مشاهد الحرب ومأساتها في شمال شرقي سوريا لا تفارق ذاكرة الصحفيين
القامشلي – أفين شيخموس – نورث برس
صور وأشرطة الفيديو تثقل ذاكرة شخص واحد من بين آلاف الذين يذوقون مرارة الحرب، وتبقي الأشرطة المصورة على نظره ويشهد على الظلم ويترك بصمة ثابتة لا تمحى، ليخبر العالم بما حدث.
المصور الذي يبقى مطارداً بالذكريات الواضحة لحالات القتل عمداً وجثث الأطفال والأشلاء والكثير من الآلام، مطارداً من التوَّاقين لإطلاق النار، فطنينُ أذنيه لا يتوقف عن سماع أصوات صراخ الأبرياء وضجيج الطائرات والمدافع.
أكرم صالح، صحفي ميداني ومدير مكتب "كردستان "/24/ تحدث لـ"نورث برس" عن مشاهد الحرب التي لا تفارقه في جميع التغطيات التي قام بها في مناطق شمال شرقي سوريا.
صالح تحدث عن رحلته إلى عفرين وتغطية الأحداث قبل سيطرة القوات التركية وفصائلها على المنطقة قائلاً "عند ذهابي إلى مدينة عفرين مررت بـ /37/ حاجزاً لقوات الحكومة السورية، الطريق كأن صعباً جدا، شاهدت أولى طلعات الطيران وهي تقصف المدينة، بقيت هنالك شهراً و/5/ أيام، شاهدت فيها كيف كانت تتدمر وكيف تسلب المنازل من أهلها".
وأكد صالح أن "إخفاء المشاعر من أصعب الأمور التي يمكن أن يتعرض لها الإعلامي"، فعندما كان صالح ينتظر الجرحى في مشفى "آفرين" لتوثيق الانتهاكات، وصل /9/ أطفال مصابين بقذيفة تركية والمشهد لا يمكن أن ينساه.
وتابع "عندما اقتربت من الأطفال ازداد الألم، لأنني كنت على معرفة بأهالي بعضهم وصوت آلامهم لا يغيب عن سمعي".
وعن رحلة المأساة الجديدة قال صالح "خروج الناس من مدينة سري كانيه التي سيطرت عليها فصائل المعارضة التابعة لتركيا كأن أصعب بكثير من المواقف السابقة، لأن الطائرات الحربية كأنت تقصف كل جسم تراه".
ومن المواقف الإنسانية الصعبة التي تأثر بها صالح في رأس العين/سري كانيه، أنه قبل القصف التركي بساعتين أخبر مصوره هيثم، أن يقوم بإخراج عائلته قائلاً "لا أستطيع نسيان تلك اللحظات كيف هربت العائلة من الطائرات التركية وبقيت كل الذكريات ورائهم حتى بعض مقتنياتي بقيت هناك".
أما نوبار إسماعيل، المصور، وهو صحفي يعمل لدى وكالة "عرب /24/" يتحدث لـ"نورث برس" عما عاشه طول فترة عمله قائلاً "كنا نوثق مأساة وظلم (الدولة الإسلامية) على الناس في الكثير من المدن السورية، كما وثقنا زوال هذا التنظيم وسواده على يد قوات سوريا الديمقراطية".
وقال إسماعيل أنه من المؤسف أن نجد من قاموا بتخليص الناس من الظلم أن يتعرضوا للظلم على يد دولة أخرى، وبنفس طرق وأساليب العنف الذي قام به "داعش".
ويرى اسماعيل أن أصعب ما يمكن أن يقوم به المرء هو التصوير الحربي، "فحينها يكون الشخص مخيراً بين الضربات قذائف وصواريخ الطائرات، ولا شيء غير الرعب يحيط بهم"، وهذا نفسه ما أخبرنا به المصور الفوتوغرافي رشو كاسان.
ورشو كاسان الذي لا يستطيع نسيان الطفلة العفرينية التي لم تكن تتجاوز الـ /9/ سنوات حين قابلها وهي تلعب في الحديقة القريبة من منزلها، حدثته قائلة "عمو، أردوغان ماذا يريد منا لماذا يريد قتلنا أنا اريد أن ألعب".
وأكمل رشو حديثه، "تابعت تصويرها وهي تلعب، لفت نظري سوار معصمها الملون ابتسمت معها وغادرت المكان، لتفاجئ بقصف عنيف من قبل القوات التركية على مدينة عفرين، في تلك الليلة خرجنا أنا وزملائي على عجلة إلى المشافي كي نوثق أعداد الضحايا".
أكمل كاسان، "سمعت صوتاً من غرفة في المشفى كنت قد دخلت كي أصور الجرحى، وإذ أنه الصوت الذي سمعته صباحا في الحديقة لأتفاجأ بأنها الفتاة نفسها تنادي من جديد، عمو أنا لم أعد أستطيع اللعب".
ويضيف كاسان أنه أطفئ الكاميرا وتوجه إليها ليشاهد يدها المبتورة ومازالت قطعة من السوار ملتزقة بجلد يدها التي بترت بسبب القصف.
يتابع كاسان: "المصور إنسان بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى عمله الشاق والمحبب له، فلديه أيضا أصدقاء محببين لا يمكن نسيانهم".
كاسان انتهى من قصته الأولى ليبدأ برواية قصة ألم أخرى ربما لا تقل عن سابقتها، فيقول: "كان لدي صديق اسمه أحمد وأناديه جاف شين لشدة زراق عينه وفي /10/ من شهر تشرين الأول بدأت الهجمة التركية على مدينة سري كانية، وافترقنا كل إلى طرف عمله".
يتابع: "بعد يومين من الحرب اللعينة كنت جالسا أتصفح غرف التوثيقات الصحفية هناك من وضع مقطع فيديو يظهر فيه عناصر من مسلحي المعارضة السورية المدعومة من أنقرة يقومون باسر /7/ أشخاص وقتل /4/ منهم ميدانيا كان المشهد قاسياً جداً".
لم يمضي على الفيديو الذي شاهده كاسان دقائق، حتى علم بأن صديقه أحمد أعدم ميدانياً.
فما كان من كاسان إلا أن أعاد مشاهدة الفيديو، ليصرخ بأعلى صوته "نعم إنه جاف شين إنه أحمد".
ويقول كاسان: "أحمد صديقي وعشنا سوياً عملنا سوياً لكنه رحل وقتل بدم بارد ولم يبق لي سوى الذكريات والألم".
سعتُ تخزين ذاكرة المصور خلف الكاميرا التي نطلب منها توثيق كل شيء وفضح كل الانتهاكات، تكون مليئة بأوجاع لا يشعر بها إلا من يعايشها، وما هذا إلا غيض من فيض.