التحرش الجنسي في دمشق.. تغافل الحكومة أدى إلى تفاقم المشكلة

هاني شهاب ـ دمشق

في ظل استمرار مشكلة التحرش الجنسي في العاصمة السورية، تثير تلك الظاهرة الخطيرة تساؤلات حول دور الحكومة وتوجهها لمكافحة هذا النوع من الجرائم. ففي الوقت الذي تتجاهل فيه السلطات عمليات التحرش وتتواطأ مع المتحرشين، يصبح من الواضح أن الحكومة تساهم بشكل مباشر في تفاقم هذه المشكلة المزمنة.

وتتعرض نساء وفتيات في دمشق للتحرش الجنسي في الأماكن العامة وحتى داخل بيوتهن. وعلى الرغم من التقارير المتكررة عن هذا الأمر ومناشدات الجمعيات النسائية الدولية لمكافحة العنف ضد المرأة، إلا أن الحكومة السورية لم تتخذ أي إجراءات حقيقية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

التحرش في “سجن عدرا المركزي”

يذكر أن الشرطة في دمشق لا تقوم بواجبها في تأمين النساء والفتيات وحمايتهن من التحرش. ومن الأمثلة المروعة على ذلك، أنه تم رصد حوادث عديدة للتحرش بالأمهات اللاتي يزرن أولادهن في السجون، وخاصة سجن عدرا المركزي حيث يتعرضن للتفتيش الجسدي غير اللائق على مرأى من الشرطة الذكور، ناهيك عن عبارة “هاتي رقمك مشان اهتم بابنك”، من قبل رجال الشرطة الذين يفترض أنهم يعملون على حماية المواطن وحقوقه.

أم عادل (والدة سجين في سجن عدرا المركزي بريف دمشق) قالت لنورث برس: “في كل زيارة أحاول الإبقاء على زوجة ابني الشابة بعيدًا عن أنظار أفراد الشرطة الذين يحاولون الوصول إليها ويعرضون خدماتهم (الكذّابة) مقابل أخذ رقم هاتفها ويشرعون بالتحرش اللفظي الذي قد ينتهي عند ذلك أو يستمر إلى ما هو أبشع”.

في الوقت نفسه، تسود روح الصمت والتجاهل عندما يتم الإبلاغ عن حالات التحرش، حيث يتم تجاهل وجود تلك الشكاوى من قبل السلطات. وبالتالي، تتأزم المشكلة ويزداد عدد المتحرشين بلا معاقبة أو رادع.

تشويه السمعة

عانت رندة (31عامًا) من التحرش لمدة سبع سنوات في مكان عملها، كانت مطلقة تبلغ من العمر (25 عامًا)، عندما اغتصبها صاحب الشركة التي تعمل بها، في منطقة “السوق الحرة بدمشق”. وأجبرها على إقامة علاقات جنسية معه بشكل منتظم. لقد هددها باستمرار بطردها عندما كانت ترفض مقابلته في مكتبه.

تقول لنورث برس: “لقد تحملت كل هذه السنوات لأنني كنت بحاجة إلى العمل. لكن انتهى بي الأمر باللجوء إلى العدالة دون أن تعلم عائلتي”.

عندما استُدعي صاحب الشركة، نفى جميع ما أوردته رندة في الشكوى، بل وحاول تشويه سمعتها، وأشارت إلى أنها “لست المرأة الوحيدة التي تواجه مثل هذا الموقف”. وأوضحت أنها تقدمت بشكوى “حتى لا ينتهي الأمر بجميع الموظفات بأن يقعن ضحية مثلي، وحتى لا يسمحوا لأصحاب عملهم بتدمير حياتهم، بالطريقة التي دمر حياتي بها صاحب عملي”.

من جانبها، ربا (29 عاماً) لم تتقدم بشكوى حتى الآن. اختارت أن تحتفظ برسائل جنسية أرسلها إليها مدير الحملة في الحزب السياسي الذي تنتمي إليه كدليل. لقد وعدت باستخدامها بمجرد اعتماد قانون ضد التحرش الجنسي.

وقالت: “كنت أفكر في الترشح للانتخابات الحزبية، لكنه طلب مني بإصرار أفعالاً جنسية، وهو يعلم جيدًا أنني متزوجة وأنني غير مهتمة به”.

لذلك سارع بإبلاغ الأمين العام للحزب بأنها “عديمة الجدوى وغير فعالة”. بالطبع “تبخرت فرصي”، قالت بأسف، مشيرة إلى أنها الآن فهمت تمامًا سبب عدم وصول المرأة إلى مناصب قيادية في هذه الدولة.

الوسط الإعلامي

حتى وسائل الإعلام تأثرت بهذه الموجة وهي تحتوي على صراحة أكبر في إطار التحرش الجنسي. قالت ميرا وهي موظفة في التلفزيون السوري، إن “تقبيل موظفات التلفزيون عند اللقاء، الذي كان يعتبر يومًا ما شيئًا لطيفًا، لم يعد كذلك. لقد بتنا نشعر بقبلات غير بريئة من أولئك الذين يدعون أنهم ضد التحرش الجنسي، بل ويعيّرونه ويشتغلون مواد تلفزيونية وصحفية تندد به”.

وشددت نور (موظفة في التلفزيون السوري)، على ضرورة النظر في الموضوع فيما يتعلق بإنشاء قانون يجرم التحرش الجنسي في استجابة واضحة لمطالب الشارع. وإنه بدون قانون يجرم التحرش الجنسي، لا يمكن للمرأة أن تأمل في أي حماية حقيقية لها.

تضيف نور لنورث برس: “لم يعد من المقبول أن تستمر الحكومة السورية في تجاهل التحرش الجنسي وتسمح بتفاقم المشكلة. يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في تعزيز القانون وتطبيقه لمعاقبة المتحرشين وتأمين حقوق المرأة والفتيات في المجتمع. كما ينبغي تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وتشجيعهن على الإبلاغ عن تجاربهن.



تشير الأرقام الصادرة عن منظمات حقوق المرأة إلى أن نسبة كبيرة من النساء والفتيات في دمشق قد تعرضن للتحرش وتصل إلى أرقام مرعبة. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام لا تعكس الواقع بشكل كامل، حيث أن الكثير من الضحايا يخشون الإبلاغ عن جرائمهن بسبب عدم الثقة في النظام القضائي والانتقام الذي يمكن أن يتعرضن له.

تحرير: تيسير محمد