تعزيز التوجه السعودي.. قراءة في عودة العلاقات السورية السعودية بعد القطيعة
دمشق ـ نورث برس
بعد 12 عاماً من القطيعة، بدأت العلاقات السورية السعودية بالعودة إلى سابق عهدها، وبتسارع لافت، تزامناً مع ظروف اقتصادية خانقة يعيشها الشعب السوري، تجعله يرحب بأي مبادرة يمكن أن تساهم في تحسين وضعه الاقتصادي، بصرف النظر عن أي مواقف أو اعتبارات سياسية كانت سائدة خلال سنوات الحرب.
فما يجري الآن من تقارب بين الرياض ودمشق، ليس سوى حلقة من مجموعة تطورات في المنطقة، تبدو السعودية في محورها وأبرز محركيها.
وهي تطورات تسعى السعودية فيها إلى تعزيز توجهاتها الجديدة وإنهاء خلافاتها مع المحيط، ورغم أن القضية السورية تعد واحدة من أبرز الملفات، إلا أنها لا تشكل في السياسة الخارجية السعودية سوى إحدى حلقات ملف العلاقات مع إيران، بحسب محللين.
مباركة سعودية
وفي تعقيبه على أهم بنود اللقاء الذي تم أمس بين البلدين، قال المحلل السياسي زين اليونس، (اسم مستعار)، إن زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية، “تكتسب أهمية كبيرة وتُعد مفصلاً بارزاً في سياق الأزمة السورية، إذ تشكل بداية الاتفاق على تسوية بمباركة سعودية، ستبدأ في التبلور خلال الفترة القصيرة القادمة”.
وأضاف “اليونس” أن البيان الذي أصدرته الخارجية السعودية في ختام لقاء المقداد بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، “يشير بكل وضوح إلى أن الخلافات بين قيادتي البلدين صارت من الماضي”، إذ أن البيان يقول إن الجانبين اتفقا “على ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
كما يرد في البيان أن الجانبين بحثا “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.
الاتجار بالمخدرات
وقال “اليونس” إن البيان لم يحدد بالضبط طبيعة تلك التسوية، أو تفاصيلها إلا أن تفاصيل الاتفاق تشير إلى “بعض التوافق” في وجهات النظر حول استعادة حكومة دمشق سيطرتها على جميع الأراضي السورية.
وكان لافتاً أن البيان تطرق إلى الاتجار بالمخدرات، إذ يرد فيه أن الجانبين أكدا “على أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها”.
ولفت المحلل السياسي، أنه حسب البيان فقد “اتفق الجانبان على أهمية حل الصعوبات الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.
الخطوات العملية الأولى للاتفاق السعودي السوري تتجسد حسب البيان بإجراءات “استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين”.
تلك البنود المعلنة من المباحثات، تشير إلى أن قيادتي البلدين اتفقتا على أسس حل سياسي للأزمة السورية، رغم أن ذلك الحل ما زال غير واضح المعالم، كما أن عقبات عدة تعترض طريق البنود المعلنة منه، فمسألة بسط سيطرة الحكومة السورية على جميع أراضي الدولة، “لم تعد قضية محلية فقط، بل هي إقليمية ودولية كذلك، فتركيا لها وجود داخل الأراضي السورية، كذلك الدول الكبرى كالصين، وروسيا، إضافة إلى الوجود الإيراني”، حسب “اليونس”.
تطبيع العلاقات
في السياق ذاته قال المحلل السياسي المختص في الشؤون العربية حسن العبد الله (اسم مستعار)، إنه في وقت متقارب، وقبل ساعات من استقبالها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، كانت الرياض تستقبل وفداً إيرانياً، لاستكمال بحث تطبيع العلاقات، وخاصة تبادل فتح السفارات، بعد قطيعة استمرت منذ 2016.
كذلك كانت الرياض ترسل وفداً إلى اليمن ليبحث وقف إطلاق النار مع حركة “أنصار الله” بعد أكثر من 8 سنوات على بدء حرب قادتها السعودية ضد الحركة التي كانت سيطرت في وقت سابق على العاصمة صنعاء.
إنهاء الأزمة الخليجية
في اليوم ذاته، كانت الرياض تستقبل المباحثات ثانية لتطبيع العلاقات بين قطر والبحرين، وهي المباحثات التي انطلقت منذ نحو عامين في السعودية، في محاولة لإنهاء الأزمة الخليجية، التي أدت عام 2017 إلى حِصار قطر واتخاذ عدة دول بقيادة السعودية، قرارات بقطع العلاقات مع الإمارة التي وجدت في إيران “سنداً قوياً” آنذاك.
ويعتقد “العبد الله” أن ما نراه من تطبيع مع دمشق ضمن هذا السياق، “إنما هو في الأساس شأن سعودي تتسارع خطواته منذ الإعلان عن إعادة العلاقات بين الرياض وطهران، إذ أن معظم الخلافات السعودية مع المحيط ترتبط بشكل أو بآخر بعلاقاتها مع إيران”.
ولم تكن زيارة المقداد إلى الرياض مفاجئة، إذ سبقتها مؤشرات وتصريحات عدة على استعادة العلاقات بين البلدين، ويبدو أن ثمة إجماعاً عربياً على تطبيع العلاقات مع دمشق، سيُتوج بدعوة سوريا لحضور القمة العربية، وقد سبق لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن أعلن الشهر الماضي، أن هناك محادثات لعودة سوريا إلى “الحضن العربي”.
أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الفتاح الطالب (اسم مستعار)، فقد استعرض تاريخ العلاقات السورية السعودية، وقال إنه خلال عقود كانت العلاقات ممتازة من تنسيق وتشاور بين البلدين منذ حرب 73، وأن الملك فهد كان إلى جانب سوريا في الثمانينات عند حصار سوريا، حيث وضع ودائع في البنك المركزي.
في حين كانت العلاقة سيئة في عهد الملك عبد الله، واليوم ستعود العلاقات مع الأمير محمد بن سلمان، وستعود إلى زمن الثمانينات عندما أنهت الدولتان سوريا والسعودية الحرب في لبنان وعندما حاصر البلدين طموحات الرئيس العراقي صدام حسين في اجتياح الخليج وسوريا ايضاً.
وقال “الطالب” إن الخط الساخن الذي عاد بين دمشق والرياض، “ينهي الكثير من المشاكل في المنطقة وليس في سوريا فقط”. لأن العلاقات التاريخية كانت قائمة على التعاون والشراكة، واليوم مع عودة هذه العلاقات سيعود التعاون في حفظ سيادة واستقرار وأمن المنطقة.
ولفت “الطالب” إلى أن زيارة المقداد جاءت سريعة، و”لكنها تدل على أن التنسيق بين البلدين قائم منذ فترة ليست بالقصيرة، وأن التنسيق الاستخباراتي تطور إلى تنسيق دبلوماسي وسياسي، وأن الدعوة أتت دون أن تظهر للإعلام، وبالتالي يمكن أن يكون هنالك اتصالات بين الوزيرين خلال الفترة الماضية”.
ظروف مهيأة
وعن مشاركة سوريا في الجامعة العربية، قال “الطالب”، لنورث برس، إن الظروف أصبحت مهيأة لمشاركة سوريا في مؤتمر الجامعة العربية وشغل مقعدها، فحتى الدول التي كانت معارضة لعودة سوريا إلى مقعدها مثل الكويت الآن ترحب.
وعن موقف قطر قال إنه “ما زال ملتبس لكنه غير مؤثر”. لأن الدول العربية بمعظمها تريد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وزيارة المقداد عامل مهم في شغل سوريا لمقعدها.