أول ضحية للبضائع التركية المستوردة.. توقف معامل برغل في شمال شرقي سوريا
جيندار عبدالقادر ـ القامشلي
في إحدى زوايا معمل جودي لصناعة البرغل، في القامشلي، نسجت أحد العناكب شبكتها الواسعة، نتيجة توقف عمليات الصيانة والتنظيف بعد توقف العمل وتسريح غالبية العمال نتيجة سيطرة البرغل التركي المستورد على الأسواق المحلية في شمال شرقي سوريا.
ومع تغلغل البرغل التركي في أسواق شمال شرقي سوريا، فقدت العديد من الصناعات المحلية قيمتها السوقية مع عدم القدرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة.
ومن أهم تلك الصناعات هي صناع البرغل في المنطقة التي تعتبر سلة سوريا الغذائية وتتمتع بوجود الذهب الأصفر فيها إلى جانب الموارد والخيرات الطبيعية الأخرى.
معمل جودي لصناعة البرغل، حاله كحال 3 معامل أخرى في المنطقة وهي، (معمل باز في الطبقة، والجزيرة في الدرباسية، والرافدين في القامشلي)، كلها أغلقت أبوابها وتوقفت عن العمل بشكل كامل منذ نحو عام ونصف مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وسيطرة البرغل التركي المستورد على الأسواق مع وجود تسهيلات لدخوله وتخفيض سعر جمركة إدخال هذه المادة من المعابر شرق حلب.
ضعف استجابة
وقال عمار محمد أمين عبدو، صاحب معمل برغل باز: “في السابق كانت الأمور جيدة للمعامل الأربعة الموجودة في شمال شرقي سوريا، وكنا نسيطر بنسبة 80 بالمئة من التصريف وتأمين احتياجات السوق المحلية”.
وكانت معامل البرغل الأربعة، تشغل نحو 200 شخص، بأعمال داخلية، في حين كان هناك عشرات الموظفين والعاملين والمعتمدين والمسوقين الذين يعتمدون عليها في مصدر رزقهم، بحسب “عبدو”.
وخلال موسم 2020، كانت تلك المعامل تحصل على مادة القمح من شركة تطوير المجتمع الزراعي إلى جانب تأمين المحروقات، في حين أن موسمي 2021 – 2022، ونتيجة سوء إنتاج الموسم الزراعي، “أبلغنا من قبل الشركة بأنهم سيقومون بإيقاف عملية تقديم مادة القمح بناءً على العقود الموقعة التي لا يستطيعون تجديدها نتيجة تدهور الموسم الزراعي وقلة كميات القمح”.
ذلك الإبلاغ كان بداية المشاكل بالنسبة لمعامل البرغل، وفي ظل عدم توفر المادة الأساسية، “بدأنا البحث عن بدائل من أجل عدم إيقاف المعامل، وكانت من خلال استيراد القمح المطبوخ على أن يتم تصنيع المادة في معاملنا من أجل استمرار دعم السوق المحلية بالمادة، ولاستمرار تشغيل الأيدي العاملة الموجودة لدينا”، يقول “عبدو”.
ومع عملية استيراد المادة الأولية من الخارج وما يترتب عليها من تكاليف باهظة للجمركة والشحن، “باتت الأسعار بين البرغل المصنع محلياً والمستورد متقاربة جداً”، بحسب صاحب المعمل، وذلك أدى “لتقلص نشاط عملنا في المنطقة والسوق لصالح البرغل التركي المستورد”.
ويضيف: “ومما زاد الطين بلة، القيام برفع جمركة استيراد المادة الأولية من 21 دولار إلى 100 دولار لكل واحد طن، وهنا كنا مقيدين بالكامل مع عدم القدرة على المنافسة مع تساوي سعر البرغل المحلي مع المستورد”.
وعلى اعتبار أن الموسم الحالي كان جيداً، يعرب “عبدو” عن تفاؤله بتوفر المادة، ولكن فرحته لم تكتمل بسبب وضع تسعيرة 430 دولار للطن الواحد من القمح، “وإن كانت جيدة للمزارعين، ولكن هي مرتفعة بالنسبة لأصحاب معامل البرغل، نظراً لوصول سعره لنحو 700 دولار بعد تصنيعه وتسويقه، الأمر الذي يجعل البرغل التركي المستورد أرخص بكثير من المصنع محلياً”.
ويأمل “عبدو” من المسؤولين في الإدارة الذاتية أن “يضعوا بعض القيود على هذه المادة المستوردة.. لتتناسب مع دعم الإنتاج المحلي”.
ويلفت إلى أن عملية الاستيراد هذه “تساهم في سحب ملايين القطع الأجنبية من المنطقة على حساب خسائر باهظة يتعرض لها الإنتاج المحلي الذي يعد ركيزة لدعم اقتصاد المنطقة”.
شح الأمطار وعدم توفر المادة
من جانبه أوضح سلام إسماعيل، محاسب معمل جودي للبرغل والبقوليات أنه: “بحكم الظروف وشح الأمطار وعدم توفر المادة الأولية والتي هي القمح وتخفيض جمركة البرغل التركي، بات الأخير ينافس البرغل المحلي بشكل كبير”.
تم إنشاء معمل جودي للبرغل والبقوليات أواخر 2006 وكان من أهم المعامل التي تساهم في الاقتصاد المحلي وترفد المنطقة بالبرغل المحلي دون الحاجة لاستيراد هذه المادة من الخارج.
وتأسّف “إسماعيل” على غياب شبه تام للدعم من قبل الإدارة الذاتية: “خلال عام ونصف مضى، لم نحصل على أي تشجيع من أجل استمرار تشغيل المعمل وعدم تسريح العمال”.
وأضاف لنورث برس: “هذا المعمل هو صرح مهم لتشغيل الأيدي العاملة، حيث يعد مصدر دخل رئيسي لنحو 100 عائلة، ليتناقص عدد العمال لنحو 15 عاملاً هم حراس وعمال صيانة نتيجة توقف المعمل”.
وحول آلية العمل والإنتاج والتصريف قال: “إنتاج المعمل كان يتم تصريفه في أسواق عديدة، فالبرغل من النوعية الوسط والذي تقدر نسبته بنحو 30 في المئة من الإنتاج العام يتم تصريفه في السوق المحلية، في حين كان في السابق يتم تصدير البرغل الناعم والخشن للمناطق الساحلية والداخلية السورية والعاصمة دمشق”.
ومع فرض جمركة كبيرة على الإنتاج الذي يتم تصديره ومن ثم إغلاق المعابر أمام تصدير البضاعة كل ذلك “ساهم في زيادة معاناتنا، وعلى وجه الخصوص مع المنافسة التي نشهدها من قبل البرغل التركي المستورد والموجود بكثرة في الأسواق المحلية”.
ولفت إسماعيل إلى أنه، “في السابق كان ضريبة كل واحد طن من البرغل التركي 100 دولار، فطالبنا من اللجان المسؤولة في الإدارة الذاتية بضرورة رفع سعر الجمركة على البرغل التركي المستورد لتصل ل 200 دولار من أجل تصريف الإنتاج المحلي بسعر مناسب وبجودة جيدة في الأسواق وبسعر أرخص من التركي المستورد”.
ولكنه يضيف: “تفاجئنا بتخفيض سعر الجمركة لـ30 دولار لكل واحد طن بعدما كان 100 دولار”.
تسريح للموظفين والعاملين
تخشى فاطمة علي العلي (38 عاماً)، أرملة وتتألف عائلتها من 4 أفراد، من توقف عملها فهي أمينة مستودع في معمل جودي للبرغل.
وتقول لنورث برس: “المعمل متوقف عن العمل منذ نحو عام ونصف، في السابق كنا نعمل بشكل كثيف ويبلغ عدد العمال لكل وردية 8 ساعات نحو 25 عاملاً، أما الآن فلم يبقَ في المعمل سوى أنا والحراس ومدراء وأصحاب المعمل”.
وبعد أسبوع من محاولات نورث برس التواصل مع مسؤولين في هيئة الاقتصاد لشمال شرقي سوريا، للاستفسار عن المشكلة، إلا أنها لم تتلقَّ أي ردٍّ.