دير الزور – نورث برس
دخلت إيران إلى الضفة الغربية في دير الزور بنهاية عام 2017 بحجة مساندة القوات الحكومية، في قتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وعند الانتهاء من القتال، بدأت استراتيجية إيران تتمدد وتتغلغل.
وتسيطر إيران عبر فصائلها، على كافة المناطق الممتدة من مدينة دير الزور وصولاً لبلدة البوكمال الحدودية مع العراق، إضافة إلى سبع بلدات استراتيجية بريف دير الزور الشرقي، في خط الجزيرة، ورغم وجود قوات حكومية في كل المناطق المذكورة، إلا أن إيران تتجاهل ذلك، وتفرض سيطرتها وقرارها على المنطقة بالكامل.
في هذا التقرير حصلت نورث برس على معلومات حول التغلغل الإيراني في دير الزور، شرقي سوريا، من مصادر عسكرية ومدنية، استطاعت من خلالها تجنيد الأطفال واستمالة العشائر وبناء حسينيات لتنفيذ مخططها في المنطقة بالترغيب والترهيب، والذي يهدف لخلق منطقة إيرانية، وصولاً إلى لبنان.
تسيطر إيران على مناطق دير الزور وتنشر فصائل موالية لها مثل “زينبيون وأبو الفضل العباس وهاشميون وحيدريون ولواء القدس، وحزب الله العراقي، والحشد الشعبي الذي يسيطر على معابر التهريب البرية ما بين البادية السورية والعراقية، والتي تقدم الدعم المادي لعناصر الحرس الثوري الإيراني من عائدات التهريب.
رؤوس أقلام
بدأت إيران تدريجياً بفتح مراكز ثقافية ومحاولة نشر التشيّع في المنطقة ذات “الطابع السني”، لكنها واجهت مشكلة “كبيرة” لرفض السكان فكرة “المذهب الشيعي”، إلا أن ضعف الحالة المادية للسكان دفع بعضهم إلى الانخراط ضمن تلك المراكز.
خاصة أن السكان منهارين اقتصادياً ونفسياً بسبب أزمة الحرب التي عصفت بالبلاد، ومحاولة اكتساب الحاضنة الشعبية عن طريق جذب وجهاء العشائر وأصحاب القرار إلى صفها، من خلال تقديم تسهيلات ودعم مادي ومعنوي وتسليمهم زمام الأمور في بعض المسائل العالقة، والتي تحلها إيران وتنسب الحل للوجهاء، لدعم موقفهم ليكسبوا ثقة الشعب، لجرهم بعد ذلك نحو دوامة إيران السياسية في المنطقة.
وضمن مشروعها لنشر المذهب الشيعي، بدأت إيران تستقطب رجالات الدين ورموز العشائر وتغريهم مادياً لحث السكان على التشيّع، إضافة لبناء الحسينيات، وإدراج مناهج دراسية ذات طابع شيعي بين مناهج الطلاب، وبذلك تعمل على استقطاب عقول الأطفال لبناء جيل متشيّع.
ويوجد في مناطق غرب الفرات ما يقارب الـ 30 مركز انتساب للفصائل الإيرانية، كل ذلك لضمان بقائها بدير الزور، حيث تسعى إيران من خلالها لعسكرة البالغين والأطفال في فصائلها، ونشر ثقافة التشيّع بوسائل وأساليب مختلفة، لتحقيق حلمها وطموحها لإقامة ممر بري من أجل الربط بينها وبين لبنان وزيادة تغلغلها شرقي البلاد.
العزف على العشائرية
ساهم الولاء العشائري في تقوية النفوذ الإيراني بدير الزور، في مناطق غرب الفرات والذين يروون أن مصلحتهم بالوقوف مع الإيراني أفضل من القوات الحكومية وسط عجز الأخيرة من استمالة العشائر.
وكانت بدايتها مع عوائل من حطلة، والشيخ نواف البشير شيخ عشيرة “البقارة” وشكّلوا لواء “الباقر، وأسود العشائر” وغالبيتهم من القبيلة ذاتها، وأداروهم، بالإضافة لفصائل مناطقية وعشائرية أخرى تتبع لقيادة الحرس الثوري.
وغالباً ما يدير تلك الفصائل قياديين إيرانيي الجنسية، وقياديين محليين يأتمرون بالإيرانيين، كما أن الفصائل المحلية يتركز عملها في الغالب بأعمال التهريب وترفيق الشاحنات الإيرانية وحماية المقرات.
وانخرط غالبية وجهاء وشيوخ العشائر في المناطق التي تسيطر عليها إيران والقوات الحكومية بدير الزور، ضمن إمرة إيران وشكّلوا ألوية رديفة للحرس الثوري الإيراني.
لا يتمتع العناصر المحليون في صفوف الفصائل الإيرانية والتابعة لها بصلاحيات واسعة لحد الثقة بهم، فقط تستخدمهم الفصائل الإيرانية كدروع بشرية، ومواجهة التنظيم بعمليات تمشيط البادية، بالإضافة لحماية الآبار النفطية، وحماي المقرات والقواعد العسكرية، مثل قاعدة الإمام علي والتي لا يُسمح للمحليين بدخولها.
ويوجد قاعدة عسكرية هي الأكبر لإيران بدير الزور قاعدة الأمام علي في البوكمال، وهي التي تدعم مؤسسة جهاد البناء ومنظمة الإمام الحسين، وتنطلق من تلك القاعدة كل العمليات العسكرية للتوسع في دير الزور، والتي يتواجد فيها كبار الضباط الإيرانيين الذين يسعون لربط دير الزور في العراق لإكمال مشروع الهلال الشيعي.
نعومةٌ بأجندات خفيّة
لم يقتصر الوجود الإيراني بدير الزور على حماية ومساندة “النظام السوري” من الوقوع في “الهاوية”، بل بدأت توسع في مشاريعها الهادفة لتغيير ديموغرافية المنطقة، ونشر التشيّع بين أبنائها، كإحدى استراتيجيات إيران في دير الزور.
عزفت إيران على وتر الأنساب العشائرية، كبداية للتغلغل، وخاصة العشائر الهاشمية التي يعود نسبها لآل البيت كـ (البقارة، المشاهدة والمراسمة) وجميعها دعمت الفصائل الإيرانية.
كما عملت على جذب النساء من خلال دعمهن عبر المراكز الثقافية أو تجنيدهن عسكرياً، من خلال افتتاح دورات كالتمريض والخياطة، بالإضافة لتشغيلهن ضمن المراكز الثقافية الإيرانية.
وجندت نساء مقربات من قيادات محلية فتيات دون سن الـ 16 عاماً في الحرس الثوري، وإنشاء كتيبة نسائية، تحت مسمى “كتيبة الزهراء”، بحسب مصادر لنورث برس.
كما استهدفت إيران أطفال دير الزور، لتغيير مذهبيتهم، وأرسلت بعضهم إلى مراكز وحوزات شيعية في النجف وكربلاء، وأغرتهم برحلات ترفيهية إلى المقامات الشيعية، ومكافآت مادية.
وجندت عدداً كبيراً من الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها، بإشراف قياديين محليين في لواء “الباقر”، ويبلغ عددهم أكثر من 200 طفل، ووثقت تقارير إعلامية مقتل نحو 20 طفلاً في صفوف الفصائل الإيرانية.
وتعتمد في تجنيد الأطفال من الجنسين على الكشافات (المهدي، البتول)، مستغلة حاجة السكان في دير الزور بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وذلك عبر تقديم الإغراءات المادية والمساعدات الشهرية وغيرها من الوسائل.
رجال ومصالح
بالإضافة لما سبق تعمل على التوسع في الاستثمار الاقتصادي عبر إدخال منظمات وحركات تحرير تابعة لها للعمل في المنطقة، وتلميع صورة إيران بأنها “الأم الحنونة”، التي تهتم لدعم الوضع المادي لسكان دير الزور.
واستقطبت إيران عدداً من رجال الأعمال في دير الزور، وجمع أشخاص ثروات طائلة نتيجة العمل في التهريب، والآثار والمخدرات.
تجلب إيران كميات كبيرة من المخدرات من العراق ولبنان بسيارات عسكرية لها لتجنب تفتيشها أو تعرض التجار لأذى، وعادة ما يتم نقل المخدرات الى مراكز للحرس الثوري الإيراني، ليتم فيما بعد توزيعها على التجار والموزعين في المنطقة، وبعدها إلى الباعة الأطفال الجوالين والصيدليات التي أصبحت تبيعها علناً دون أي محاسبة.
ويعتبر “فراس الجهام” قائد الدفاع الوطني بدير الزور من أكبر تجار المخدرات في المنطقة، وهو الذراع الأيمن للحرس الثوري الإيراني، الذي يزوده بكميات كبيرة من المخدرات بأسعار منخفضة ليتم توزيعها على التجار وبيعها في المنطقة.
يمثل رجال الدين وخاصة المتشيعين أحد أهم أيدي إيران الناعمة في المنطقة وقد ساهموا بتشييع فئة كبيرة، من أبناء دير الزور، وتهدف إيران لطمس الهوية السنية للمنطقة، وتقوية استراتيجيتها التي تقضي بتأسيس أرضية لها في المنطقة تستند إليها في تمددها، ويساعدها في ذلك، سامر صوفان، حسين الرجا وياسين المعيوف، والملا صالح العبيد مفتي البوكمال.
ساهم هؤلاء بافتتاح العديد من الحسينيات، ومدت إيران نفوذها ونشر فكر التشيع من خلال المنظمات أو المراكز الثقافية وغيرها، وكان الدور الأساسي لمنظمة جهاد البناء الإيرانية، والتي تم إنشاء فرعها السوري عام 2018
إضافة لبناء منظمات ومؤسسات خيرية تستقطب السكان من خلال الترغيب مادياً، وكان الهدف الرئيسي لإيران هو السيطرة على الضفة الغربية لدير الزور والبادية السورية لإنجاح مشروعها الشيعي في المنطقة عبر ربط سوريا في العراق وصولا إلى إيران.
أدوات التنفيذ
بدأت بالتغلغل عبر المساعدات الإنسانية بحجة فك الحصار عن دير الزور ومن ثم افتتاح مراكز طبية مجانية لأهالي المناطق، ثم تجهيز المسابح والحدائق وغيرها من المنشآت.
إضافة إلى إنشاء مراكز ثقافية تتبع مباشرة للمركز الثقافي الإيراني في دمشق، ومنها؛ المركز الثقافي في دير الزور يتبع له معهد النور الساطع وكشافة المهدي، المركز الثقافي في حطلة، المركز الثقافي في الميادين، المركز الثقافي في البوكمال، المركز الثقافي في محكان.
بالإضافة لـ 5 حسينيات في مدينة حطلة وهي مركز الثقل الإيراني في دير الزور، حسينية في بلدة السكرية بريف البوكمال تعرف باسم حسينية آل البيت، حسينية قاسم سليماني في اليادين
أما المزارات الشيعية في دير الزور، فأهمها “النبع المقدس” أو المتعارف عليه نبع “عين علي” في بادية القورية، ومزار قبة علي في ريف مدينة البوكمال، إضافة إلى عدد من القبور والاضرحة “الوهمية”.
الترغيب ليس أسلوباً وحيداً اتبعته إيران لتنفيذ أجنداتها، فقد اتبعت الترهيب كأسلوب لتنفيذ مشروعها، حيث يوجد عدد من السجون الصغيرة داخل دير الزور، لكن غالبا ما يكون السجناء من العناصر ذاتهم.
وتوجد ثلاثة سجون سرية تحت غطاء أعلام حكومة دمشق كشفتها نورث برس في تقرير سابق، وأبشع هذه السجون السرية في سوريا هو سجن “الهنغار” داخل مطار دير الزور العسكري، والذي يستخدم فيه وحشية ضد المعتقلين المدنيين، تصل في بعض الأحيان للموت.
بالإضافة لسجن ثانٍ للحرس الثوري الإيراني في مطار الحمدان الزراعي في البوكمال، وسجن آخر في منطقة الميادين قرب مزار “عين علي”.
وتستغل الفصائل الإيرانية حكومة دمشق في ممارساتها وتغطية وتمويه تواجدها أمام المسيرات والضربات الإسرائيلية، كما تستغل ظروف السكان الاقتصادية في مناطق سيطرة الحكومة لتجندهم لصالحها عوضاً عن منحهم امتيازات يفتقر لها ضباط رفيعو المستوى في صفوف قوات الحكومة.