متغيرات لإنضاج حل الأزمة السورية

لقد ساهمت عودت سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وتطبيع علاقاتها مع أغلب الدول العربية، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية، في تحفيز بعض المتغيرات ذات الصلة بالأزمة السورية، والتي يمكن إدراجها في سياق إنضاج حل متوافق عليه للأزمة السورية.

كان فاتحة هذه المتغيرات ما عرف بمبادرة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي اقترحت فيها، لأول مرة، إقامة نوع من الشراكة مع الحكومة السورية في إدارة الموارد الاقتصادية في المنطقة كنوع من تشجيع الحكومة على الدخول في مفاوضات جدية ومسؤولة للبحث عن مخارج ممكنة ومحتملة للأزمة السورية.

المتغيّر الآخر يتعلق بتسوية أوضاع المطلوبين لأجهزة النظام الأمنية في محافظة درعا، وهو لافت في شموليته واتساع نطاقه، وسرعة تحققه في الآونة الأخيرة بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية الذي شاركت فيه سوريا. من المعلوم أن العداء للنظام بين سكان محافظة درعا كان واسع النطاق، ظهر ذلك جلياً في الانتخابات الرئاسية السابقة، إذ قاطعتها الغالبية الساحقة منهم، هذا عداك عن استمرار عمليات العنف ضد قواته رغم المصالحات الشكلية التي أبرمتها مع بعض المجموعات المسلحة، مما جعل سيطرة النظام على المحافظة هشة إلى حد بعيد. إن التفسير المنطقي المرجح لاستجابة المطلوبين من سكان درعا، بأعداد كبيرة، لتسوية أوضاعهم من قبل الأجهزة الأمنية للنظام هو نتيجة تدخل بعض الدول العربية، وتحديداً السعودية والأردن، وتشجيعهم على ذلك، في تطبيق عملي لنهج الخطوة-خطوة الذي تم الاتفاق عليه في بيان عمان بتاريخ 1أيار/مايو 2023 وبحسب بعض المصادر فإن هذه الخطوة التي حسبت للدول العربية، يتوقع أن يقدم النظام على خطوة تقابلها قد تتعلق بالإفراج عن بعض المعتقلين والموقوفين لديه، والمساعدة في كشف مصير المفقودين والمغيبين قسراً.

المتغير الثالث يتعلق بهيئة التفاوض المعارضة إذ أبدت استعدادها لقبول نقل المفاوضات من جنيف إلى دمشق، هذا عداك عن إبداء بعض المرونة اللفظية في خطابها. وتخبر بعض دوائرها بوجود مساع لإشراك ممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية، ومجلس سوريا الديمقراطية، والتنظيمات والهيئات السياسية العاملة في شمال شرقي سوريا في هيئة التفاوض، وهي تجري اتصالات لتجاوز الفيتو التركي عليها.

المتغير الرابع، وهو لافت في توقيته وفي دلالته، ويتعلق باجتماع ممثلين عن المجتمع المدني السوري في الداخل والخارج في باريس برئاسة أيمن أصفري لتشكيل منصة تتحدث باسمه. دلالة هذا الاجتماع لا تتعلق بالمشاركة الواسعة نسبياً لممثلين عن المجتمع المدني السوري فيه، ولا بما قيل عن المنصة التي سوف يتم إطلاقها، إذ من المعلوم أن ثمة نوعاً من منصة للممثلين عن هذا المجتمع ضمن طاقم الهيئة الاستشارية للسيد بيدرسن مندوب الأمم المتحدة لحل الأزمة السورية. السؤال الأساس لماذا أيمن أصفري؟ ولماذا يعقد الاجتماع في هذا التوقيت؟

تعرفت على أيمن أصفري قبل نحو خمسة عشر عاماً في دمشق، حيث موّل انعقاد مؤتمر علمي مغلق لأجانب وسوريين لمناقشة أوراق بحثية شملت مواضيع اقتصادية وسياسية وغيرها. كان أصفري، في حينه، محسوباً من أصدقاء النظام، وكانت له استثمارات في سوريا. بالمناسبة أيمن أصفري مواطن سوري من إدلب ويقيم في بريطانيا، وهو يملك ثروة تقدر بمليارات الدولارات ويدير شركات استثمارية تابعة له في العديد من الدول، وله علاقات دولية واسعة جداً.

حافظ أيمن أصفري، في سياق الأزمة السورية، على رصانة محسوبة في معارضته للنظام، ولم يسعَ إلى الأضواء، ولم تصدر عنه تصريحات نارية استفزازية كتلك التي هيمنت على خطاب أغلب قوى المعارضة في الخارج، وبقي طيلة سنوات الأزمة السورية السابقة خارج إطار تنظيمات المعارضة السورية، مع أنه قدم مساعدات مالية لبعض تنظيمات المعارضة الوطنية. من المعلوم عن أيمن عداءه الشديد للإسلام السياسي، الإخواني منه أم السلفي، ويحسب نفسه ليبرالياً ديمقراطياً، وبهذه الصفة وجد قاسماً مشتركاً مع المرحوم ميشيل كيلو، فعملا معاً فترة وجيزة في إطار ما سمّي بالمنبر الديمقراطي، لكنه سرعان ما تخلّى عن ذلك.

إن التفسير الأكثر احتمالاً في صدقيته لقبول أيمن أصفري الظهور تحت الأضواء، وأن يتزعم منصة للمجتمع المدني السوري واسعة التمثيل، في هذا التوقيت بالذات، بعد أن رفض ذلك خلال السنوات الإثني عشرة الماضية من عمر الأزمة السورية، هو إدراكه لجدية المساعي العربية والدولية لإنضاج الظروف لحل الأزمة السورية. ويمكن، في هذه الحالة، أن يشكل أصفري، الذي كثيراً ما عرف به الإعلام بحريري سوريا، قاسماً سياسياً مشتركاً أعظميا بين النظام ومعارضيه، والأهم بين جميع الدول المتدخلة في الأزمة السورية.

بلا شك تحتاج سوريا لشخصية ودور أيمن أصفري، وأمثاله من رجال الأعمال السوريين الوطنيين، في مرحلة إعادة توحيد سوريا، وإعمارها، وتحريرها من محتليها، وتأمين عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم. غير أن المدخل الوحيد المناسب لأيمن أصفري وللسوريين جميعاً لكي يساهموا في إنجاز المهام السابقة الذكر يتمثل في إجراء تغييرات شاملة وجذرية في النظام الاستبدادي القائم كمقدمة لبناء نظام سياسي علماني ديمقراطي لا مركزي.