ماهر مصطفى – دير الزور
يخشى ناصر الخروج ليلاً من منزله، ويتخوف الرجل من مشاهدة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يتسللون ليلاً بين منازل السكان، فيكون ضحية لهم.
يقول ناصر الحسن، وهو اسم مستعار، لأحد سكان بلدة الشحيل 40كم شرقي دير الزور، لنورث برس، إنه وسكان البلدة لازالوا يخشون من عناصر تنظيم “داعش”، الذين يتسللون ليلاً بين منازل المدنيين ليستهدفوا حواجز ونقاط عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في البلدة.
ويتشابه الرجل الذي يسكن في الشحيل، في الحال مع سكان بلدات أخرى كـ البصيرة وذيبان، شرقي دير الزور، هذه البلدات الثلاث، تعتبر من أكثر مناطق دير الزور خطراً، نتيجة نشاط التنظيم فيها، حتى أُطلق عليها “مثلث برمودا”.
اعتبارات تنشّطهم
لا يستطيع “الحسن”، وأقرانه، التبليغ عن تحركات عناصر “داعش” والذين يتحركون أمام المدنيين “علناً”، خوفاً من ملاحقة عناصر التنظيم للشخص “الواشي” أو استهداف أحد أفراد عائلته، يقول.
يضيف للسبب السابق، سبباً آخر، وهو “طبيعة المنطقة العشائرية”، ويعلل الرجل ذلك أنه عند الإبلاغ عن نشاط أو تحرك شخص من أبناء العشائر ضمن صفوف “داعش” سينتج عنه خلافات عشائرية، قد تنتهي باقتتال عشائري بين طرفين، لذا “غالبية السكان يفضلون الصمت خوفاً من العواقب المترتبة بـ(وشاية) على شخص ما”.
لاسيما أن بعض العناصر من خارج البلدة، فيما أن البعض الآخر من سكان البلدة، الذين لايزالون يحملون فكر التنظيم.
ويعتبر الريف الشرقي لدير الزور آخر معاقل التنظيم، حيث هُزم بعد معارك شرسة من آخر بقعة جغرافية له (الباغوز) في آذار/ مارس 2019، وهو الوقت الذي أعلنت فيه “قسد” والتحالف الدولي القضاء على التنظيم.
لكن عقب الإعلان عن القضاء على “داعش”، نشطت خلاياه التي استطاعت الهرب من الباغوز، وبعض العناصر المختبئين في البادية السورية، من العودة لممارسة أعمالهم “الإجرامية” ليلاً، في مناطق تسيطر عليها “قسد” بريف دير الزور الشرقي.
وتشهد بلدات “البصيرة، الشحيل، ذيبان” في ريف دير الزور الشرقي، فوضى أمنية وهجمات لعناصر التنظيم، وتُنفذ غالبيتها ليلاً، وفي الوقت الذي تُلقى فيه المسؤولية بملاحقة هؤلاء العناصر على “قسد”.
“لكنها لا تستطيع القضاء على تلك الخلايا بشكل نهائي، بسبب تعاون بعض السكان مع عناصر داعش وإيوائهم بمنازلهم، إما خوفاً من بطش التنظيم في حال الرفض، أو بدافع الارتباط بفكر التنظيم”، على حد قول “الحسن”.
ويستقل عناصر التنظيم في تحركاتهم داخل البلدات الثلاث لتنفيذ عملياتهم، دراجات نارية للسرعة وسهولة التنقل، والقدرة على إخفائها بشكل سريع، غالباً ما يحملون أسلحة “كلاشنكوف” أو “أكاي”، ومسدسات حربية.
ونادراً ما يستخدمون القذائف الصاروخية، حيث ينفذ عناصر التنظيم هجماتهم، والتي غالباً ما تكون استهداف حواجز ومقرات عسكرية، أو أشخاص مطلوبين للتنظيم، ومن ثم الاختفاء بين منازل المدنيين، أو التوجه نحو عمق بادية البلدة.
“ينصبون حواجز طيارة”
يقول زياد العنتر، اسم مستعار، لأحد سكان بلدة ذيبان 50كم شرقي دير الزور، إن ستة عناصر للتنظيم “ملثمين”، يستقلون دراجات نارية ويرتدون الزي الشعبي لسكان البلدة، أقاموا حاجزاً أمام منزله على الطريق العام في البلدة.
حدث ذلك، حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً، قاموا بتفتيش هويات المارّة وتدقيق ثبوتياتهم، وأنزلوا شاباً من مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي، يعمل في تجارة الأغنام واقتادوه معهم، وفق روايته.
ويضيف لنورث برس، أن دوريات لـ “قسد” قدمت إلى مكان الحاجز لكن عناصر التنظيم كانوا قد ذهبوا، وبعد ساعات من انسحاب عناصر التنظيم، عثر سكان بلدة سويدان 70كم شرقي دير الزور، على رأس الشاب الذي اقتاده عناصر التنظيم، معلقاً بالقرب من دوار البلدة.
ويقول متابعاً حديثه: “وضع بالقرب من الرأس ورقة كتب عليها أن سبب القتل هو (الوشاية) عن عناصر للتنظيم”، هذا المشهد أدى إلى خوف وذعر في قلوب السكان، وجعلهم يترددون عن الإبلاغ أو “الوشاية” عن أي تحرك لعناصر التنظيم، وفقاً لـ “العنتر”.
وفي 21من نيسان/ أبريل 2019، عثر سكان بلدة “سويدان جزيرة” على جثة “عبد الصالح الرمضان” مفصولٌ رأسه عن جسده، على الطريق العام في البلدة، مع ورقة تحمل شعار التنظيم وموسومة بـ”ولاية الخير” كُتب عليها: أن ذنبه تسليم “أخوة”، هي كلمة يطلقها التنظيم تدل على منتسبيه، لـ “قسد”، وحكمه “الردة”، ويعاقب عليها التنظيم بالقتل.
يشير “العنتر” إلى أنه بالنسبة لعناصر التنظيم يتم تمويلهم داخلياً، حيث يفرضون على التجار دفع “إتاوات” ليستطيعوا تغطية عملياتهم، إذ يذهب عناصر التنظيم علناً إلى منزل التاجر، ويأخذوا “الزكاة” بعد أن يتواصلوا معه ويوافق على الدفع، لأنه لا يملك خياراً آخر سوى القتل.
وينشط عناصر التنظيم في مناطق، الشحيل والبصيرة وذيبان، بسهولة كونها مناطق عشائرية ترفض التعرض لعناصر التنظيم، وإبلاغ الجهات العسكرية عن وجودهم أو تحركاتهم، بالإضافة لقربها من البادية الوعرة والواسعة، والتي يتخذها غالبية عناصر التنظيم مأوى آمن.
ومنذ بداية العام الجاري، أعلنت “قسد” والتحالف الدولي، القبض على أكثر من ثلاث خلايا لعناصر التنظيم وتفكيكها داخل البلدات الثلاث، بينما تبنى التنظيم أكثر من ثلاثة عشر عملية لعناصره، ضد أفراد ومقرات ونقاط تفتيش لـ “قسد” في البلدات الثلاث.