مؤشرات جديدة في مفارقات الفقر السوري.. وجبة إفطار و”إطعام مسكين” براتب كامل

دمشق ـ نورث برس

مع كل مؤشر جديد للأسعار يكتشف السوريون حجم المفارقات التي يعيشونها يومياً، إذ لم يعد الحديث عن الأسعار يتضمن من السلع سوى الأغذية، ومن الأخيرة خرجت أصناف كثيرة من مؤشر التداول والمقارنة، كاللحوم، وصار المؤشر يعتمد “سندويشة” الفلافل، ثم قرص الفلافل الواحد.

في بلد صار فيه بائع “ربطة البقدونس” يحسب حساب سعر “كيس النايلون” الذي سيضع فيه تلك الربطة للزبون، تجد مؤشرات يومية تكاد لا تصدق في أي بلد.

وجبة.. براتب

المؤشر الراهن الذي بدأ الإعلام المحلي يلقي الأضواء عليه، هو كلفة وجبة الإفطار، أو السحور.

وإن كان لا يوجد معيار واحد لحساب تلك التكلفة، إلا أنها وسطياً تقدر بعشرات الآلاف، وقد قدرتها صحف ومواقع إلكترونية محلية مؤخراً بأنها تتراوح بين 70 ألف ليرة إلى 150 ألف ليرة، علما أن وسطي الأجور والرواتب، يقدر بنحو 100 ألف ليرة.

أي أن واقع الموظف السوري تجاوز في بؤسه حتى ذلك العامل الذي كان يعمل “بأكل يومه” أو كما كان يقال في العامية السورية “بأكله وشربه”.

وذلك يعني أن وضع ذلك العامل المسكين الذي كان يرضى بتلك المعادلة “الطعام مقابل العمل”، (معظمهم كانوا من عديمي الخبرة أو الكفاءة)، صار أفضل من واقع الموظف السوري، بل إن بعض أولئك قد يتفوق عليه بظروف العمل، فقد كان بعض أصحاب العمل يقدمون للعامل طعام يومه، وشرابه، إضافة إلى “علبة تبغ” يومياً للمدخنين منهم.

أما اليوم، فإن وجبة واحدة في المطاعم، تكلف راتب شهر كامل، وطبعاً دون حساب التبغ، أو “الأركيلة” حسبما أشارت الصحف السورية. أي أنه راتب “مشفّى” ومسحوب الدسم بالكامل.

وإن كانت تقديرات الصحف تبقى غير رسمية، فهناك مؤشر آخر في رمضان هو ما تطرحه الحكومة ذاتها من تقديرات لقيمة ما يجب أن يكون عليه الحد الأدنى المخصص للطعام فقط.

إطعام مسكين

دورياً، وفي كل عام، تجد وزارة الأوقاف ذاتها مضطرة لأن تقول للناس ما قيمة “فدية الصوم” أو “كفارة اليمين”.

وفي النشرة التي صدرت قبل رمضان هذا العام، أصدر مفتي دمشق عبد الفتاح البزم، جدولاً يحدد المقادير الشرعية وما يساويها من الوزن والنقد السوريين.

فدية الصوم (المفروضة على من تشملهم الآية: “.. وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين..”) قدرتها الوزارة، حسب تلك النشرة، بـ 10 آلاف ليرة سورية عن كل يوم، وأشارت إلى أن ذلك الرقم “هو الحد الأدنى”.

ذلك يعني أن إطعام مسكين يومياً وعلى مدى شهر كامل يعادل 300 ألف ليرة، أي ما يزيد عن وسطي الأجور في البلاد بضعفين.

أمام في بند “كفارة اليمين” فتقول الوزارة (عبر إفتاء دمشق) إن كلفة “الأكلة المشبعة” الواحدة تعادل 7500 ليرة، وهو ما يعني أن قيمة “أكلتين مشبعتين” (الفطور والسحور) يومياً تعادل 450 ألف ليرة، وهو ما يزيد عن وسطي الأجور بثلاثة أضعاف ونصف الضعف.

تصفية

وطبعاً، أمام مفارقات كتلك، سيكون السؤال: كيف يعيش الموظف السوري إذاً؟

والجواب: “إنه كما شطب من حياته جميع السلع التي لا تقع ضمن “الضرورات” كأدوات المنزل، والحواسب، والهواتف المحمولة.. ولاحقاً اللحوم والأسماك، ثم البيض، والحليب.. كذلك هو شطب من حياته شيئاً اسمه المطعم أو السيران، وربما حتى الزيت والزعتر”.

أما أولئك الذي تكتظ بهم المطاعم “المتوسطة”، فهم من تلك الشريحة التي اعتادت أن ترتاد المطاعم “الفخمة” سابقاً.

وطبعاً تبقى المطاعم الفخمة والفنادق ذات النجوم الكثيرة، مكتظة بالرواد، فهناك دوماً شريحة لا تتأثر بشيء يحدث في البلاد، وربما لا تعرف أصلا ما الذي يجري فيها، أو هي تزيد ثروتها كلما ازدادت الأوضاع في البلاد بؤساً.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: تيسير محمد