القامشلي.. ناجون وشهود لقصف مسيرات تركية يفتقدون للعيش بأمان

دلسوز يوسف ـ القامشلي

على غير العادة، كان يوم الـ 14 من حزيران/ يونيو الفائت، عصيباً على الشاب عبدالغني إسماعيل، أثناء عمله ضمن كشكه على الطريق العام شرقي مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، بعدما نجا من الموت عقب استهداف طائرة مسيرة تركية لسيارة مدنية أمام مكان عمله.

ويروي إسماعيل (29 عاماً)  تفاصيل ذلك اليوم، لنورث برس: “كنا جالسين عندما استهدفت مسيرة تركية لسيارة مدنية على الطريق العام، تبعد عن مكاني مسافة نحو 50 متراً، فهربنا من الباب الخلفي نحو العراء، فتوقفت السيارة المستهدفة التي خرجت عن الطريق أمام كشكي، قبل أن تعاود المسيرة قصفها مجدداً”.

ويضيف: “الحمد لله لم نصب بمكروه، لكن فقد عدد من المدنيين حياتهم وأصيب آخرون، بينما لحقت خسائر مادية في الكشك وتضررت سيارتي صرفت نحو ثلاثة آلاف دولار أمريكي لصيانتها حتى الآن”.

وقضى في هذا القصف التركي، ثلاثة مدنيين وعنصر في قوات سوريا الديمقراطية، أثناء توجهه لقضاء الإجازة بحسب المركز الإعلامي لـ قسد، بالإضافة لإصابة عدد من المدنيين بجروح، فيما خلف أضراراً مادية كبيرة في سيارات المدنيين.

وفي الـ 20 من حزيران/ يونيو الماضي، استهدفت مسيرة تركية سيارة تابعة للإدارة الذاتية، في قرية بياندور شرقي القامشلي، ما أودى بحياة الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي “يسرى درويش”، ونائبة الرئاسة المشتركة “ليمان شويش”، وسائقهم “فرات توما”، وإصابة الرئيس المشترك لمجلس المقاطعة “كابي شمعون”، أثناء قيامهم بجولة ميدانية لمؤسسات الإدارة الذاتية في المقاطعة.

وتشهد مناطق الإدارة الذاتية تصعيداً تركياً خلال الشهر الأخير، حيث قصفت تركيا 35 موقعاً بأكثر من 50 قذيفة منها عبر مسيرات، ما تسبب بفقدان العشرات لحياتهم، وفق حصيلة سجلها قسم الرصد والتوثيق في نورث برس.

بينما لا تزال أثار القصف بادية على الجدران أمام كشك ‘‘إسماعيل’’ الذي يبعد عن الحدود التركية نحو 7 كم، وبدأ الأخير بترميم الأضرار لكنه لا يخفي مخاوفه من الاستهداف مجدداً.

ويقول: “الخطر على حياة الجميع، دائماً نشعر أننا مستهدفون، نأتي إلى أعمالنا بخوف، نعيش في هذه البرية ولا نشعر بالراحة”.

وربطت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التصعيد التركي على مناطقها، بالتزامن مع إعلان نيتها البدء بمحاكمة قيادات وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، عبر بيان، في الـ 20 من حزيران / يونيو الفائت.

وقالت: “وهو ما لا ترغب به راعية الإرهاب تركيا كي لا تظهر الحقائق والأيادي الخفية التي تقف وراء تنظيم داعش الإرهابي، من حيث الدعم وتأمين البيئة الحاضنة له في المناطق المحتلة”.

وبات استهداف المدنيين عبر المسيرات التركية معضلة تؤرق السكان في مناطق الإدارة الذاتية، في ظل تكرار هذه الحوادث وسط مناشدات للقوات الروسية الضامنة والتحالف الدولي لكبح جماح تركيا ووقف هجماتها.

وفي قرية كري مركه التابعة لبلدة تربه سبيه (القحطانية) شرقي القامشلي، يسير محمد السالم (49 عاماً) ببطء في بهو منزله بعدما بات عاجزاً عن العمل نتيجة استئصال إحدى كليتيه جراء إصابته بقصف طائرة مسيرة مطلع العام الحالي.

ويروي “السالم” وهو أب لخمسة أولاد تفاصيل إصابته، لـنورث برس: “كنت ماراً على الطريق العام مستقلاً دراجتي النارية، عائداً إلى المنزل من بلدة الجوادية في الـ 17 كانون الثاني العام الجاري، قصفت طائرة تركية استراحة آري على الطريق السريع”.

ونتيجة القصف، أصيب “السالم”، وقام الأطباء باستئصال إحدى كليتيه، كما تعرض لكسور في بعض الأماكن في جسده، ليصبح عاجزاً عن العمل، في وقت لا يوجد فيه معيل آخر لعائلته.

وأدى الاستهداف حينها لإصابة عدد من المدنيين بجروح وفقدان اثنين حياتهما أحدهما طفل.

وبينما يجلس بالقرب منه زوجته وثلاثة من أطفاله، يقول: “أصبحنا نعيش من قلة الموت، لسنا مرتاحين في حياتنا. الجميع هنا في خطر”.

وبحسب قسم الرصد والتوثيق في نورث برس، استهدفت تركيا خلال النصف الأول من العام الجاري, 257 موقعاً بـ 1160 ضربة، 37 منها كانت عبر طائرات مسيرة, 141 من المواقع هي مواقع سكنية، في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا.

ويعيش سكان المناطق المتاخمة للحدود التركية في مناطق الإدارة الذاتية، حالة دائمة من الخوف، ولا سيما إطلاق حرس الحدود التركي (الجندرمة) الرصاص الحي بشكل عشوائي باتجاه الأراضي السورية، وفق ما رواه سكان لـنورث برس.

وتسببت هذه الحوادث بتوقف الحياة بشكل شبه كامل، ضمن المناطق الحدودية، وسط توقف جميع أعمال المشاريع الخدمية.

ويقول عبدالباقي سليمان، الرئيس المشارك لبلدية الشعب التابعة للإدارة الذاتية في قرية الحلوة شرقي القامشلي، إن “التصعيد التركي يستهدف الخط الحدودي الذي نحن نعمل فيه، وعندما تبدأ الهجمات يتوقف عملنا بالكامل فهناك خطر كبير على المنطقة”.

ويضيف لنورث برس: “حالياً لا يمكننا إنجاز مشاريع، نقوم بما هو ضروري مثل تأمين المياه الصالحة للشرب وصيانة شبكات الصرف الصحي للأهالي”.

وكان “سليمان” برفقة موظفين في قسم إطفاء البلدية، شاهدين على القصف التركي لسيارة مسؤولي الإدارة الذاتية في قرية بياندور التابعة لهم، عندما هرعوا لنجدتهم وإخماد الحريق.

ويقول: “هذه الاستهدافات تثير الخوف في نفوس السكان، ونجد صعوبة في تأمين الخدمات لهم”، لافتاً أن بعد كل انفجار “يتوقف العمل بشكل كلي لأيام عديدة خشية من الاستهداف مجدداً”.

تحرير: تيسير محمد