أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ, أنه وقبل ساعات فقط من قمة فيلنيوس لحلف الناتو قام بفعل المستحيل، حيث أقنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع حق النقض (الفيتو) على انضمام السويد إلى الحلف.
قد يرغب فريق الرئيس بايدن، الذي يعمل بجد في الخلفية، في مشاركة انتصار ستولتنبرغ المفترض.
لا ينبغي ذلك
فما يعتبره مسؤولو الناتو نجاحاً دبلوماسياً بارزاً هو في الواقع كارثة في طور التكوين.
لنضع جانباً إذلال تركيا للسويد وتآكل حرية التعبير والديمقراطية في ذلك البلد بناء على طلب أردوغان, ولنضع جانباً النفاق المتمثل في معاملة الكرد في السويد كإرهابيين في الوقت الذي لا يكتفي المتعاطفون مع الدولة الإسلامية في تركيا بالتجوال بحرية فحسب، بل يغزون أيضاً إدارة أردوغان وجهاز المخابرات التركي.
الأبعد من ذلك هو احتمالية بروز مقايضة جديدة
لا تتوقع تركيا الآن رفع معظم العقوبات المتعلقة بالدفاع فحسب، بل قال مسؤول تركي أيضاً إن تركيا تتوقع الآن من أوروبا أن تسّرع مسار عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المحتضرة منذ فترة طويلة.
بعبارة أخرى، استخدمت تركيا وجودها داخل الناتو لشل المؤسسة والاستفادة من حق النقض (الفيتو) بحكم الأمر الواقع, ولرفع هذا الفيتو، يريد ستولتنبرغ ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان الآن تمكين تركيا من شل الاتحاد الأوروبي وتقويض توجهه الديمقراطي من الداخل.
وليس سراً، على سبيل المثال، قيام ألمانيا في غالب الأوقات بالاستسلام للابتزاز التركي لأنها تخشى ليس فقط قيام أردوغان بإطلاق العنان لبوابات اللاجئين في قلب أوروبا ولكن أيضاً لأن ضباط المخابرات الألمانية يعتقدون أن أردوغان يسيطر على الخلايا الإرهابية بين الشتات التركي في قلب ألمانيا.
وليست المشكلة فقط الخلايا الإرهابية. فقبل أقل من أسبوع، أعلن دولت بهجلي، الشريك الرئيس لأردوغان في التحالف أن “الله واحد وجيشه تركي”.
الحقيقة أن صفقة ستولتنبرغ تسهّل مهمة انضمام السويد للحلف, لكنها لا تحتوي على ضمانات بعدم تكرار السلوك التركي في مؤسسة الناتو.
وإذا ما استمر أردوغان في لعبة البوكر التي يمارسها, فإنه لا ضمانات من أن أي قرار من الناتو سيكون عرضة للابتزاز التركي, متى ما أراد الرئيس التركي إظهار شعبيته.
لكن المأساة أكبر، فأوكرانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي تواجه الاحتلال الأجنبي اليوم. منذ ما يقرب من نصف قرن، احتلت تركيا ثلث قبرص وهي دولة ظلت على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود عضواً في الاتحاد الأوروبي يتمتع بوضع جيد. ويبدو أن ستولتنبرغ وسوليفان مستعدان أساساً لمقايضة ديمقراطية حية بعمل رمزي أكثر من كونه ضروري.
وفي النهاية، يخسر الناتو القليل إذا ما بقيت السويد خارجه, ولكنه سيعمل بتنسيق أوثق حتى نهاية حقبة أردوغان.
لا ينبغي أن تكون قبرص ضحية لاعتقاد المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين بأن الحنكة السياسية تتطلب التضحية. وأصبحت بشكل متزايد شريكاً أمنياً أمريكياً رئيسياً في شرق البحر المتوسط وتزداد أهميتها أكثر فأكثر. وربما تساوي قبرص اليوم خمسة أضعاف السويد بغض النظر عن الحجم الصغير لجيش الدولة الجزيرة.
وقد يصافح قادة الناتو بعضهم البعض في فيلنيوس لكنهم سيندمون قريباً على هذا اليوم.
إن إعطاء تركيا أي طريق لعضوية الاتحاد الأوروبي في غياب إنهاء الاحتلال وتغيير الثقافة السياسية يشكل سابقة للاسترضاء وتمكين نظام معادٍ لأوروبا والذي ستدفع أوروبا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مقابله أعلى سعر يمكن تصوره.