“بني خالد”.. القبيلة التي شتت الحرب السورية أبناءها
مصطفى الخليل ـ الرقة
لم يتوقع محمد، أن يترك في يوم من الأيام منطقته “جب الجراح” 68 كم شرق مدينة حمص، تحت أي ظرف، وأن يعيش بقية حياته بعيداً عن منزله الذي ولد ونشأ فيه.
نزح محمد الناصر، (74 عاماً) وهو من أبناء قبيلة “بني خالد”، وأسرته إضافة للعشرات من أبناء قبيلته إلى ناحية عين عيسى 50كم شمالي الرقة، مطلع 2016، وذلك بعد احتدام المعارك في منطقته بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وقوات حكومة دمشق.
يتأمل نازحون في الرقة ينتمون لقبيلة “بني خالد” العربية، العودة لمناطقهم في أرياف حمص وحماة الشرقية، لكن أسباباً عديدة تحول دون تحقيق ذلك، ومنها، “الخشية من انتقام المجموعات الإيرانية، والاعتقال على أيدي القوات الحكومية، إضافة لتخوفهم من هجمات خلايا داعش المتكررة على البادية السورية وارتكابها مجازر بحق مدنيين”.
ويفتخر أبناء قبيلة “بني خالد” بجدهم الأعلى الصحابي خالد بن الوليد، والذي يعد أحد أبرز الشخصيات العسكرية في التاريخ الإسلامي، فهم بذلك يعودون بنسبهم إلى “الأرومة” القرشية من نسل “عدنان”؛ أحد أجداد العرب.
واستقروا في بادية الشام شرق مدينتي حمص وحماة، منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام في القرن السابع الميلادي، بحسب مصادر تاريخية وعمود النسب الذي يرويه نازحون من كبار السن ينتمون لقبيلة “بني خالد” التقتهم نورث برس في الرقة.
ويعتمد أبناء قبيلة “بني خالد” في معيشتهم قبل نزوحهم من مناطقهم على تربية الإبل ورعي الأغنام، في حين أن زراعة القمح والشعير بعلاً تعد مهنة ثانوية لهم، وذلك بسبب الجفاف وانخفاض معدلات هطول الأمطار في البادية السورية.
يقول “الناصر” لـنورث برس، إن اشتعال الحرب وتبادل إطلاق النيران بشكل مكثف يومياً، حوَّل منطقتنا إلى ساحة مفتوحة لمعارك طويلة الأمد بين قوى متعددة.
ويضيف: “لقد أجبرتنا الظروف مرغمين على ترك بيوتنا والتوجه إلى أماكن أخرى أكثر أماناً من مناطقنا داخل سوريا”.
ولـ “الناصر” أُمنية وحيدة، وهي العودة إلى “جب الجراح” حيث مسقط رأسه وذكرياته، حتى ولو كان محمولاً في “تابوت” على حد تعبيره.

الرسالة
في شباط/ فبراير الماضي، قُتل 75 شخصاً غالبيتهم من قبيلة “بني خالد” أثناء جمعهم فطر “الكمأة” بالقرب من مدينة “السخنة” بريف حمص الشرقي، وعرفت الحادثة حينها باسم “مجزرة الكماة” وتفاوتت الاتهامات ما بين المجموعات الإيرانية وتنظيم “داعش”.
وعقب الحادثة أصدرت الهيئة العامة لقبيلة “بني خالد” في سوريا، بياناً اتهمت فيه لواء “فاطميون” التابع للحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء المجزرة.
و”مجزرة الكمأة” تلك، لم تكن الأولى من نوعها، بل إنها تكررت مرات عدة خلال سنوات الحرب السورية، وفي كل مرة يفلت الجناة من العقاب وسط غياب سلطة قانونية عادلة تُحقق في الحادثة وتبعاتها وأسبابها ودوافعها.
ويجمع نازحون من قبيلة “بني خالد” التقتهم نورث برس، في عدة مخيمات عشوائية في أرياف الرقة، على أن المجازر وحوادث الاغتيالات المتكررة في البادية السورية هدفها واحد وهي تحمل رسالة صريحة مفادها “لا تفكروا أبداً بالعودة إلى مناطقكم”.
وتطمحُ جميع القوى السورية المتصارعة وكذلك القوى الدولية المتدخلة في الملف السوري بإيجاد موطئ قدم لها في البادية السورية والتي تعد الموطن التاريخي لقبيلة “بني خالد” والعديد من القبائل العربية الأخرى، وذلك لما تتمتع به من موقع استراتيجي هام يتوسط الجغرافية السورية ويطلُ على معظم المناطق الحيوية في البلاد.
وتسعى إيران للسيطرة على البادية السورية لتأمين تحركاتها ما بين العراق ولبنان، وفي عام 2014 أنشأت الولايات المتحدة فيها قاعدة “التنف” بالقرب من المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، كما ويتخذ تنظيم “داعش” في البادية السورية أوكاراً ومخابئ سرية لخلاياه النائمة بقصد مهاجمة مناطق شمال شرقي سوريا وأماكن سيطرة القوات الحكومة السورية.
وتعد البادية السورية البوابة الشرقية إلى الداخل السوري باتجاه مدينتي حمص وحماة وصولاً إلى دمشق، وهي صلة الوصل باتجاه الشمال السوري مروراً بـ حلب، وتقع على تخومها الغربية الجنوبية مدينة السويداء، كما ويفصلها نهر الفرات عن مناطق شمال شرقي سوريا بامتداد 610 كيلومتر وصولاً لتركيا عبر مدينتي الرقة ودير الزور، فيما تتداخل مع بادية الأنبار غرب العراق دون وجود أي حواجز طبيعية.
وئام تحول لعداء
نزح محمود الخالدي (57 عاماً) وعائلته من ناحية عقيربات شرق مدينة السلمية 75كم التابعة لـ حماة متوجهاً إلى الرقة في 2017 ليستقر بمخيم عشوائي يقع بالقرب من مدخل الجسر القديم جنوب مدينة الرقة.
يقول الرجل إن علاقة “جوار طيبة عنوانها الاحترام والتقدير” جمعت قبيلة “بني خالد” بـ “العلويين، الإسماعيليين والشيعة” في أرياف حمص وحماة، علاقة، طيلة مئات السنين.
لكن حالة الوئام تلك، تغيرت جذرياً لتنقلب إلى حالة “عداء علنية”، وصراعات وتوترات، منذ اندلاع الحرب السورية. على حد قوله.
ويقطن الغالبية العظمى من أبناء قبيلة “بني خالد” ممن نزحوا إلى الرقة في مخيمات عشوائية تنتشر على أطراف قرى الرقة وبالقرب من الحقول الزراعية، وذلك بقصد مزاولة العمل بالأراضي الزراعية كعمال مياومة في أوقات المواسم الزراعية، فيما لم يتبق من قطعان الأغنام التي جلبوها معهم لدى نزوحهم إلى الرقة سوى القليل منها بسبب اضطرارهم لبيعها بقصد تدبر أمورهم المعيشية.
ولا يتوقع “الخالدي” أن يتمكن من العودة إلى منطقته في الوقت المنظور، وذلك لانعدام الأمان ولأن المجموعات الإيرانية تهدف إلى تغيير البنية السكانية في أرياف حمص وحماة الشرقية، بحسب قوله.

وطوال أكثر من أحد عشر عاماً تعاقبت عدة قوى عسكرية على الريف الشرقي لمدينتي حمص وحماة وصولاً إلى عمق البادية السورية بدءاً من مجموعات تتبع للمعارضة السورية بداية اندلاع الحرب، وصولاً إلى المجموعات الإيرانية في الوقت الحالي، مروراً بتنظيم جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة العالمي (هيئة تحرير الشام حالياً) ثم تنظيم “داعش”.
ونتيجة لاحتدام المعارك بين تلك القوى وفقدان الأمن، اضطر سكان أكثر من خمسين قرية وبلدة (غالبية قاطنيها من قبيلة “بني خالد”) إلى تركها والنزوح منها على دفعات للتوجه إلى مدينة الرقة وعموم مناطق الشمال السوري.
ويؤكد نازحون من أبناء القبيلة، لـنورث برس، أن قراهم التي نزحوا منها والواقعة في الأرياف الشرقية لمدينتي حمص وحماة باتت اليوم “خالية” من سكانها الأصليين، وشبه مدمرة.