غرفة الأخبار ـ نورث برس
عاد ملف التقارب التركي السوري ليحتل مواقع متأخرة في دائرة التداول الإعلامي والتصريحات السياسية بعد زخم شهده قبل الانتخابات التي شهدتها تركيا وأفضت إلى إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة.
فهل كان ذلك الملف مجرد ورقة انتخابية؟ وهل أدت التصريحات والمواقف السياسية سواء من المسؤولين السوريين أو الأتراك حيال ذلك الملف دوراً في نتائج الانتخابات؟
بين الدعاية والواقع
كان الملف السوري حاضراً بقوة في الانتخابات التركية، وخاصة في جانبي اللاجئين السوريين في تركيا، والوجود التركي في الأراضي التركية، وكان أحد أبرز الملفات الخلافية بين أردوغان ومعارضيه.
عزز ذلك الملف القيام بخطوات عملية تمثلت في لقاءات بين مسؤولين سوريين ونظرائهم الأتراك، كذلك صار ممكناً الحديث عن لقاء يجمع الرئيسين التركي والسوري، إلا أن أول تصريح صدر عن الرئاسة التركية بعيد الإعلان عن نتائج الانتخابات جاء ليبدد كل تلك الاحتمالات، حين حسم المتحدث باسم تلك الرئاسة، إبراهيم قالن، مسألة اللقاء، وأكد عدم وجود اجتماعات على ذلك المستوى في المدى القريب.
كانت معظم التحليلات تشير إلى أن ما يجري من تداول لذلك الملف، لا يعدو كونه ورقة انتخابية كان الجميع يتداولها بما يعزز مواقع كل طرف، بل إن الاستجابة السورية أيضاً كانت جزءاً من ذلك، وساهمت بهذا الشكل أو ذاك في حسم نتائج الانتخابات، كما يرى البعض.
استثمار الملف السوري
يقول صحفي متخصص في الشأن التركي لنورث برس، إن أردوغان استثمر الملف السوري بشكل “جيد”، وكان لافتاً أنه لم يقدم موقفاً واضحاً تماماً من قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وفي وقت كانت المعارضة تركز في خطابها على ترحيل أولئك، اكتفى أردوغان بتكرار الحديث عن العودة الطوعية لهم، وحاول من جانب آخر أن يقنع الناخب التركي أن المشكلة الأساسية تكمن في وجود خطر داخل سوريا وعلى الحدود الجنوبية لبلاده، وأنه يسعى لدرء ذلك الخطر بسبل سياسية ومنها تقاربه مع “النظام” في دمشق لبحث تلك الملفات، بحسب الصحفي.
الموقف السوري الذي مضى في اتجاه التقارب ذاك، وإن كان أبقى على الموقف المعتاد من الوجود التركي في بلاده، قدم دعماً لمسعى أردوغان، وكان مشهد اللقاءات التركية السورية يعزز خطاب الرئيس التركي من أنه يواجه “الإرهاب”، ويسعى إلى مساندة القيادة السورية في ذلك.
ويضيف الصحفي، أن الدعاية الانتخابية لأردوغان في ذلك الملف كانت تركز على “الجوانب الإنسانية” لأزمة اللاجئين، مع التأكيد على ضرورة عودتهم إلى بلادهم، بشكل طوعي، وكذلك على ضخ مزيد من الدعاية حول وجود خطر “إرهابي” يهدد بلاده.
وبالتالي “يبرر احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، بذريعة مواجهة ذلك الخطر”، بينما كان الخطاب السوري يطالب بانسحاب القوات التركية من بلاده دون أن يقدم ما يؤكد عدم وجود “إرهاب”، وذلك ناتج، حسب وجهة نظر الصحفي، عن “اشتراك الرئيسين التركي والسوري في معاداة القوات التي تسيطر على مناطق في شمال شرقي سوريا، وتصنفها تركيا في خانة الإرهاب، لتبرير وجودها هناك”.
وأشار إلى أن خطاب الأسد في القمة العربية، والذي جاء في خضم الاستعداد لجولة ثانية من الانتخابات التركية، “قد يكون لاقى في الداخل التركي صدى مغايراً لما أراده الأسد”.
ويوضح أن الأسد تحدث في خطابه عن “الفكر العثماني التوسعي، المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”، وهو ما يمكن أن يترك “أثراً سلبياً” لدى شرائح حتى من مؤيدي المعارضة التركية الذين لا ينظرون إلى الحقبة العثمانية بتلك النظرة، كما أن تلك الأوصاف التي جاءت أثناء التحضير لجولة ثانية، كانت تتعارض مع مسار سياسي حرص مسؤولو البلدين على التبشير به خلال وقت سابق.
مزيد من الوقت
المحلل السياسي محمد عزوز (اسم مستعار) يقول لنورث برس، إن “الأسد كان يحاول ألا يمنح أردوغان ورقة تعزز موقعه قبل الانتخابات، لذلك كان يصر على عدم اللقاء به، بل ويضع شروطاً تعجيزية بالنسبة لأردوغان مقابل ذلك”.
إلا أن ضرورة التقارب بين البلدين، والمصلحة المشتركة لأردوغان والأسد، “كانتا تفرضان مواقف أخرى تمثلت بزيادة التنسيق بينهما، وعقد لقاءات رفيعة المستوى، وغير مسبوقة منذ أكثر من عقد”.
ويضيف: “لكن أردوغان تحرر من ضغط الوقت الآن، وصار أمامه سنوات أخرى كي يعيد ترتيب أولويات قيادة حزبه لتركيا، وهو أمر بدأه حتى قبل إعلان نتائج الانتخابات”.
ويرى “عزوز” أن أردوغان المتحرر من ضغط الدعاية الانتخابية، “عاد ليؤكد على أنه سيواصل محاربة التنظيمات الإرهابية، وضمان أمن الحدود، وهو ما يعني أن مسألة خروج قواته من سوريا لم يعد أصلاً مطروحاً للتفاوض”.
أما فيما يخص عودة اللاجئين، “فقد أعاد أردوغان طرح برنامجه بشكل أكثر وضوحاً إذ أنه عاد ليتحدث عن العودة الطوعية خلال سنوات، أما حديثه عن بناء وحدات سكنية في شمالي سوريا، بالتعاون مع قطر، فيؤكد أن الرجل ماض في محاولات إحداث تغيير ديموغرافي في تلك المناطق”,
وما سبق يعكس في الواقع رؤية أردوغان في “الاستثمار الحقيقي” لقضية اللاجئين الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون سوري، حسب منظمات أممية، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عددهم قد يقارب 5 ملايين سوري، إذ أن كثيراً من اللاجئين غير مسجلين لدى المنظمات الدولية.
ورغم كل ذلك، كما يرى المحلل السياسي، فإن القضية السورية ستبقى في محور سياسات أردوغان الخارجية، وستستمر محاولات التقارب مع تركيا، لكن بشروط أخرى ومزيد من الوقت، خاصة أنه اختار رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان ليتولى حقيبة وزارة الخارجية، وهو الرجل الذي أجرى لقاءات عدة مع شخصيات سورية رفيعة أمنية وسياسية، ويوصف بأنه “كاتم أسرار أردوغان”.