجيين تحديداً، وسط مساعٍ لتوحيدهما.
اتفاق وإعلان
كان الحزبان الكرديان في إقليم كردستان قد عقدا اجتماعاً في مدينة السليمانية، نهاية شهر تموز/ يوليو الفائت، بهدف تقريب وجهات النظر بشأن الانتخابات، وباقي الملفات الخلافية بين الطرفين.
ويأتي هذا التطور بينما ضغط الموعد الذي حددته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق مطلع الشهر الجاري، لكي تتسلم الرد من رئاسة الإقليم بتحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة في الإقليم بدءا من 18 شباط /فبراير المقبل أو بعده، وإلا فإنها ستضطر لتأخير الموعد الذي يمكنها فيه تنظيم العملية الانتخابية.
وجاء في البيان الختامي بعد نهاية الاجتماع بين الحزبين أنه “بعد التباحث حول أوضاع المنطقة عامة والعراق وإقليم كردستان خاصة، يؤكد الجانبان على حماية كيان الإقليم وحقوقه الدستورية، وتكريس كل الجهود والإمكانيات لمواجهة التهديدات من أجل الحفاظ على الأوضاع المعيشية للمواطنين ومعالجة المشكلات”.
ودعم الطرفان إجراء انتخابات برلمان كردستان في الموعد الذي يحدده رئيس الإقليم، وبعد التشاور مع الأطراف السياسية الكردية.
وبالفعل، أصدر رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، أول أمس، الخميس، مرسوماً إقليمياً يقضي بإجراء انتخابات برلمان كوردستان في دورته السادسة بتاريخ 25 من شهر شباط من العام 2024.
وقال دلشاد شهاب المتحدث باسم رئاسة الإقليم في مؤتمر صحفي تلا فيه المرسوم، إنه حدد موعد الانتخابات البرلمانية بدورته السادسة، استناداً إلى أحكام الفقرة ثانياً من المادة العاشرة من قانون رئاسة إقليم كوردستان رقم (1) لسنة 2005 المعدل .
ودعت رئاسة الإقليم الجهات ذات العلاقة التعاون والتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتنفيذ هذا المرسوم.
إشادة دولية
ورحبت البعثات الدبلوماسية في أربيل وبغداد بالإعلان، وأعربت عن دعمها لإجراء “انتخابات حرة ونزيهة وشفافة”.
وقالت السفيرة الأمريكية لدى العراق ألينا رومانوفسكي في منشور على موقع إكس (تويتر سابقاً) إنها ترحب وتدعم الإعلان عن موعد الانتخابات في الإقليم.
وأعربت بريطانيا أيضاً من خلال بعثتها في البلاد، عن ترحيبها بالقرار، مطالبةً بإجراء انتخابات حرة وعادلة وشاملة من دون تأخير.
وأعتبرت القنصلية الهولندية في أربيل تحديد موعد الانتخابات بمثابة “إعلان مهم”.
كما قال سفير الاتحاد الأوروبي في بغداد فيلي فاريولا أنه خلال لقائه ببارزاني في أربيل، رحب بتحديد موعد الانتخابات، داعياً جميع جميع الأطراف إلى التعاون لإنجاح العملية”.
كذلك نائب القنصل الفرنسي في أربيل رودولف ريتشارد، وصف المرسوم الرئاسي لتحديد موعد الانتخابات البرلمانية في الإقليم بـ”خطوة كبيرة”.
كما أعربت السفارة الإيطالية في بغداد عن ترحيبها بالإعلان وطالبت بإجراء انتخابات حرة ونزيهةـ، تبعتها ترحيباً أيضاً من القنصلية الكندية مشجعاً جميع القوى والأحزاب على تكثيف جهودها لدعم انتخابات شفافة وحرة ونزيهة.
من شأن هذه الإنتخابات التي يفصل عن موعدها نحو نصف عام، أن تحدد ملامح الحكومة المقبلة في الإقليم، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستساهم في حل النقاط الخلافية التاريخية بين الحزبين الحاكمين ( الديمقراطي والاتحاد الوطني) و الذي يطلق على مناطق نفوذهما اسمي “الصفراء و الخضراء” حسب لون علميهما.