ماذا بعد الاجتماع الرباعي وما تأثيره على مختلف الملفات السورية؟

دمشق- نورث برس

تتقاطع أراء الباحثين الأتراك في الشأن السوري، في نقطة بيانية مشتركة، تفيد بأن اللقاء الرباعي في إطار التطبيع بين أنقرة ودمشق المقرر عقده غداً، لن يكون له زخم وتأثير عملي على القضايا الكبرى في سوريا، رغم أنه يوضح طبيعة المتغيرات السياسية والضغوطات التي تواجهها الدول المشاركة.

ومن المقرر أن ينعقد في موسكو غداً، لقاء رباعي “سوريا روسيا إيران وتركيا” على مستوى نواب وزراء الخارجية، في إطار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

وتترقب الوسائل الإعلامية ما سيتمخض عن الاجتماع المزمع الذي تم إرجاؤه مرتين على الأقل، بينما جاء الإعلان الأخير بعد أن قال الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته إلى موسكو منتصف شهر آذار/ مارس الفائت، إنه لا معنى لأي اجتماع مع تركيا مالم تنسحب القوات التركية من كافة الأراضي السورية.

وأمس الأحد، قال نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان ورئيس وفد دمشق المتوجه إلى موسكو، إنه سيتم التركيز على إنهاء التواجد العسكري التركي في الأراضي السورية.

في خضم هذه المستجدات، استطلعت نورث برس، أراء عدد من الباحثين والصحفيين الأتراك، حول تأثير الاجتماع وتبعياته سواء على مواقف الأطراف المشاركة  وعلى مصير المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بدعمٍ تركي، أو على اللاجئين السوريين في تركيا، وكذلك تأثيره على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

طرق مسدودة

ما يضع الأطراف الأربعة على طاولة واحدة اليوم هو محاولة إيجاد نقاط مشتركة وتلافي الخلافات، لأن لكل طرفٍ مرامٌ يحاول إقناع  الآخر به.

ولكن المعطيات التي سردها الكاتب الصحفي التركي المختص بالشأن السوري، فهيم تاشتكين، تشير إلى طرق مسدودة في ما يخص معظم القضايا المشتركة بين الدول الأربع.

وقال تاشتكين لنورث برس، إن بوتين ليس لديه فرصة لسد الهوة بين تركيا وسوريا في وقت قصير. ومع ذلك، يمكنه أن يقترح استراتيجية خروج خطوة بخطوة لإبقاء الأطراف على طاولة المفاوضات في الوقت الحالي.

ويعتقد تاشتكين أن أسباب الوجود التركي في سوريا والصورة الحالية على الأرض لها أبعاد “صعبة للغاية”، ما يعني أنه “من المستحيل إيجاد أرضية مشتركة في اجتماع أو حتى في اجتماعين مقبلين”.

أما بالنسبة لقضية انسحاب القوات التركية وهي الأبرز وقد كانت بماثبة شرط مبدئي للأسد للجلوس مع نظيره، فإن روسيا تقترح تطوير مذكرة أضنة وإنشاء آلية مشتركة، لكن أردوغان يؤيد كل حل مشترك من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الحكم الذاتي الذي يقوده الكرد، “هذا هو بالضبط ما يمثل طريقاً مسدوداً بعيد المنال في الوقت الحالي”، على حد تعبير “تاشتكين”.

ويعزو الصحفي التركي اعتقاده، إلى أن أردوغان لا يريد قطع وعدٍ محدد بشأن الانسحاب حتى يصمم سوريا بالطريقة التي يريدها.

كما أنه لا يريد وقف دعمه للجماعات المسلحة حتى يتم إيجاد حل سياسي يجعلها شريكاً في العملية السياسية السورية، وهذا بالنسبة لدمشق لا يعد مساراً مقبولاً.

أما الناشط الحقوقي طه الغازي المقيم في تركيا، يرى أنه بالنظر إلى الأعباء الثقيلة على كاهل روسيا، فهي تحاول من خلال الدفع نحو التقارب بين دمشق وأنقرة عبر الضغط على الأخير، تخفيف أعبائها وتحميل تركيا جزءاً من المسؤولية.

لكن “الغازي” يستبعد في الوقت نفسه نجاح  موسكو في ردم الفجوة بين أنقرة ودمشق، وأضاف: “قد يكون نجاحاً مؤقتاً، إذ أن بعض العلاقات الإقليمية سواء بين أنقرة ودمشق أو أنقرة والقاهرة وكذلك بين تركيا وباقي الدول العربية الخليجية هي أشبه بأن تكون مرحلة هدنة مؤقتة لتجميد الحل السياسي تماشياً مع المتغيرات السياسية داخلياً وخارجياً.”

ومع ذلك، يرى “تاشتكين” أنه من المهم تمهيد الطريق لعقد اجتماع تقني حتى لا تفقد الأطراف أرضية الحوار.

وحجّم “تاشتكين” من أهمية الاجتماع الحالي، لأنه إذا كان اجتماع نواب وزراء الخارجية يمهد الطريق لاجتماع وزراء الخارجية ، فهذا يعني أن هناك إجماعا سياسيا هنا، عندها سيكون من الضروري انتظار قمة القادة. لكن لم تحدث تغيرات جذرية في مواقف الأطراف منذ اجتماع وزيري الدفاع، ما يعني أنه لا ينتظر استنتاجات مهمة للغاية باجتماع نواب وزراء الخارجية اليوم.

هدف تركي

ما تريده تركيا من التطبيع مع الحكومة السورية، هو إنهاء القلق الذي يراودها دائماً والمتمثل بالقضية الكردية، فهي تريد ضمانات لعدم تكوين أي كيان يقوده الكرد في المنطقة، حتى لو كان ضمن وحدة جغرافية سوريا.

ويعتقد الكاتب الصحفي معاذ إبراهيم أوغلو، أن معاداة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا هو الهدف التركي الأول، وباقي الأمور بالنسبة لها هي فروع لا قيمة لها نسبياً أمام الملف الكردي “الأهم”.

وأضاف إبراهيم أوغلو في حديث لنورث برس: “كل ما يهم أنقرة الآن ليس قوى المعارضة ولا النظام السوري، بل تحاول إدخال دمشق في تفاهمات أن لا يكون على حدودها الجنوبية مع سوريا أي كيان ذو صبغة كردية، وهذا هو عماد السياسة التركية منذ قرابة 100 عام.”

ويسعى الرئيس التركي وهو يواجه ضغوطاً داخلية كبيرة مع اقتراب موعد الانتخابات، إلى تمهيد الطريق لعودة اللاجئين وله مصلحة في إعادة الإعمار، وفقاً لتاشتكين.

وقال الباحث التركي إن أردوغان يريد مكافآت بدون تنازلات، بينما يحتاج بوتين إلى إيجاد موقف يمكنه من خلاله الضغط على كلا الجانبين (سوريا وتركيا)، وروسيا بأمس الحاجة حالياً لتمرير سياساتها في كل ما يخص حربها ضد أوكرانيا.

ضغوط وشروط

رغم أن الاجتماع الآتي جاء بعد رفض سوري مرفق بشرط انسحاب القوات التركية، يُعتقد أن ذلك إشارة إلى نوع من الامتثال التركي للضغوط، وهذا ما أوضحه طه الغازي بالقول: “الموقف التركي من إعادة العلاقات مع النظام، إن لم يكن مثولأُ بمعنى الكلمة فهو امتثال لضغوط روسية.”

وبالمقابل تواجه موسكو مأزقاً وتحديداً مع دخول حربها ضد أوكرانيا في عامها الثاني، الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن المنافذ السياسية، وأحدها في سوريا، بحسب الغازي.

وموسكو من خلال الضغط على أنقرة لإعادة العلاقات مع دمشق ، تخفف أعبائها، فهي باتت لاعبة أساسية في أكثر من ورقة سياسية إقليمية، في سوريا وأذربيجان أو في أوكرانية مؤخراً.

أما تاشتكين، يستبعد أن يتخلى الأسد عن شرطين رئيسيين، ويستبعد أيضاً أن توفي تركيا بهما، إذ لا يمكن تجاهل العوامل البيئية التي سهلت مقاومة الأسد لضغط بوتين.

وذكر الكاتب الصحفي التركي العوامل التي تعزز موقف الأسد على طاولة التفاهمات، وهي “الحرب الأوكرانية التي ابتليت بها روسيا، والتداعيات الإيجابية لمصالحة إيران مع السعودية على المعادلة السورية، والمحاولات العربية لإعادة بناء الجسور مع دمشق في هذا الإطار، والمناخ النفسي الذي أحدثه الزلزال لصالح دمشق.”

إضافة إلى ذلك لا يمكن إنكار تأثير دخول إيران (داعم رئيسي للأسد) كلاعب رابع في الاجتماع، فضلاً عن حاجة أردوغان لإحداث تغيير في الملف السوري وهو على درب الانتخابات.

وقال تاشتكين: “في ضوء هذه العوامل، يمكن للأسد الإصرار على شروطه الخاصة.”

مصير اللاجئين السوريين

بينما يواجه أردوغان وبلاده مقبلة على انتخابات مصيرية، ضغوطاً داخلية في ما يتعلق بوضع اللاجئين السوريين، يعتقد أنه بإمكانه التأثير على هذا الملف من خلال الوصول إلى تفاهمات مع دمشق.

 لكن في ظل المواقف الدولية والأممية التي لا ترى أي ظروف مهيئة لعودة اللاجئين، وسط الرفض الأميركي للتطبيع مع دمشق إلى حين إيجاد حل سياسي لأزمة البلد، لن يكون هذا الملف قريباً من الحل في اجتماعات رباعية، ولن يكون أيضاً محوراً رئيسياً فيها.

وقال الحقوقي المختص بشؤن اللاجئين، طه الغازي، إن هذا الملف مقترن بالقرار الأممي 2254 والذي يؤكد في أحد بنودها الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة.

وقال تاشتكين: “ما من حل سحري لعودة اللاجئين” حتى لو فتح البلدان صفحة جديدة، إلا مع إحراز تقدم في العديد من القضايا، وهذا شأن لن يسلط الضوء عليه كثيراً في اجتماع أنقرة ودمشق.

ورجح الصحفي التركي، أن يستمر معظم اللاجئين في العيش في تركيا، ما لم تنته النزاعات والبدء بعملية إعادة البناء، وخلق فرص العمل وضمان الأمن.

وملف اللاجئين لا ينفصل عن قضية المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمالي سوريا، إذ يقول الكاتب الصحفي معاذ إبراهيم أوغلو،   إن تركيا ومنذ 12 عاماً، قامت بزرع كيان لها في شمالي سوريا، وهو أمر خطير بالنسبة للوضع السوري مستقبلاً، ما يعني أنه ستكون لأنقرة أذرع سياسية واقتصادية وأصعدة أخرى حتى بعد انسحاب قواتها من مناطق شمالي سوريا.

وهذه المناطق هي نفسها التي يحاول أردوغان جعلها أرضية خصبة للاجئين بغية تمرير سياسة التغيير الديموغرافي أيضاً. بحسب الصحفي.

وقال إنه سيبقى لتركيا تأثير على الواقع السياسي السوري في المستقبل، بعد أن عززت نفوذها السوري الموالي لها في مناطق الشمال، ونفذت مشاريع كثيرة تدر لها بالخدمات السياسية والاقتصادية.

التأثير على شمال شرقي سوريا

لن تؤثر التقاربات السورية التركية حالياً على الوضع القائم في شمال شرقي سوريا، هذا ما يتوقعه الغازي، لأن ذلك مرتبط  بالقوات الأميركية المنتشرة في المنطقة.

وقال الغازي، إن الامتداد الأميركي في تلك المنطقة هو امتداد تواجدها في العراق.

ولن يؤثر ما سيترشح عن الاجتماع على اننتشار القوات الأميركية، لأن التفاهمات الروسية والأميركية فيما يتعلق بتوزع النفوذ الجغرافي في سوريا أمر متفق عليه بين واشنطن وموسكو، بحسب الغازي.

وشدد على أن مسألة الوجود الأميركي  في سوريا سوف تكون خارج أي تفاههمات بما في ذلك الاجتماعات الرباعية المزمعة.

إلى ذلك، قال تاشتكين إن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على “النظام السوري” في جعل إعادة البناء مستحيلة فإذا توصلت تركيا وسوريا إلى اتفاق حقيقي، سيزداد الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب، لكن لا يمكننا القول إن أنقرة ستتمكن من تجاهل حساسيات الإدارة الأميركية.

و”بعبارة أخرى”، يقول الباحث التركي: “لا يمكن لتركيا الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب. لكن يمكن القول كسيناريو إنه إذا كان تطبيع العرب والأتراك مع دمشق سيتسبب في تراجع إيران، فقد تغير الولايات المتحدة موقفها أيضًا.”

وأضاف: “في الوقت الحالي، لا أعتقد أن لدى روسيا وتركيا خطط لعب كافية لطرد الولايات المتحدة من المنطقة. علاوة على ذلك، الولايات المتحدة تستخدم أوراقها للضغط على روسيا في كل مكان”.

إعداد وتحرير: هوزان زبير