الرقة.. عواقب “وخيمة” لانحسار مجرى الفرات على المزارعين

فاطمة خالد/ فياض محمد – الرقة

يجلس عبد الرحمن بجانب أرضه التي أيبس الجفاف أطرافها، ينظر إليها بحسرة ويستذكر أياماً خلت كانت تجود عليه تلك الأرض من خيراتها.

عاصر عبد الرحمن أبو محمد (70 عاماً)، وهو مزارع في قرية طويحينة في ريف الرقة الغربي، فترة السبعينيات عندما فاضت المياه في نهر الفرات قبل إقامة سد الفرات عليه، ولم يتوقع الرجل أن تصل بهم الحال إلى هذا الجفاف.

المياه هي العمود الفقري في الأرض، لذلك لا يستطيع عبد الرحمن، الاستغناء عنها، لاعتماده الأكبر في حياته على الزراعة التي لا يعرف غيرها منذ سنوات.

ويعتبر سد الفرت من أهم السدود في سوريا، ويستفاد منه في مشاريع زراعية وتوليد الطاقة الكهرباء، لكن الكمية الوارد لا تكفي لتوليد الكهرباء كونها تتبخر نتيجة ارتفاع الحرارة.

“قد استغني عن الخبز الذي آكله قمحاً كان أم شعيراً، أو حتى من الذرة الصفراء، لكني لا أستطيع الاستغناء عن الماء”، يصف المزارع حاله.

تراجع كبير في المنسوب

زاد حبس تركيا لمياه النهر منذ شباط/ فبراير عام 2020، معاناة مزارعين على طول سرير النهر، كما أثر على مياه الشرب التي باتت ملوثة وضئيلة ومليئة بالأوساخ والبكتيريا التي تسبب الأمراض للسكان نتيجة ارتفاع نسبة الشوائب فيها.

حاجة عبد الرحمن الشديدة للزراعة كونها مصدر دخله الوحيد، دفعته لشراء محرك ديزل ويشتري قساطل إضافية يمدها لاستجرار المياه من النهر عن طريقها.

وبات الأمر يشكل عبئاً على “عبد الرحمن”، فلم تعد المحركات تفي بالغرض بسبب التكاليف الباهظة، التي تسببت بها للمزارعين فهي تحتاج إلى وقود ومعدات وغيرها، “واستجرار المياه من مسافات طويل يتعب المحركات”، وفقاً لقوله.

واضطر المزارعون لمد قساطل طويلة لاستجرار المياه من نهر الفرات، وملاحقة مجرى النهر بعد أن انحسر مئات الأمتار.

يقول “عبد الرحمن” إن قلة المياه أثرت “بشكل كارثي” على المزارعين في المنطقة، خاصة في ظل موجات الحر الشديد التي أدت إلى الجفاف الكبير فيها، فضلاً عن كون التربة صحراوية وتحتاج إلى الكثير من الماء لتصبح للزراعة.

“كارثة”

يضيف المزارع أنه في حال استمرار تركيا بسياسة قطع المياه عن الأراضي السورية، ستتسبب بـ “كارثة كبيرة” في المنطقة على كل السكان.

وبحسب قائمين على سد الفرات، فإن السد استنزف 3.5 مليار متر مكعب من مخزونه الطبيعي، حتى وصل منسوب بحيرته إلى 10.5 مليار متر مكعب من أصل 14.5 متر مكعب، نتيجة قلة الوارد المائي من تركيا.

وتخالف تركيا اتفاقية المياه الموقعة بين أنقرة ودمشق، والتي تنص على تدفق 500 متر مكعب في الثانية إلى سوريا، إلا أن الكمية التي تصل حالياً لا تتجاوز 200 متر مكعب في الثانية.

انحسار

بعد أن زرع عبد الله العبد (62 عاماً) أرضه بالخضروات الصيفية، بدأ سقايتها عن طريق محرك الديزل وخرطوم مياه بطول 500 متر، إلا أن نقص المياه أجبره على تمديد قساطل إضافية.

والثلاثاء الفائت، قال حمود حمادين، إداري في سد تشرين على نهر الفرات بريف منبج شمالي سوريا، إن السد يتوقف عن العمل لمدة 18 ساعة يومياً، بعد استنزاف 85 بالمئة من منسوب البحيرة، متوقعاً خروجه عن الخدمة “بشكل نهائي” في أي لحظة.

ويضطر “العبد” لاستدانة المعدات اللازمة للسقاية، واستجرار المياه، ناهيك عن المجهود الذي يبذله بحفر الأرض بحثاً عن أفضل مكان للمياه، لينقذ موسمه الصيفي من التلف والخسارة.

آثار سلبية

مع النقص الكبير في مياه الشرب والري في المنطقة، يتخوف المزارع من الصمت المحلي والدولي، حول تراجع منسوب الفرات، الذي سيؤدي إذا ما استمر إلى أثار سلبية وإضرار بحياة سكان المنطقة.

والسبت الفائت، قال أحمد أوسو، مدير سد الحرية في بلدة المنصورة جنوب غرب الرقة، إن إنتاج السد انخفض من 75 ميغا واط / الساعة إلى 14 ميغا واط/ بالساعة بسبب قلة الوارد المائي من تركيا.

وكسابقه يعمل حسن المصطفى (64 عاماً)، بزراعة الخضروات الصيفية في كل عام لتأمين حاجة عائلته وكمصدر دخل “بسيط” له.

وفي ظل قلة الدعم للمزارعين تزامناً مع قطع المياه والجفاف الذي أصاب الأرض، يقول “المصطفى”: “في حال استمرت هذه الحال ستتراجع الزراعة في المنطقة نتيجة عزوف الكثير عنها”.

تحرير: أحمد عثمان