أزمات إنسانية وحقوقية.. من المسؤول عن تدهور أوضاع متضرري الزلزال في عفرين؟

المقدمة

يعاني المتضررون من الزلزال في مناطق المعارضة وعلى وجه الخصوص القاطنين في مدينة عفرين وريفها ظروفاً قاسية وحالة عدم استقرار يعيشونها منذ أكثر من شهرين في مخيمات عشوائية بمناطق سكنية بين ركام الأبنية, وتضرروا مرة أخرى جراء السيول والأمطار, كما يعانون من أزمة حقوق في ظل غياب العدالة في توزيع المساعدات بالإضافة إلى الاستيلاء عليها في بعض الاحيان وتعرضهم لانتهاكات تمس حقوقهم المدنية, وزاد من أعباء الناجين من الزلزال، إهمال السلطات لمتطلباتهم, واستغلال أوضاعهم لتحقيق مكاسب شخصية.

و زلزال  الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 من شباط  بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر, وبلغ عدد ضحاياه في سوريا بحسب رصد قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, 12,731 شخصاً منهم 5315 حالة وفاة و7416 إصابة, بينما بلغ عدد المباني والمنازل المنهارة 1333، والمتضررة جزئياً 4,595 منها 2151 في مناطق المعارضة السورية بينها 516 مبنى ومنزل منهار بشكل كامل.

فساد وعدم إنصاف

يقول عبدو رشيد (45 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان ناحية بلبل بريف عفرين شمال حلب, “منزلي شبه منهار لا نستطيع المكوث فيه, من الممكن أي هزة ارتدادية أن تسقطه, بعد كشف اللجان على منزلي وتقييم الضرر وعدوني بإعطائي خيمتين لكن بالرغم من مرور أشهر لم أستلم أي مساعدة”.

اضطر عبدو لاستدانة مبلغ من المال لشراء خيمة من خيم المساعدات التي “تباع علنا” بحسب وصفه, ويضيف “أجزم أن أغلب المستفيدين المسجلين في القوائم هم مقربون من المجلس المحلي أو أقارب موظفين فيه, لذا نحن لا نحسب كمتضررين بالنسبة لهم فنحن لا نعرف أحداً بينهم”.

“صنعت خيمة من قطع أقمشة وعواميد خشبية قرب منزلي، أعلم أنها لن تحمينا في أي طقس, لكن كان الحل الوحيد لأنقذ عائلتي ونخرج من بيتنا شبه المنهار, وأن لا نبتعد عنه وندعه عرضة للسلب”, يقولها أحمد عبدو (37 عاماً) اسم مستعار لأحد سكان قرية معامل أوشاغي بريف عفرين شمال حلب.

يشتكي أحمد من عدم الإنصاف في توزيع المساعدات والفساد المنتشر بين المسؤولين عن توزيعها, وبحسب الثلاثيني فإن جمعية خيرية قدمت إلى القرية لتوزيع الخيم إلا أن ممثل القرية ومندوبها اعتبر أنه لا يحق له التسجيل عليها كونه يملك خيمته المصنوعة من الأقمشة ولديه سيارة, وهو ما حال دون تسجيله ضمن قوائم المستفيدين.

وأشار أحمد في حديثه لنورث برس، أن شكوته للمجلس المحلي في مدينة عفرين أيضاً كانت نتيجتها “سلبية”, كونه “لم يلتزم” بدفع الضرائب خلال أشهر الزلزال فلم يساعدوه, بينما بالمقابل “حصل عدد من المستوطنين غير المتضررين على خيام عبر التسجيل في لوائح المستفيدين لأن لديهم صلة معرفة وقرابة مع أعضاء المجلس المحلي”.

لا يختلف وضع سالم أحمد (52 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان ناحية شران، عن باقي متضرري الزلزال. يقول لنورث برس: “بعد تضرر منزلنا خرجت مع ابنتي الأرملة وتم قبولي بشكل مباشر بعد التسجيل في مركز الإيواء الذي أقامه المجلس المحلي, لكني تفاجأت بمحاولة العاملين في توزيع المساعدات بالتقرب من ابنتي, وتأكدت أن لهم مآرب أخرى”.

ويضيف الخمسيني: “لم أكمل الـ 20 يوماً في المخيم، وذهبت إلى أقربائي في ناحية شران, إلى حيين أستطيع ترميم منزلي, بينما طالبت مراراً بخيمة أضعها في ساحة المنزل لأقطن فيها ريثما أرمم منزلي إلا أن طلبي لم يلبَّ وكان الرد أنه ينبغي عليَّ أن أعود لمخيم الإيواء حتى أحصل على خيمة ومساعدات، الأمر الذي رفضته بشكل كامل”.

بينما يقول مصطفى خالد (43 عاماً) اسم مستعار من أهالي قرية شيخوتكة بريف ناحية المعبطلي: “لم نحصل على أي مساعدة منذ بداية الاستجابة التي أطلقتها جميع المنظمات بعد الزلزال, حيث اشترط عليَّ مختار القرية ليسجلني كمستفيد أن أمنحه ثبوتيات إخوتي اللاجئين خارج البلاد ليأخذ عليها مساعدات”.

ويشير “خالد” أنه تم إلغاء اسمه من قوائم المستفيدين بعد أن رفض منح المختار الثبوتيات, ولم يتلقَّ بعدها المساعدة.

إلى جانب عملية توزيع المساعدات غير العادلة, تعرضت قوافل المساعدات إلى السرقة, كما تم استخدام السلاح عدة مرات من قبل فصائل المعارضة في تفرقة تجمعات المتضررين للحصول على مساعدات, بالإضافة إلى حالات السرقة من قبل قيادات وعناصر فصائل موالية لتركيا عبر إدراج أسماء وهمية ضمن جداول المستفيدين من السلال الإغاثية وسلال الطوارئ وقسائم الكاش، فضلاً عن الإتاوات التي كان يفرضها عناصر تلك الفصائل على الآليات التي تضم تلك المساعدات مقابل السماح لها بالعبور إلى الأماكن المتضررة.

وبنت بعض المنظمات العاملة في عفرين وريفها بمساعدة المجلس المحلي وفصائل  المعارضة الموالية لتركية مخيمات للمتضررين من الزلزال في أراضي السكان دون الحصول على موافقتهم, أو توضيح المدة التي سيتم إخلائها فيها, كما قطعت الفصائل الأشجار المثمرة في أراضي السكان وحولتها لأرض خالية لوضع المخيمات, ففي قرية أغجلة بريف جنديرس فقط قطعت الفصائل أكثر من 350 شجرة زيتون لبناء مستوطنة جديدة على إنه مخيم للمتضررين.

تعد أوضاع المتضررين من الزلزال في عفرين الأكثر مأساوية بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمنطقة, وتواجد الفصائل والمجلس المحلي اللذان ينتهكان حقوقهم ويمنعوهم من الحصول على المساعدات الإغاثية, ويتحكمون بعمل المنظمات وآلية توزيع المساعدات, فبحسب أحد العاملين الإغاثيين مع إحدى المنظمات، “لا توجد إحصائية دقيقة حول عدد العائلات المتضررة لدى أي جهة محلية أو دولية بسبب التلاعب بعملية الإحصاء وإضافة المجلس المحلي وبعد المنظمات المحلية عائلات غير متضررة بغية الحصول على مساعدات من جهة، ومن جهة أخرى امتناع بعض العائلات المتضررة عن تسجيل نفسها ضمن جداول تلك المنظمات والمجالس المحلية بسبب التلاعب بتلك الجداول.

ويعتبر المصدر نفسه أن الزلزال والكارثة التي خلفها من موجة نزوح ولجوء، أصبحت تجارة مربحة وصيداً ثميناً لا يستغنى عنه، حيث باتت بعض المؤسسات القائمة على هذا الأمر تتاجر بقضية متضرري الزلزال لتحصيل مكاسب شخصية.

لا تزال المساعدات الإنسانية الأممية والمحلية تتدفق إلى المناطق المنكوبة من زلزال شباط الفائت، وسط استمرار حالات الفوضى في التوزيع، والسرقات لحصص المتضررين، مع غياب تام لجهة مراقبة محايدة لضبط آلية التوزيع وتسليم المساعدات لمستحقيها, بالإضافة إلى عدم وجود آلية لتعويض المتضررين وإعادة إعمار منازلهم فجميع الحلول التي توضع هي مؤقتة وغير مدروسة تسببت بتفاقم الوضع الإنساني في تلك المنطقة.

كما لم تتوقف الفصائل عن ارتكاب انتهاكات بحق سكان المنطقة خلال فترة الزلزال وإلى تاريخ نشر التقرير, حيث وثق قسم الرصد والتوثيق، عبر مصادره أن المساعدات الإنسانية التي منعت الفصائل المنظمات من توزيعها وأصر على توزيعها بنفسه, سُرق قسم كبير منها وتم نقله إلى مستودعات خاصة بهم في قرية كورزيلة بناحية شيراوا في عفرين, وفرض الفصيل ضرائب على قافلات المساعدات، تقوم فصائل المعارضة الموالية لتركيا وعناصر هيئة تحرير الشام, بتدمير المباني والمنازل بشكل عشوائي وتفجيرها، بحجة أنها مهددة بالانهيار دون استشارت مختصين أو دراسة الوضع البيئي للمنطقة والأبنية المجاورة التي لاتزال مسكونة ودون مراعات قواعد حفظ سلامة وأمن المدنيين وحقوقهم في السكن, ودون أخذ موافقة صاحب المنزل.

استطاع القسم توثيق 13 محلاً و5 مبانٍ تم هدمها بشكل عشوائي غير مدروس, ويعتبر هدم منازل المدنيين من الجرائم الدولية التي يجب أن تحاسب عليها الجهات المفتعلة, كونها تتسبب بتشريد عشرات العائلات من دون حق.

فبحسب القانون الدولي الإنساني في ما يخص مبادئ توجيهية الحق في المساعدة الإنسانية, ووفق المبدأين الأول والعاشر، إذ ينصان على أن “لكل إنسان الحق في الحصول علي مساعدة إنسانية تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه على قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة”.

ويعتبر تدمير المنازل بشكل عشوائي وغير مدروس انتهاكاً لحقوق المدنيين في السكن اللائق, كما أنه يعتبر تشريداً قسرياً, وهو انتهاك بحسب القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.