هل هناك توافق على الاعتراف بحكومة الرئيس السوري أم مقدمات لتغيرات في الداخل؟

ليلى الغريب ـ دمشق

تطرح التطورات الأخيرة المتعلقة بالأزمة السورية عدداً من التساؤلات حول ما يمكن أن يسفر عنها من نتائج عملية، وحول معانيها خاصة فيما يتعلق بالموقف من القيادة في دمشق.

بعد أكثر من عقد على القطيعة العربية مع سوريا، بدء المشهد يختلف بعودة علاقات كثير من الدول العربية معها، كذلك تسعى تركيا، الجارة الإقليمية التي كانت الأكثر عداءً للقيادة السورية، إلى عودة علاقاتها مع دمشق.

فما الذي تعنيه تلك التطورات؟ وهل نشهد توافقاً إقليميا ودولياً على الاعتراف بوجود حكومة الرئيس السوري بشار الأسد؟ أم هي مقدمات لتغيرات تدريجية في الداخل السوري؟

تهريب المخدرات

يقول المحلل السياسي محمد عبد الله (اسم مستعار)، إن  قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية يشكل “تحولاً مهماً” في سياق الأزمة السورية، إلا أنه في الواقع يشكل “خطوة أولى” في مسار “حل عربي” بُحثت خطوطه العريضة في الفترة الماضية، وتم التوصل إلى توافق حول بعض تفاصيله وخاصة في اجتماع عمان الذي جاء قبل أسبوع على القرار، وخرج بتوافقات على “خطوات متدرجة” لحل الأزمة السورية ومعالجة تبعاتها، وبينها قضيتا اللاجئين وتهريب المخدرات.

أضاف “عبد الله” لنورث برس، أنه كان لافتاً أنه وبعد أقل من يوم على القرار، نفذ الأردن ضربتين جويتين غير مسبوقتين في الداخل السوري استهدفتا مصنعين لإنتاج المخدرات، حسبما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في الاستخبارات الأردنية، وكما أن عمان لم تنف، كما لم تؤكد، تلك المعلومات، كذلك لم تعلق الحكومة السورية على الأمر.

الخطوة الأردنية التي لا تأتي على الأغلب دون تنسيق عربي، وخاصة من السعودية التي تعد إحدى مقاصد تهريب المخدرات من سوريا عبر الأردن، بدت رسالة تشدد على ما جاء في قرار استعادة سوريا لعضويتها في الجامعة العربية، الذي نص على ضرورة معالجة انعكاسات الأزمة السورية “على دول الجوار والمنطقة والعالم، خصوصاً عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدرات”، حسب “عبد الله”.

مواقف متباينة

في حين يرى الإعلامي المختص في الشأن السياسي، سمير حسن (اسم مستعار)، أن المواقف من القرار تباينت بين من يرى فيه “إجراءً شكلياً”، إذ أن الجامعة العربية “هيكل غير مؤثر”، ومن يرى فيه “نصراً” لحكومة دمشق، واستعادة لدور عربي غائب.

ويضيف “حسن” لنورث برس، أن نص القرار يشير إلى أن خطوة “العودة إلى الحضن العربي” لا تعدو أن تكون حلقة ضمن سلسلة،  وأنها أيضا جزء من تصور لحل دولي سبق أن اعتمده مجلس الأمن في القرار 2254، إذ أن القرار العربي ينص على ضرورة اتخاذ “خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع القرار”.

وبناء على ذلك يمكن النظر إلى قرار استعادة المقعد السوري في الجامعة العربية، على أنه “خطوة” تقدمت الدول العربية بها، بانتظار “خطوة” سورية مقابلة، سواء فيما يخص اللاجئين، أو إدخال المساعدات، أو تهريب المخدرات.

وهو مسار بدا منذ انطلاقته أنه لا يشكل إجماعا عربياً، إذ أبقت قطر على مواقفها من الحكومة في دمشق، وجددت التأكيد على أنه “لم يتغير”، وإن كانت أعلنت أنها لن تعيق مسعى استعادة سوريا لدورها في الجامعة العربية.

وفي قراءته للمشهد بين المحلل السياسي، عباس العلي (اسم مستعار) لنورث برس، أن التطورات الأخيرة المتعلقة بسوريا، تأتي في وقت تشهد فيه القوى الإقليمية الأساسية في المنطقة تغيرات مهمة، ولهذا يمكن النظر إليها على أنها تتعلق بالوضع الداخلي لتلك القوى وخاصة السعودية وتركيا، أكثر مما تتعلق بالداخل السوري.

خطوات عملية

وأشار “العلي” إلى أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي خضم انتخابات مصيرية وحاسمة، قطعت مؤخراً خطوات عملية إضافية في العلاقات مع دمشق، تجسدت في لقاءات بدأت بوزيري دفاع البلدين، قبل أن يلتقي وزيرا الخارجية ضمن اللقاء الرباعي في موسكو.

اللقاء الذي جاء قبل أيام على بدء التصويت في الانتخابات التركية، تسعى حكومتا دمشق وأنقرة إلى إظهاره على أنه إنجاز لسياساتها، فحكومة العدالة والتنمية تسعى لتقول للناخب التركي، إنها حققت قفزة في الملف السوري، إذ أن اللقاء مع الجانب الحكومي هناك، يعزز نظرية أنقرة من أن وجودها في سوريا لا يستهدف حكومتها بل هو يضمن حقوق اللاجئين، وإدخال المساعدات.

والأهم من ذلك أنها تحاول إقناع ذلك الناخب بأن وجودها في سوريا يهدف إلى محاربة “الإرهاب” وهي ذات التسمية التي تطلقها أنقرة على معارضي وجودها في الشمال السوري.

اعتراف بالقيادة

أضاف “العلي” أن حكومة دمشق “تروج لذلك التطور على أنه اعتراف إقليمي ودولي بالقيادة السورية، وانتصار الرؤية السورية في الأزمة المستمرة في البلاد منذ 2011”.

أما العلاقات العربية مع سوريا، فهي في الواقع لم تشهد زخماً متسارعاً إلا بعد أن بدأت السعودية بتعديل مواقفها تجاه سوريا، والتي جاءت في الواقع ضمن حزمة من التغييرات التي تشهدها المملكة حالياً والانفتاح الذي تتجه إليه، وكان من ضمن ذلك المسار عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وهو ما استتبع لاحقاً استعادة العلاقات مع سوريا.

ويشدد “العلي” على أن قرار الجامعة العربية برفع تعليق عضوية سوريا فيها، “كان متوقعاً خلال الفترة الماضية التي شهدت تطورات متسارعة في علاقات عدد من تلك الدول بسوريا، إلا أن تلك العضوية في حد ذاتها لا تشكل حلاً، وستكون التطورات القادمة، وخاصة ما تنتظره تلك الدول من سوريا، هي ما يمكن أن يجعل تلك العضوية بداية حل من عدمه”.

تحرير: تيسير محمد