الانتهاكات التركية
منذ الاجتياح التركي لعفرين عام 2018 وبعدها سري كانيه وتل أبيض عام 2019, لم تكف السلطات التركية عن ارتكاب الانتهاكات بحق السوريين, حيث تعددت الاعتداءات التركية الممنهجة ضد القاطنين في شمالي البلاد إلى حد تجاوزها للقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية, من خلال قصفها غير المشروع أو قتلها وتعذيبها لطالبي اللجوء, واعتقال السوريين تعسفياً داخل البلاد ونقلهم إلى تركيا للمحاكمة, بالإضافة إلى دعمها لفصائل المعارضة الموالية لها والمتواطئة معها في ارتكاب الانتهاكات والتعدي على حقوق سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
في عام 2022 استطاعت نورث برس، أن توثق مقتل 183 شخصاً بينهم 14 طفل و3 سيدات وإصابة 371 آخرين بينهم 33 طفلاً و23 سيدة على يد الجيش التركي في سوريا أو على الحدود السورية التركية, كما ألحقت الضرر بقصفها العشوائي وغير المشروع بـ 1042 موقع بينهم 26 منشأة حيوية وبنى تحتية في شمال شرقي البلاد.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023, تصاعدت الانتهاكات التركية بحق السوريين وعلى وجه الخصوص طالبي اللجوء الذين يحاولون عبور الحدود بطرق غير شرعية, حيث سجل قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, تسبب حرس الحدود التركي “الجندرمة” بمقتل 22 شخصاً وإصابة 59 آخرين بالإضافة إلى اعتقالها واعتدائها على 191 شخصاً أثناء محاولتهم عبور الحدود السورية التركية.
كما سجل القسم ضحايا وأضرار القصف غير المشروع والذي استهدف 151 موقعاً بـ 592 ضربة, 11 منها بالمسيرات.
معظم الضربات كانت موجهة إلى ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة حكومة دمشق والإدارات المحلية التابعة للإدارة الذاتية, حيث بلغت الضربات الموجهة لها 485 ضربة أي بنسبة 81% من مجمل الضربات, وبلغ عدد ضحايا القصف 42 شخصاً، 31 منهم فقدوا حياتهم بينهم 3 أطفال وسيدة وأصيب 11 آخرين.
واعتقلت الاستخبارات التركية 19 شخصاً في عفرين في الربع الأول من العام الجاري معظمهم بتهمة التعامل مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
كما بنت تركيا من خلال منظمات محلية وبدعم من منظمات كويتية وقطرية وفلسطينية خلال الربع الأول من 2023 الجاري, 5 مستوطنات في عفرين تضم نحو 700 شقة سكنية, وتم بنائها على أراضي سكان المنطقة الأصليين أو على حساب المساحات الحرجية بعد أن قطعت الفصائل الموالية لها الأشجار بهدف بناء المستوطنة.
خلال كانون الثاني/يناير، استمرت تركيا بتصعيدها الذي بدأ في 20 كانون الأول 2022 على مناطق شمال شرقي سوريا، استهدفت فيه البنية التحتية وتسببت بأضرار كبير في الغاز والكهرباء والنفط ما أثر على الإنتاجية, حيث أنها استهدفت المنطقة بـ 531 ضربة أي 89 % من مجمل الضربات منذ بداية 2023.
وفي شباط/فبراير ضرب زلزال بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر كلاً من سوريا وتركيا, وخلف أضراراً بشرية ومادية كارثية، حيث راح ضحيته أكثر من 50 ألف شخص في البلدين, وتسببت السلطات التركية بخيبة كبيرة لسكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها, حيث أغلقت معبر باب الهوى الوحيد بينها وبين مناطق المعارضة, ولم ترسل أي معدات للإنقاذ أو أي مساعدات إغاثية حتى إنها منعت وصول المساعدات القادمة من مناطق الإدارة الذاتية وحكومة دمشق بالدخول, وذلك بالاستناد إلى شهادات لشخصيات في الائتلاف السوري والفصائل المسلحة، حصل عليها قسم الرصد والتوثيق من مصادر خاصة ومفتوحة, تؤكد أن حكومة الإنقاذ والائتلاف رفضتا دخول المساعدات لشمال غربي سوريا بتعليمات تركية.
كما كشف تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 7 شباط 2023 عن تورط مسؤولين أتراك في تعذيب ضحايا اعتقلوا تعسفياً في سوريا من قبل فصائل المعارضة الموالية لتركيا, وعرض التقرير حالات من التعذيب والاعتداء تورط فيها مسؤولون أتراك, وبحسب التقرير فإن الضحايا تعرضوا للضرب والصعق والكهرباء والتحرش الجنسي والاغتصاب والتهديد بالاغتصاب.
وأكد التقرير أن الأشخاص تم احتجازهم تعسفياً بمعزل عن العالم الخارجي لفترات تتراوح من شهر إلى ثلاث سنوات، وأن يمنع أفراد عائلاتهم من الحصول على معلومات حول مكان وجودهم, كما نُقل بعض المعتقلين بشكل غير قانوني إلى تركيا.
وأوضحت اللجنة في تقريرها أنه في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية الفعالة، فإن تركيا ملزمة بالتزامات حقوق الإنسان السارية فيما يتعلق بجميع الأفراد وتتحمل مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال.
أما في آذار شهدت مناطق سيطرة فصائل المعارضة احتجاجات ضد انتهاكات حرس الحدود التركي “الجندرمة” عقب قتلها شابين والاعتداء وتعذيب 7 آخرين, وتسليم جثة أخرى مشرحة بالكامل, وفي 23 آذار اتهمت هيومن رايتس وتتش في تقريرها تركيا بالتواطؤ مع فصائل المعارضة الموالية لها في حادثة مقتل 5 أشخاص كرد في جنديرس أثناء احتفالهم أمام منزلهم وإشعال النار بقدوم عيد نوروز “رأس السنة الكردية”, وقالت في تقريرها “بصفتها قوة محتلة وداعمة للفصائل المحلية العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمالي سوريا، تركيا ملزمة بالتحقيق في عمليات القتل هذه وضمان محاسبة المسؤولين عنها. ينبغي لـ تركيا أيضا قطع كل دعمها لفصائل الجيش الوطني المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة أو الممنهجة وانتهاكات القانون الإنساني الدولي”.
تقع على تركيا “كدولة احتلال” واجبات اتجاه مناطق شمال غربي سوريا من الجوانب الإنسانية والسياسية والعسكرية كونها ذات السيادة فيها, ولها العديد من الالتزامات وفق القانون الدولي الإنساني.
وينص القانون بأنه “يقع على عاتق دولة الاحتلال واجب ضمان توفير الإمدادات الكافية من الغذاء والإمدادات الطبية، وكذلك الملبس، والفراش، ووسائل المأوى، والإمدادات الأخرى الضرورية لبقاء السكان المدنيين في الأراضي المحتلة، والأشياء الضرورية للبقاء على قيد الحياة”, وفق اتفاقيّة جنيف 4 الموادّ (55 ، 58, 30, 143).
ويحظر القانون الدولي الإنساني الاستهدافات التركية غير المشروعة على منازل المدنيين والأعيان المدنية وفق المادة 147 من اتفاقية جنيف عام 1949، كما جرمتها المادة 25 من لائحة لاهاي لعام 1907.
أما بالنسبة لاعتدائها على طالبي اللجوء وبحسب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية، لجميع المهاجرين الحق في الحياة، وتفرض على جميع الدول حماية جميع المهاجرين وطالبي اللجوء, وتحظر المساس بحياتهم وقتلهم خارج نطاق القضاء, وتفرض على الدول عدم تعذيبهم وتعريضهم لمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة, وبحسب المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق يجب مقاضاة كل من تسبب بعملية قتل خارج القضاء.