بعد تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي.. هل تتحول سوريا إلى بلد مستورد؟
ليلى الغريب ـ دمشق
اضطر محمد عبدالله وهو اسم مستعار لصاحب ورشة خياطة في دمشق، لإغلاق ورشته والاستغناء عن العمل والاكتفاء بمحل صغير ينتج فيه بنفسه ما يستطيعه.
ويتأسف “عبدالله”، الذي يسعى حالياً بشتى السبل لمغادرة البلد، على تأخره في اتخاذ قرار الهجرة، إذ يرى أن الوقت فات على ذلك، خاصة أنه بات يعيش على ما يجنيه من محله الصغير.
وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي والأحوال المعيشية التي باتت تسود مناطق سيطرة الحكومة السورية، فلم يعد يقتصر الباحثون عن وطن بديل على المواطنين فقط، بل يمكن أن تكتشف من خلال أي حديث أن كل أصحاب الفعاليات الصناعية أو الحرفية ومؤخراً العاملين في الزراعة يتوقون للهروب والعمل في أماكن تؤمن لهم بعض ما يحتاجونه وبدون التعرض لمخاطر يومية من التموين والبلدية والجمارك والتشليح والفقر.
أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لم يتأخروا منذ بداية الأحداث على مغادرة سوريا، ويشهد على ذلك أعداد المنتجين السوريين في مصر مثلاً، ولكن الجديد في الأمر أنه حتى من ترك منهم فرعاً له في سوريا عمد إلى تقليص إنتاجه أو توقيفه.
وشدد مدير معمل مواد غذائية، على أن المعمل توقف عن إنتاج الكثير من الأصناف التي كان ينتجها، ويتوقع أن تكون الخطوة اللاحقة من قبل مالك الشركة هي إغلاقها ومغادرة البلد نهائياً.
لا زبائن
وعن أسباب ذلك قال المدير لنورث برس، إن “الأمر لا يقتصر على التكاليف المرتفعة وعدم توافر المحروقات وطلب مبالغ مالية كبيرة، ولكن المشكلة الأكبر هي في انخفاض القدرة الشرائية إلى حد غير مقبول والاعتماد على التصدير فقط لتسويق الإنتاج”.
وأضاف، أنه “كنوع من التحايل على الدخل المنخفض تم اختراع طريقة عبوات جديدة لتعبئة القهوة مثلاً بمبلغ 10 آلاف ليرة بعد توقف القسم عن العمل لفترة طويلة”.
أضاف عضو في غرفة تجارة دمشق، أن “دخول الجمارك إلى المحلات التجارية والمستودعات يكلفهم غرامات بمئات الملايين، بينما يمكن للدولة أن تحقق مبالغ مضاعفة من خلال العمل بطريقة مختلفة عما يحصل حالياً”.
لا خيارات أمامهم
وكما يحصل دائماً يظل المزارع والمنتج الزراعي هو الخاسر الأكبر في البلد، إذ يمكن للتاجر والصناعي أن يصطحب معداته ويغادر إلى بلدان مجاورة ومرحبة به، لكن لا يمكن للمزارع أن يقلع أشجاره ويصطحب أرضه معه ويغادر، لذلك كان على معظمهم البحث عن مهن بديلة، بعد خسارات متوالية يمنون بها في زراعة الإنتاج الزراعي، حتى وصلت سوريا إلى درجة تستورد معها البصل والثوم والبطاطا والقمح.
ووصف خبير تنموي طريقة تسعير المنتجات الزراعية في سوريا بأنها “السبب وراء تراجع الإنتاج”، وأن هذه التسعيرة “تشجع التجار المحتكرين على مزارعي القمح مثلاً أو الشوندر السكري، ومثله على ذلك موضوع الأعلاف والحماية الحصرية لمستورديه، عوضاً عن التشجيع لزراعة هذه الأنواع واستخلاص مكوناتها”.
وأضاف: “يمكن لأي متابع أن يرى كيف تحولت الكثير من الأراضي الزراعية إلى أراض بور”، وأشار مصدر في وزارة الزراعة أنهم يلمسون مع كل زيارة للمناطق الشرقية “كيف اختفت الهمم عند المنتجين للعمل في الأرض، وكيف تأكل الأعشاب ومنها السامة الأراضي الخصبة للزراعة”.
الخبير الاقتصادي رزق إلياس (اسم مستعار) يقول لنورث برس، إن “المشكلة الأكبر” التي تواجه الاقتصادي الوطني هي “تراجع الإنتاج”.
وبين أن من أسباب تراجع الإنتاج هو تراجع الطلب بسبب انخفاض القدرة الشرائية، إذ لا يمكن التوسع بإنتاج لا طلب عليه.
وأن تراجع الطلب على الإنتاج يعود لعدة عوامل منها تراجع مستوى الدخل الفردي لأرقام كبيرة، حسب “إلياس”، وكذلك تراجع الإنتاج خاصة الزراعي منه، حيث أن المنتج يخشى من المغامرة وزراعة منتج لا يلقى أسواقاً داخلية أو خارجية لتصريفه.
بالإضافة إلى تراجع الصادرات لأسباب كثيرة منها ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، وصعوبة المنافسة من حيث الجودة والسعر في الأسواق الخارجية.
كما أن هناك إلى إجراءات أخرى يلزم فيها المصرف المركزي المصدرين، مثل إلزامهم بتسليم قيمة صادراتهم بالدولار بسعر الصرف الرسمي، وهو دائماً أقل من قيمته الحقيقية بنحو 25%، والبطء الشديد بمنصة تمويل المستوردات من قبل المركزي التي كانت السبب بعرقلة وصول المواد الأولية للصناعيين لزيادة الإنتاج.