دمشق ـ نورث برس
رغم أنها ظاهرة أزلية في سوريا، إلا أنها وصلت أوجها خلال رمضان بسبب استغلال حاجة الناس للتسوق في رمضان مع قدرة استهلاكية وصلت الحضيض.
الغش يطال كل شيء من لقمة الخبز وحتى الدواء، حيث أن أغلب الأطباء يطلبون من مرضاهم شراء الدواء الأجنبي إذا استطاعوا إليه سبيلا.
تنتعش ظاهرة الغش مع الدخل المتدني، وتنشر وزارة التجارة الداخلية أسبوعياً تقارير عن عشرات المخالفات في كل محافظة، وأغلبها مخالفات بمواد غذائية تطال حتى مواد الأطفال.
وفي أحدث إحصائية بلغ عدد الضبوط المسجلة في اليوم 12 من الشهر الجاري، 58 ضبطاً في دمشق، و114 مخالفة في ريف دمشق، و26 في اللاذقية وغيرها.
وإذا كانت هذه الضبوط تشمل مخالفات من نوع عدم الإعلان عن سعر أو غش في الوزن أو بمواد غير غذائية كالألبسة وعدم تداول الفواتير، فإن أخطر ما يسجل هو المخالفات التي تحصل في المواد الغذائية، إذ سجلت الوزارة مخالفة في ثلاثة مسامك في حماة، تقدم للأسماك مخلفات مسالخ الفروج غير معالجة حرارياً كعلف.
إضافة إلى انتشار ظاهرة بيع مواد منتهية الصلاحية ولم تعد صالحة للاستهلاك.
بلا استثناء
تقول سميرة حسن، وهي ربة منزل من سكان دمشق، لنورث برس، إنها عبثاً تحاول الحصول على كيلو حليب غير مغشوش في الوزن والدسم وإضافة الماء، وأنها تشتريه بسعر النوعية الجيدة (4 آلاف ليرة) أي أن الغش ينطبق على المحلات التي تشتري منها في مناطق المخالفات، أو المحلات النظامية في الأسواق، حيث تبين لها أنهم يخالفون أيضاً في المحلات النظامية وإن كانت بنسب أقل من حيث سحب نسبة من الدسم وإضافة الماء بكميات أقل.
هذا الحال “ليس جديداً”، حسب قولها، ولكن عليها شراء الحليب في رمضان أكثر من باقي الأشهر لكي تحضر منه اللبن واللبنة، طالما أنها لا تستطيع تسوق الجبنة.
ولأن محاولاتها لشراء اللبنة الجاهزة توصلها إلى نتيجة أن ما اشترته لا يشبه اللبنة إلا في لونه، وكذلك اللبن الرائب، لذلك تجدها في حالة بحث دائم عن مصدر جديد للحليب عله أقل غشاً، وأكثر تناسباً مع السعر.
غش اللحوم
مصدر في وزارة التموين بيّن لنورث برس، أن المخالفات تطال كل شيء، وأن هنالك مخالفات كبيرة في اللحوم أيضاً، وأن من أساليب الغش في اللحوم “فرم جلد ونتر الفروج لإعداده ككباب فروج”.
وتحدث المصدر عن “لجوء بعض أصحاب محلات الوجبات الجاهزة لاستبدال اللحوم الطبيعية بلحمة الصويا كبديل في الأطعمة الجاهزة، وبيعها بسعر اللحوم الطبيعية”.
ومن المخالفات الأكثر “لؤماً” كما وصفتها إحدى السيدات التي تسكن في إحدى مناطق المخالفات بدمشق فهي حقن بعض المواد بالماء لزيادة الوزن.
وأشارت إلى أنها اشترت بمبلغ 25 ألف ليرة، وهذا أكثر من نصف سعر كيلو السفن البالغ 40 ألف ليرة، قطعة من السفن، وبعد وضعها على النار تلاشت حتى أصبحت قطعة صغيرة.
تقول بغصة وخيبة أمل، إن المبلغ الذي دفعته يعادل ربع راتبها، وأنها لم تتمكن من إعداد طبخة شهية توقعت أنها ستعدها لأولادها بعد انقطاع طويل عن شراء اللحمة.
ويكثر الغش في اللحمة وحتى في مؤسسات الدولة التي تبيع اللحوم، حيث تؤكد رنا علي، أنها اشترت نصف كيلو على أنه لحم خروف، ولكن عند استخدامه في الطبخ تبين أنه لا يمت لأي طعمة لحومات بصلة، ولأنها مفرومة بطريقة ناعمة جداً يصعب تمييز شيء من شيء، رغم الإقبال الكبير على صالات الدولة لبيعها بسعر أقل من السوق، وتعتقد “علي” أنه يتم تغطية الفرق بهذه الطرق من الغش.
تفنن في الغش
ومن أنواع الغش التي ذكرها المصدر في الوزارة خلط العصائر بملونات صناعية، بما فيها المشروبات الرمضانية، ووضع مبيضات للحمص والفول والمسبحة بدل الطحينة مرتفعة الثمن، وبيع أسماك فاسدة على البسطات.
وهنالك استخدام للأصبغة الضارة بالصحة، وخلط السمن النباتي مع الحيواني، وبيع “عجوة تمر” منتهية الصلاحية، وأن هذه المخالفات تحصل في أغلب الأسواق منها الشيخ سعد في المزة مثلاً.
وتصبح مخالفات مثل السعر وانتهاء الصلاحية للمواد أقل خطورة من بين مئات المخالفات التي تحصل يومياً.
وكذلك المخالفات في المواد غير الغذائية كمواد التنظيف التي تباع في كل مكان، تقول وسام محمد ربة منزل لنورث برس، إن يديها أصيبتا بمرض جلدي، بسبب استخدام المنظفات الدوكما الأرخص، حيث لا يعلنون ولا يلتزمون بأدنى شروط المواصفة، وإنها تكلفت بمداواتهما الكثير دون أن تصل إلى علاج جذري للأكزيما التي ظهرت في يديها.
اللافت في الأمر أن أغلب الناس لا تهتم كثيراً عند التسوق لفكرة الغش، إذ يكفي أن يجدون سعراً أقل للإقبال على الشراء بغض النظر عن المواصفة.
وهذا ما تؤكده إحدى السيدات التي كانت تشتري لبنة من بائع يبسط بضاعته على الرصيف في منطقة البرامكة بدمشق، وعند سؤالها عن مواصفتها، قالت ضاحكة: “هذا لا يعنيني، سأعود للبيت بلبنة أرخص، ويجد الأولاد ما يدرجونه في سندويشاتهم ليومين”.
والحقيقة أن هذا حال أغلب الناس التي تشتري الأرخص رغم معرفتها بأنه مغشوش، ولكن ضيق الحال لا يترك لهم خيارات أخرى.