درعا.. كيف استملكت دمشق ممتلكات السكان والأعيان المدنية؟

المقدمة

منذ أن سيطرت القوات الحكومية على الجنوب السوري عام 2018, وبالرغم من “اتفاقية التسوية” التي رعتها روسية وأفضت لتسوية أوضاع سكان درعا المطلوبين لدى حكومة دمشق أمنياً ونزع السلاح من المجموعات المعارضة, لتبدأ بعدها الأخيرة بتعزيز وتوسيع نقاطها العسكرية وخرق بنود التسوية من خلال اعتقال الأشخاص الذين خضعوا للتسوية والاستيلاء على منازل المدنيين وزيادة وتيرة الاغتيالات وتحويل المنطقة لمركز تصدير المخدرات.

 بالرغم من مرور خمس سنوات على سيطرة القوات الحكومية على درعا لايزال الفلتان الأمني هو المشهد الطاغي على المدينة وريفها,  حيث لايزال هناك سكان لا يستطيعون العودة لمنازلهم بسبب سيطرة الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق عليها في ظل تجاهل وتهاونٍ روسي, ويسلط التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق، الضوء على قضية استيلاء حكومة دمشق على منازل المدنيين في مدينة درعا وريفها, الذين نزحوا أثناء اجتياح القوات الحكومية للمنطقة مدعومة بالطيران الروسي جواً وفصائل موالية لإيران على الأرض, ويعرض ذلك بالاستناد لشهادات سكان استولت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة على منازلهم وحولتها إلى مقرات عسكرية, بالإضافة إلى شهادات تؤكد الاستيلاء على مسجد ومدارس.

منازل المدنيين مقرات عسكرية

“أتقاسم منزلي مع عناصر للجيش منذ أكثر من خمسة أعوام” يقول مسعود عبد الله، وهو اسم مستعار لمالك منزل في منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي وجد منزله تحت سيطرة القوات الحكومية أثناء عودته من النزوح.

ويضيف: “في آب /أغسطس 2018 عندما عدت لمنزلي برفقة الشرطة العسكرية الروسية وجدت أن عناصر الجيش يقطنون في منزلي وعندما طلبنا منهم الخروج رفضوا, راجعت الأفرع الأمنية والكثير من الضباط لإخلاء المنزل لكن دون جدوى, دائما ما يخترعون الأعذار لمغادرة المنزل بالرغم من أن الوضع الأمني مستقر ولا سبب منطقي لبقائهم في منزلنا”.

أشار مسعود في حديثه أن الشرطة العسكرية الروسية تلقت عشرات الشكاوي من المدنيين الذين استولت قوات حكومة دمشق على منازلهم وحولتها لمقرات عسكرية, لكنهم لم يقدموا أي استجابة بالرغم من تعهدها سابقاً في إخراج القوات الحكومية من المدن والبلدات وإعادته إلى ثكناته العسكرية كما كانت قبل العام 2011.

أما خالد العمر وهو اسم مستعار لأحد سكان اللجاة التابعة إدارياً لمدينة درعا نزح عام 2012 إلى أحد دول الجوار طلب عدم الكشف عن مكان إقامته لأغراض أمنية, أغلق منزله وظل على حاله إلى عام 2018 حين سيطرت القوات الحكومية على درعا.

أفاد “العمر” أن القوات الحكومية استولت على منزله وحولته إلى مقر عسكري, بينما أحد العناصر منهم استولى على منزل والديه المجاور لمنزله ويقطن فيه مع عائلته, ويقول تعقيباً على سؤال هل طلبت منهم إخلاء المنزل؟, “راجع أخي الضابط المسؤول عن العناصر لإخلاء المنزل لكنهم رفضوا إخلائه, قائلين إنه عندما يعود أصحابه سنخرج منه”.

باستيلاء القوات الحكومية على الجنوب السوري عام 2018 ودخولها لدرعا بعد قصف جوي ودعم من روسيا وإيران والذي تسبب بتهجير سكان المنطقة بشكل شبه كامل، قامت القوات الحكومية باستخدام منازل المدنيين في المناطق التي دخلوها كمقرات عسكرية ورفضوا الخروج منها لاحقا, بالرغم أن اتفاق التسوية الذي رعته روسيا بين المعارضة السورية والقوات الحكومية أواخر شهر تموز/ يوليو عام 2018 كان من أبرزه عودة النازحين إلى منازلهم, وذلك بعد أن تعهدت روسيا حينها بإخراج كافة القوات العسكرية والأمنية التي دخلت إلى قرى ومدن المحافظة وتعود إلى ثكناتها العسكرية.

وبحسب نشطاء من درعا فإن روسيا تنصلت من التزاماتها في ظل تعنت الحكومة السورية التي رفضت إخراج قواته من القرى والمدن التي تشهد استقراراً أمنياً باستثناء حوادث القتل والاعتقال التي تنفذها جماعات مسلحة مرتبطة بالأجهزة الأمنية الحكومية, وأشاروا إلى أن لا فائدة من وجود عناصر للقوات الحكومية في درعا وريفيها فتواجدهم يقتصر على أعمال تخريب أملاك المدنيين.

الأعيان المدنية مقرات عسكرية

لم تكتفِ القوات الحكومية في درعا وريفها بالاستيلاء على منازل المدنيين, بل اتخذت حتى من بعض الأعيان المدنية مقرات ونقاط عسكرية, وبحسب ما توصل إليه فريق الرصد والتوثيق, بلغ عدد المدارس المستولى عليها في منطقة اللجاة فقط 6 مدارس بالإضافة إلى الجامع والمستوصف ومقسم البريد وأكثر من 9 منازل.

 يقول ربيع الخلف أحد أبناء منطقة اللجاة: “بعد أن عدنا وجدنا عناصر تابعين للأفرع الأمنية أو الفرق العسكرية استولوا على بعض المنازل وحولها إلى مقرات عسكرية, كما أنها سيطرت على عدد من المدارس والمساجد وأحد المستوصفات وبعض المؤسسات الحكومية”.

وبحسب مصادر محلية، فإن أحد الحواجز العسكرية على أطراف مدينة أزرع بريف درعا الشرقي تتخذ من أحد المساجد مقرا لها, بينما الفرقة التاسعة في القوات الحكومية تتخذ من مبنى مقسم الهاتف والمستوصف الصحي في بلدة  صور وسط منطقة اللجاة مقرات لها بالإضافة إلى أنه لاتزال الفرقة مستولية على عدد منازل في قرى الشومرة والمدورة أيضاً الواقعة في اللجاة.

وأشاروا أن عناصر تابعين لفرع أمن الدولة التابع للقوات الحكومية يتخذون من الملحق في الثانوية العامة في بلدة جدل في منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي مقرا عسكرياً على الرغم من شكاوى ذوي الطلاب المتكررة.

باتت الجهات العسكرية التي تستولي على منازل المدنيين والأعيان المدنية في درعا معروفة، فبحسب ثلاث أشخاص قابلتهم نورث برس، بالإضافة إلى الشهادات المذكورة في التقرير، فإن تلك الجهات هي “الفرقة الخامسة والتاسعة وفرع أمن الدولة بالإضافة إلى عدة حواجز”.

يذكر أن حكومة دمشق وقواتها صادرت واستولت على عدد كبير من منازل النازحين الذين فروا من القصف الحكومي أو لأسباب أمنية بعد مشاركتهم في احتجاجات مناهضة للحكومة, واستخدمت الحكومة المنازل إما كنقاط عسكرية أو تحفظت عليها إلى حين التصرف بها, وخاصة في المناطق ذات الغالبية المعارضة لها مثل الغوطة الشرقية والقصير وبعض أحياء مدينة حمص بالإضافة للمناطق التي سيطرت عليها قبل أكثر من عام مثل سراقب وما حولها.

وحللت حكومة دمشق مصادرة منازل النازحين والمعارضين لها وفق المرسوم رقم 10لعام 2018 الذي يقضي بالسماح لإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار, ومنحت مدة 30 يوم لإبراز الثبوتيات وإلا لن يتم تعويض المالك, بينما صادرت عدداً كبيراً من المنازل عام 2012 وفق المرسوم التشريعي رقم 63 لسنة 2012 والذي سمح لوزارة المالية من الاستيلاء على ممتلكات الأشخاص الخاضعين لقانون مكافحة الإرهاب لعام 2012 ونقل ملكيتها إلى الحكومة السورية, والذي اعتبرته العديد من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها هيومن رايتس وتتش، أنه قرار مجحف وأن مصطلح” الإرهاب” الذي استخدمته الحكومة له تفسير فضفاض، ويجرِّم بشكل غير عادل شريحة كبيرة من السكان دون منحهم أي حق في إجراءات قانونية أو محاكمة عادلة.

الاستيلاء على الأملاك في القانون

بحسب القانون الدولي الإنساني فإن حق السكان بالسكن الملائم خاضع للحماية ويحظر على أطراف النزاع الاستيلاء على منازل المدنيين وإخلائها قسراً بالإضافة إلى أنها تفرض عليهم إتاحة الإنصاف القانوني, كما أن القانون وفق معاهدة جنيف الرابعة وغيرها من القوانين والمعاهدات تحق للأشخاص النازحين العودة الطوعية الأمنة إلى منازلهم أو أماكن الإقامة الاعتيادية في أقرب وقت تنتهي فيه أسباب نزوحهم.

وبموجب “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”الميثاق العربي لحقوق الإنسان” الحق في الملكية, العربي لا يجوز تحت أي ظرف “مصادرة الأموال كلها أو جزء منها بصورة تعسفية أو غير قانونية”.

أما بالنسبة لـ”مبادئ بينهيرو” الصادرة عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة والمتعلقة برد المساكن والممتلكات إلى اللاجئين والمشردين، نص على أنه “تسـري المـبادئ المـتعلقة برد المساكن والممتلكات إلى اللاجئين والمشردين سَرَياناً متساوياً على جميع اللاجـئين والمشردين داخلياً وغيرهم من المشردين في أوضاع مشاهبة الذين فروا عبر الحدود الوطنية والذين حُرموا، بصورة تعسفية أو غير قانونية، من مساكنهم أو أراضيهم أو ممتلكاتهم السابقة أو أماكن إقامتهم المعتادة، بغض النظر عن طبيعة الظروف التي أدّت أصلاً إلى تشريدهم”.