الحاج المعارض يضعف قبضة أردوغان على المؤمنين

يخطو كمال كيليجدار أوغلو، الرجل الذي يواجه الرئيس أردوغان في الانتخابات التركية في 14 أيار/مايو، من بين مئات الآلاف من الحجاج الذين يزورون قبر حاج بكتاش ولي – المتصوف والفيلسوف الإسلامي – كل عام.

تحت قبة عالية مزينة بالرسوم الجدارية، تقف ثلاث نساء عند تابوت ملفوف بنسيج أخضر. بدأت هؤلاء النساء وأعينهن مغلقة، كاشفات لرؤوسهن، وقد وضعن أيديهن اليمنى على قلوبهن، في الصلاة والتلاوة بترتيل إيقاعي. تم تصنيف قبر المتصوف الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر والذي جاء إلى الأناضول قادماً من إيران الحالية، رسمياً على أنه متحف وليس مكان عبادة. ومع ذلك، بالنسبة للعلويين، وهم أكبر أقلية دينية في البلاد ويشكلون ربع السكان، يعتبر هذا الموقع مقدس.

قبل الأسبوع الماضي، لم يعلن كيليجدار أوغلو، الذي يبلغ من العمر 74 عاماً، عن عقيدته. لكن استغل بعض المعارضين هذا الأمر. وينظر أتباع الإسلام السني المحافظون، الديانة ذات الأغلبية في تركيا، إلى العلويين الذين يرتبطون بالإسلام الشيعي ارتباطاً وثيقاً، على أنهم مرتدّون. ويصلي الرجال والنساء معاً في بيت الجمع، دور العبادة العلوية. لا توجد قواعد لباس مفروضة على النساء ويسمح بتناول الكحول. والشوارع المحيطة بالضريح في حاج بكتاش مليئة بالحانات ومحال بيع الخمور.  

تم استهداف العلويين بعنف في بعض الأحيان. ففي عام 1993، قُتل 37 مثقفاً عندما أضرم إسلاميون النار في فندق كانوا يعقدون فيه مؤتمراً في محافظة سيواس في الأناضول. ووقعت سلسلة من الهجمات على جمعيات علوية في أنقرة الشهر الماضي. وعلى الرغم من دفاع أردوغان العلني عن حقوق الأقليات، إلا أنه يروج أيضاً لنسخة محافظة وأحياناً غير متسامحة من الإسلام السني يمكن أن تصل إلى حد التعصب الأعمى بين أنصاره. 

في مقطع فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، تحدث كيليجدار أوغلو عن هذه المسألة قائلاً: “أنا علوي. أنا مسلم صادق”. مضيفاً: “يمكننا جميعاً أن نختار أن نكون صالحين وصادقين وأخلاقيين وأن يكون لدينا ضمير وأن نكون عادلين”. تم استبعاد المعارضة إلى حد كبير من وسائل الإعلام الرئيسية التي يسيطر عليها حلفاء أردوغان، لكن الفيديو حصد 30 مليون مشاهدة على التويتر. وردت امرأة تركية على الإنستغرام: “أنا امرأة محجبة، كردية وسنية وناخبة لأول مرة. شكراً لك على دعوتك إلى الوحدة وعدم الانقسام.” ورد المعلقون المؤيدون لأردوغان بشتائم ضد العلويين واتهموا المعارضة بمحاولة تشكيل “حكومة أقلية”، في إشارة مستترة إلى نظام بشار الأسد المجاور في سوريا.

كسر كيليجدار أوغلو أحد المحرمات. وحاول كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، إبعاد مفهوم الله عن الحياة العامة، وقمع العديد من الطوائف في الأناضول، وأسس نظاماً علمانياً، وإن كان يُعرف فيه الإسلام السني بأنه الدين القومي. تم إغلاق موقع البكتاشي الذي أنشأه حاج بكتاش ولي في عام 1925 ونهبه. وأعيد افتتاحه فقط كمتحف في عام 1967.

ويتردد صدى الانقسام في السياسة التركية. كما تم حظر الأنظمة السنية المحافظة من قبل أتاتورك لكنها نجت بشكل خفي وعادت على مدى العقود الأربعة الماضية. وقبل عام 2002، عندما تولى حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان السلطة لأول مرة، دعم أولئك الذين شاركوا في السياسة الأحزاب القومية اليمينية. لكن على مدى العقدين الماضيين، دعموا أردوغان بشكل موحد تقريباً، معتبرين أنه مسلم تقي أعاد الدين إلى الدولة.

وكان أتباع رجل الدين فتح الله غولن من أقوى وأشهر المنظومات السنية، فقد شغلوا مناصب رئيسية في الدولة واتُهموا بتنظيم محاولة انقلاب عام 2016. ويُصنف أتباع غولن الآن على أنهم جماعة إرهابية محظورة وتم تطهيرهم على نطاق واسع، لكن تم ملئ الفراغ من قبل الطوائف الدينية المتطرفة الأخرى التي تم تنصيبها في الوزارات ومؤسسات الدولة.

وتتمتع الأنظمة السُنية بالقوة في الأماكن المحافظة دينياً مثل نوشهر، محافظة الأناضول الداخلية حيث تقع حاج بكتاش. ومنحت المحافظة أردوغان 68 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 2018، كما حصل حزب العدالة والتنمية وشريكه في الائتلاف، حزب الحركة القومية، على 71 في المائة في الاقتراع البرلماني. 

وتمتلئ مركز مدينة نوشهر بمؤسسات الدراسة الدينية التابعة للطوائف والتي من خلالها يجندون أعضاء جدد. وتعتبر حاج بكتاش – وهي قرية يبلغ عدد سكانها 10000 نسمة – واحدة من معقلين علويين اثنين فقط تسيطر عليهما المعارضة في المحافظة. ولكن المعارضة تقول إن الخلفية العلوية لكليجدار أوغلو ليست في حد ذاتها أكبر عقبة يواجهونها هنا. بدلاً من ذلك، استخدم أردوغان على مدى السنوات 20 الماضية الأنظمة الدينية واستهدف توزيع الرعاية الاجتماعية ليرسخ نفسه في نسيج المجتمع الأناضولي. ويتم تحويل المساعدات نحو المقاطعات التي تصوت لحزب العدالة والتنمية إلى حد كبير وخاصة المناطق التي يكون فيها السكان من السنة المحافظين. بينما المقاطعات العلوية، التي تميل إلى التصويت للمعارضة، تكون مهملة. وفي حاج بكتاش، تملأ المعارضة الفجوة، حيث قام مجلس مدينة إسطنبول، الذي تسيطر عليه المعارضة، بتمويل مرافق عامة مثل ملعب ومركز تعليمي. في المحافظات التي ضربها زلازل شباط/فبراير، وتُركت العديد من القرى العلوية بدون مساعدات.   

قال نزير أكيشيلمن، الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة سلجوق، إن أردوغان يثق في الطوائف السنية، “إنه يعتبرهم الفناء الخلفي للحزب، ويضع العديد منهم في مناصب عامة وكبيرة. وتنقسم بعض المؤسسات العامة بين الطوائف. عندما يكون أحد مؤيدي الطائفة في منصب رفيع المستوى في مؤسسة ما، فإنهم يحاولون بعد ذلك تجنيد أشخاص من طائفتهم. وهذه الدورة تعيد نفسها”. 

والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه قبل انتخابات الشهر المقبل هو ما إذا كان بإمكان المعارضة سد هذا الانقسام في المناطق الداخلية الشاسعة في الأناضول في تركيا أم لا. وقال محللون إن سمعة الطوائف تضررت بسبب محسوبيتها مع حكومة أردوغان في السنوات الأخيرة، واكتراث الناخبون الأصغر سناً بعلوية كيليجدار أوغلو أقل بكثير من اهتمام آبائهم بذلك.  

وقال فولكان إرتيت، الخبير في علم الاجتماع الديني بجامعة أضنة، “اتبع أردوغان سياسة فعالة لتربية جيل ومجتمع أكثر ديناً، خاصة منذ عام 2010. وكانت بعض من هذه السياسات تسعى لإرضاء الجماعات الدينية التي صوتت لصالحه. ولكن في المرحلة التي وصلنا إليها، أعتقد أن الجيل الجديد لم يتغير كما أراد أردوغان.”

نظم كيليجدار أوغلو مسيرة في مدينة قونيا، حيث حظي باستقبال جيد. وتحدث إلى أنصاره في نوشهر الأربعاء الماضي. لكن المسؤولين في الفرع المحلي لحزب الشعب الجمهوري، الحزب العلماني الذي يقوده كيليجدار أوغلو، يقولون إنهم يواجهون معركة صعبة. وقال طيفون جيهان، رئيس فرع حزب الشعب الجمهوري في نوشهر أن “المواطنون خائفون وخائفون للغاية. إنهم خائفون من التحدث إلينا عندما نخرج إلى الشوارع، إنهم يعتقدون أنهم قد يفقدون وظائفهم أو قد لا يتمكنون من العثور على وظائف. إنهم يرون الناس من الصحفيين والسياسيين وهم يؤخذون إلى السجن. على مدى السنوات العشر الماضية، تحولت تركيا إلى دولة الحزب الواحد”.

والانقسام واضح على أرض الواقع، ففي حاج بكتاش، قال سائق سيارة أجرة إنه سئم من أردوغان: “عشرون عاماً مع قائد واحد – إنها مدة طويلة جداً. الاقتصاد سيء. ونحن بحاجة إلى شخص لديه أفكار جديدة”.

بينما كان لعمر أونال، صاحب متجر طعام صحي، وجهة نظر مختلفة تماماً. حيث قال: “لا توجد مشكلة اقتصادية ولا أزمة. لقد طور أردوغان البلاد في السنوات العشرين الماضية والشعب راض عنه. أنا متأكد تماماً من أنه سيفوز مرة أخرى”.

كتبه هانا لوسيندا سميث لصحيفة تايمز البريطانية وترجمته نورث برس