عمليات الترحيل مستمرة.. شمال غربي سوريا غير قادر على استيعاب المزيد
مؤيد الشيخ ـ إدلب
يجلس أمجد برفقة العديد من أصدقائه على الحدود السورية التركية، بالقرب من مدينة سلقين شمالي إدلب، بانتظار حلول المساء ليبدأوا محاولة التسلل نحو الأراضي التركية بطريقة غير شرعية.
وفي السابع عشر من حزيران/ يونيو الفائت، رحلت السلطات التركية الشاب أمجد العمر (32 عاماً) نحو الأراضي السورية، بعد أن قامت بإلقاء القبض عليه أثناء عودته من عمله في أحد المعامل بمدينة إسطنبول التركية.
ورحِّل “العمر” إلى شمالي حلب، بالرغم من حمله إذن عمل وبطاقة “الكيملك” الخاصة به، تاركاً خلفه زوجته وأطفاله الأربعة في مكان سكنهم بمدينة إسطنبول دون أي معيل لهم.
وقامت السلطات التركية منذ مطلع العام الجاري، بترحيل مئات اللاجئين السوريين الذين يقيمون على أراضيها قسراً إلى الأراضي السورية، وذلك في إطار خطتها لإعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى ما اسمتها “بالمنطقة الآمنة”.
وتعمل تركيا على إنشاء “المنطقة الآمنة” منذ نحو عامين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية القريبة من حدودها في شمالي وشمال غربي سوريا، حيث تقوم ببناء وحدات سكنية بدعم من منظمات كويتية وقطرية وفلسطينية لإيواء العائلات التي ستقوم بترحيلها إليها لاحقاً.
وأمس، رحلّت السلطات التركية، 140 لاجئاً سورياً من بينهم سيدة حامل نحو مناطق إدلب شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى، ليتجاوز عدد المرحلين في اليوم ذاته الـ200 مرحل نحو مناطق بشمال وغربي سوريا.
ويقول “العمر” لنورث برس، إنه خرج مع عائلته في عام 2019 نحو الأراضي التركية بطريقة غير شرعية بهدف البحث عن حياة ومستقبل أفضل لعائلته وللخروج من أجواء الحرب التي عاصر بها أكثر من تسعة سنوات.
ويضيف أن “كل ذلك لن يشفع لي بعد أن قامت إحدى دوريات الشرطة بألقاء القبض علي أثناء خروجي من المعمل بمدينة إسطنبول، وتم حجزي في مركز الترحيل برفقة أكثر من 150 شخصاً لتقوم بعدها السلطات بترحيلنا إلى معبر باب السلامة شمالي حلب”.
ويلجأ الكثير من الأشخاص الذين قامت السلطات التركية بترحيلهم إلى طرق التهريب غير الشرعية للعودة إلى تركيا لا سيما وأن معظمهم ترك خلفه أطفاله أو عائلته، إلا أن ذلك أصبح صعباً للغاية خلال الآونة الأخيرة نظراً للتشديد الكبير على الحدود مع سوريا من قبل الجندرما التركية.
ويحاول “العمر” العودة إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، ولأكثر من 13 مرة حتى منتصف هذا الشهر، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل فضلاً عن تعرضه في كل مرة مع رفاقه للضرب المبرح على أيدي الجندرما التركية.
وباتت أجور التهريب للدخول إلى الأراضي التركية تزيد عن ألفي دولار أمريكي، بعد أن كانت العام الفائت لا تتجاوز 800 دولار، ورغم ذلك فإن فرصة الدخول بنجاح “شبه مستحيلة”.
يشير بهاء حاج أحمد وهو اسم مستعار لموظف إداري في معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا شمالي حلب، أن السلطات التركية ترحل يومياً عشرات الأشخاص في الأحوال الطبيعية، إلا أنه ومنذ مطلع الشهر الجاري بات العدد اليومي بالمئات وجميع هؤلاء يرحلون قسراً.
ويشدد “حاج أحمد” أن معظم السوريين الذين يجري ترحيلهم هم من نازحي حلب وحماة ودمشق، كما أن معظمهم ليس لديه أي أقارب في الشمال السوري وعند وصوله من تركيا إلى الأراضي السورية لا يدري أين يذهب، وإلى الآن لا يوجد أي منظمة أو جهة حكومية تتكفل بهؤلاء إذ يتركونهم لمواجهة مصيرهم.
وتعتبر عمليات الترحيل القسري في الوقت الحالي جريمة حقيقة بحق الإنسانية وبحق الشعب السوري في وقت صعب يعيشه الشمال السوري، حيث لا تزال المنطقة متوترة وغير آمنة فلا يكاد يخلو أسبوع من عملية خطف أو تفجير هناك.
ويفترض أن تكون “القرى التي بنتها تركيا بدعم قطري وكويتي وفلسطيني في شمال غربي سوريا ولا سيما في عفرين وريفها، لمن تسميهم تركيا بالعائدين طوعاً إلى الشمال السوري، لكن في الواقع هؤلاء الأشخاص لم يستلم أي منهم غرفة واحدة في أي قرية من تلك القرى التي بنيت”، بحسب الناشط.
ويجري تسليم تلك الغرف إما لعناصر الفصائل العسكرية أو للنازحين من مناطق داخلية، ويقول “حاج أحمد”: “إذا بقيت الأمور على هذا النحو فإن المنطقة سوف تشهد كارثة في المستقبل القريب، إذ ربما نشاهد المئات من المرحلين قسراً يفترشون الطرقات بسبب عدم وجود مأوى لهم”.
ويقول الناشط عبد الحكيم السيد، إن عمليات ترحيل السوريين من تركيا تأتي في وقت “صعب جداً” يعيشه الشمال السوري، الذي يقطن به أكثر من ستة ملايين شخص في أحدث إحصائية صادرة عن منسقو الاستجابة قبل أسابيع.
وتتمثل الظروف الصعبة في إغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا أمام المساعدات بشكل نهائي وللمرة الأولى منذ 2011، بالإضافة لتخفيض المساعدات الأممية لأرقام قياسية غير مسبوقة مما يتسبب بزيادة المعاناة في المنطقة، وتزامناً مع هذه الظروف الصعبة للجميع، تبدأ تركيا بترحيل السوريين من أراضيها، بغلاف العودة الطوعية.