بأواني المطبخ والأسطل.. ينقل سكان الحسكة المياه لمنازلهم
الحسكة – نورث برس
في مشهد بات أقرب للمعتاد، في ظل أزمة المياه الخانقة التي تشهدها مدينة الحسكة، يقف سعدون عبدالرحمن (47 عاماً) من سكان حي غويران، في طابور انتظار وخلفه عشرات الأواني والأوعية البلاستيكية أمام خزان في أحد الشوارع، متجمهراً عليه عشرات النسوة والرجال والأطفال من أجل ملء المياه.
وبدأت أزمة المياه في الحسكة منذ سيطرة الجيش التركي برفقة فصائل من المعارضة السورية الموالية له على مدينة سري كانيه (رأس العين) ووضع يدها على محطة آبار علوك للمياه في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ضمن عمليتها “نبع السلام” التي تسببت بتشريد نحو 300 ألف شخص من مدينتي سري كانيه وتل أبيض وأريافهما.
وقامت تركيا خلال الأعوام الأربعة الماضية، بإيقاف تشغيل المحطة نحو 30 مرة، استمر إيقافها في بعض الأحيان لأكثر من 3 أشهر، بالتزامن مع حلول فصل الصيف وانتشار مرض كوفيد 19، في حين أن الإيقاف الأخير للمحطة كان منذ نحو 7 أشهر، منذ أواخر العام الماضي وحتى لحظة إعداد هذا التقرير.
هاجس المياه
ونقل “عبدالرحمن”، برفقة زوجته وأطفاله الأربعة عدداً من الأوعية البلاستيكية التي تم ملئها بالمياه من الخزان الموضوع في الحي، ويصف الأمر في حديث مع نورث برس بالقول: “معاناتنا مع المياه صعبة وباتت هواجسنا هي المياه”.
وبات التأخر عن الأعمال والالتزامات، السمة الأبرز لسكان في الحسكة، في ظل الانتظار الطويل لصهريج المياه.
وأكثر ما يلفت الانتباه، هو المشهد المتكرر بشكل يومي، فالأطفال والنساء والرجال، الكل يحمل أوعية بلاستيكية وأسطلاً وغالونات صغيرة، متجهين نحو الخزانات من أجل الحصول على كمية من المياه ونقلها للمنزل يدوياً.
واعتمد سكان الحسكة خلال السنوات الأربع الماضية على عدة مصادر للمياه، منها الآبار السطحية التي حفرها سكان أمام منازلهم من أجل استجرار المياه المالحة، إلى جانب شراء المياه من الصهاريج المدنية التي تقوم ببيع المياه العذبة بعد جلبها من ريف الحسكة، وتقوم بعض المنظمات الدولية بوضع مئات الخزانات الكبيرة ذات سعة 25 برميل بسعة تصل لنحو 5000 لتر وملئها بشكل دوري، في عدد من أحياء المدينة من أجل نقل السكان لتلك المياه لمنازلهم في ظل انقطاع المياه.
ويتوفر في الحسكة عدد قليل من مصادر المياه العذبة الموجودة في منطقة الحمة (قرية الحاج – قرية شموكة وغيرها) في الريف الغربي للمدينة، بالإضافة لمنطقة رد شكراً ونفاشة في الريف الشرقي للمدينة، وهي تعتبر المصادر الوحيدة للمياه العذبة في ريف الحسكة، ليقوم أصحاب الصهاريج المدنية بملء خزاناتهم وبيعها للسكان في الحسكة.
ونتيجة الإقبال الكبير على المياه وخاصة خلال فصل الصيف وفقدان العملة السورية قيمتها، وصل سعر الخزان ذات الخمسة براميل بسعة ألف ليتر من المياه إلى نحو 12 ألف ليرة سورية.
البحث عن المياه
وتترك عنود الجبوري (48 عاماً) من سكان حي غويران وتتألف عائلتها من 8 أفراد، كباقي النساء، أطفالهم ومرضاهم في المنزل، إضافة لأعمالهم وأشغالهم للبحث عن الخزانات التي يتوفر فيها مياه بشكل يومي”.
وتقول لنورث برس: “أوضاعنا المادية سيئة ونضطر لنقل المياه من الخزانات، لا نستطيع شراء المياه من الصهاريج، سعر الخزان 10 آلاف ومن الممكن أن يصل لـ20 ألف ليرة في الصيف”.
كما أن التجمهر الكثير للسكان على الخزانات لجلب المياه نتيجة الحاجة الملحة يؤدي لحدوث ملاسنات ومشاحنات وشجارات في الكثير من الأحيان.
مرضى وعجزة على الخزانات
في حين أن صالح عبدالحق (39 عاماً) من سكان حي غويران أوضح المعاناة الكبيرة للسكان بالقول: “هناك مرضى وعجزة صيام وهم يبحثون عن خزان فيه مياه من أجل نقل بعض المياه لمنزلهم، لساعات عديدة يبقون من أجل نقل برميل واحد (200 لتر من المياه)”.
وأضاف: “أوضاعنا مع المياه معاناة، هناك البعض يستطيع شراء المياه من الصهاريج وآخرون لا يملكون تلك المقدرة، رغم أن شراء المياه لم يعد بالأمر السهل، حيث ستنتظر لساعات حتى تجلب صهريجاً لملء المياه لخزان منزلك”.
وأوضح “عبدالحق” بأن السمة الرئيسية في المدينة هي خزانات المياه والأهالي الذين يبحثون عن المياه ويتجمهرون بكثرة على الخزانات في كل أحياء الحسكة “ولكن المشهد في غويران أقسى قليلاً”.
معاناة كبير
وعلى رأسها، نقلت المسنة وضحة عبيد (70 عاماً) من سكان حي غويران عدداً من أسطل المياه من إحدى الخزانات القريبة من منزلها، تقول: ” مجبورون على هذا”.
في حين يترقب عبدالرحمن اللجي (50 عاماً) من سكان حي غويران هو وأفراد عائلته وأطفال الحي وصول صهريج المياه لملء خزان الحي، “وصول الصهريج لملء الخزان يجب الانتباه له في وقته لأنه في حال تأخرت لربع ساعة عن التواجد “نكون قد حرمنا من الحصول على المياه (يكون الخزان قد استهلكت كل مياهه)”.
وأشار لنورث برس، “أينما ذهبت أو تجولت تشاهد في الحسكة سائق تكسي أجرة أو دراجة نارية يحمل أوعيته ويتنقل من خزان إلى آخر.. الصورة أبلغ من الكلام”.