البطالة في شمال شرقي سوريا.. معضلة تصطدم بتحديات للنهوض بالنمو الاقتصادي

القامشلي – نورث برس

منذ سنتين يقصد خضر محمد سوق العمال في مدينة القامشلي بشمالي سوريا، بحثاً عن فرصة عمل يسد بها نهاية يومه، رمق أسرته، في ظل غياب عمل مناسب وسط الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها البلاد.

ويشكو ‘‘محمد’’ وهو أب لأربعة أطفال، من ركود سوق العمل بينما يحيط به عدد من أقرانه العمال “نعمل يوم و10 أيام لا، الفروج لا نعرف مذاقه منذ نحو خمسة أشهر، وأحياناً ننام بدون عشاء لعدم توفر العمل”.

ويشرح الرجل الأربعيني طبيعة عملهم لنورث برس، “نأتي من الساعة 6 صباحاً ونبقى حتى المساء، نعمل أي شيء، سواء الحفر أو الردم أو النجارة وغيره، مقابل مبلغ يتراوح ما بين الـ  10 و 20 ألف ليرة (أقل من 3 دولار)”.

ويومياً يجلس العشرات من العمال على قارعة الأرصفة وسط السوق المركزي بالقامشلي، لعدم وجود فرص عمل دائمة، مما يضطر هؤلاء العمال في هذا القطاع الحر إلى استبدال مهنهم الأساسية إلى مهن تقتضيها الحاجة قد تفوق بنيتهم الجسدية بهدف إعالة أسرهم.

ودفع الركود الذي شهدته الحركة العمرانية مؤخراً، بـ”العبدالله” الذي كان يعمل نجاراً، للانخراط في مختلف المجالات بهدف كسب قوت لأسرته.

ويقول العامل الستيني لنورث برس: “أنا عاطل عن العمل منذ مدة، سابقاً كانت الحركة العمرانية جيدة، لكن حالياً هناك ركود ولا يوجد عمل، والفرص التي تأتينا حالياً قليلة وأحياناً بعض الفرص لا تلائمني لعدم قدرتي على العمل في مختلف المهن”.

ويشير العامل، وهو أب لـ 10 أولاد، إلى أن أجورهم متدنية حيث أنه يتقاضى لقاء عمله في السوق الحر نحو 10 آلاف يومياً (دولار ونيف) ولا يساعده في مصاريف المنزل سوق وواحد منهم، بحسب قوله.

وتعاني مناطق الإدارة الذاتية أسوة بباقي المناطق السورية، من أوضاع اقتصادية صعبة جراء تدني قيمة الليرة السورية أمام الدولار، حيث وصل سعر الصرف أكثر من 7700 ليرة في السوق السوداء.

وبمرور أكثر من عقد على الأزمة السورية، بات نحو 90 % منهم يعيشون تحت خط الفقر، وفق تقرير حديث أصدرته منظمة ‘‘هيومن رايتس ووتش’’ مطلع العام الحالي.

وفي خطوة لتحسين الواقع المعيشي، رفعت الإدارة الذاتية مطلع شهر نيسان / أبريل الجاري، رواتب العاملين في مؤسساتها إلى 520 ألف ليرة كحد أدنى، وهي أجور أكثر بثلاث أضعاف تقريباً مقارنة مع رواتب الموظفين في مناطق الحكومة والمعارضة.

ورغم أن مناطق الإدارة الذاتية تعتبر الأفضل من حيث أجور الموظفين العاملين في المؤسسات على مستوى البلاد، إلا أن القطاع الخاص ضمن مناطقها يشهد حالات استغلال من قبل أرباب العمل لحاجة الكثيرين إلى عمل، وفق بعض العمال قابلتهم “نورث برس”.

ويشدد شيرو شرو، الرئيس المشارك لأتحاد الكادحين في شمال شرقي سوريا، وهي نقابة تدافع عن حقوق العمال، على وجود “مظلومية كبيرة في القطاع الخاص. لذلك نحاول أن نجد عملاً مشتركاً بين الاتحاد وأرباب العمال بالنسبة للأجور”.

ويبلغ عدد العمال المسجلين لدى اتحاد الكادحين في شمال شرقي سوريا، 42 ألف عضو ضمن القطاعين الخاص والعام، وفق شرو.

ويبرر الرئيس المشارك للاتحاد، عدم وجود فرص العمل بالقدر الكافي، بـ”الحصار المفروض على مناطقهم وعدم وجود شركات ومعامل تأوي هؤلاء العمال”.

وأضاف لنورث برس: ‘‘لكن نحن نعمل على إيواء هؤلاء الكادحين خلال فتح المعامل والمشاريع الصغيرة مثل المداجن والبيوت البلاستيكية وغيرها، لإيجاد أكبر قدر من فرص العمل”.

ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة للبطالة في مناطق الإدارة الذاتية، إلا أن “شرو” يشير إلى أن نسبتهم لا تتجاوز 10 % في مناطقهم.

ويعتبر المسؤول أن انتشار البطالة من أبرز المواضيع الشائكة التي تضع تحديات أمام الإدارة الذاتية في وضع حلول لها، نتيجة تداعياتها السلبية على المجتمع.

تبعات تباطؤ الاقتصادي الذي يلقي بظلاله على شريحة واسعة من السوريين، يُجبر الكثير من العاملين على القبول بوظائف أقل أجراً وجودة ولا سيما حاملي الشهادات العلمية.

وهذا الحال ينطبق على العامل محمد الأحمد من مدينة القامشلي، الذي يحمل شهادة البكالوريا، ولكن سوء الوضع المعيشي دفعه إلى العمل بمهن حرة كعامل مياومة لعدم حصوله على فرصة عمل بديلة.

ويقول العامل الثلاثيني وهو أب لثلاثة أولاد، لنورث برس: “الأجور التي نحصل عليها أحياناً تكفي المصروف اليومي وأحياناً لا، نجلس في هذه الساحة من الصباح وحتى المساء، لعدم توفر فرصة عمل ثابتة”.

ورغم افتتاح الإدارة الذاتية للكثير من المشاريع التي تشغل الآلاف من الأيدي العاملة، إلا أن شريحة أخرى تؤكد بأنها غير كافية لتحسين الواقع المعيشي وتسريع العجلة الاقتصادية ولا سيما أن مناطقها تعد جيدة من ناحية الاستقرار مقارنة مع الوضع الحالي للبلاد.

ويشير شكري يوسف، وهو محلل اقتصادي من القامشلي، إلى أن الحلول لمشكلة البطالة تكمن في البناء، ويضيف لنورث برس: “لإحداث توازن وتوافق للقضاء على البطالة، يجب بناء شركات ومعامل لتوظيف العاطلين عن العمل فيها، لكن بسبب الحصار المفروض، يجب على الإدارة الذاتية إيجاد حل لهذه المشكلة، كونها هي التي تدير المنطقة”.

ويتفق معه بهذا الرأي، جميل ضاهر، نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في إقليم الجزيرة، في أن الحلول للقضاء على البطالة “تكمن بمشاريع استثمارية لتوفير أكبر عدد من الفرص للعاطلين عن العمل ولا سيما أن مؤسسات الإدارة الذاتية أخذت كفايتها من الموظفين”.

إعداد: دلسوز يوسف ـ تحرير: تيسير محمد