“مهنة الموت” في ريف حلب.. ضحاياها قتلى ومصابون فما هي؟

ريف حلب – نورث برس

بعد أشهر من ترحيله إلى الأراضي السورية من قبل السلطات التركية، وعجزه عن العودة إلى الأراضي التركية للعمل هناك في مهنته، اضطر يونس الحاج، إلى العمل في “مهنة الموت” التي فقد فيها لـ”حسن حظه” كما يقول يده فقط.

و”مهنة الموت” اسم لمهنة جمع الألغام وغيرها من مخلفات الحرب وتفكيكها من أجل بيعها، ويعتمد الكثير من سكان مناطق ريف حلب الغربي وجبل الزاوية جنوبي إدلب شمال غربي سوريا، عليها ويعتبرونها مصدر رزقهم الوحيد في ظل سوء الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية وقلة فرص العمل.

يقول يونس الحاج (31 عاماً) وهو من منطقة الأتارب غربي محافظة حلب، إنه وبتاريخ آب/أغسطس من العام الفائت وأثناء تواجده في المعمل الذي يعمل به في مدينة إسطنبول داهم البوليس التركي المعمل واعتقل كافة الشبان السوريين المتواجدين بداخله وكان هو من بينهم.

ومن ثم قاموا بترحيلهم إلى الأراضي السورية من خلال معبر باب الهوى شمال إدلب بعد احتجازهم لأكثر من أسبوع في إحدى مراكز الترحيل في إسطنبول.

حاول الرجل الدخول إلى تركيا، لوجود زوجته وأطفاله الثلاثة هناك، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، كما تعرض في كل مرة للضرب المبرح من قبل الجندرمة التركية.

وبعد تيقنه أن العودة صعبة، بدأ “الحاج”، البحث عن عمل مناسب يعتاش منه هو وعائلته التي عادت إلى سوريا طوعاً، بعد عجزه عن الوصول إليهم في تركيا.

يقول الرجل الثلاثيني: “لكنني لم أجد أي عمل، وقررت حينها العمل مع رفاقي في جمع مخلفات الحرب وبيعها على الرغم من إدراكي مخاطرها”.

يشير “الحاج” إلى أنه بدأ العمل في منطقته الأتارب التي تكثر في محيطها إضافة للقرى المحيطة بها، بحكم قربها من خطوط التماس مع قوات الحكومة السورية، مخلفات الحرب.

وكان العمل في بدايته “ممتازاً”، حسبما وصفه الرجل، لا سيما وأنه تعلم سريعاً أنواع الألغام بأشكالها وأنواع الأجسام الأخرى التي بإمكانه تفكيكها والتي لا يجب أن يقترب منها.

يقول: “صراحة هكذا عمل بسيط يدر دخلاً عالياً يجعل الإنسان أكثر طمعاً وهذا الخطأ الذي يقع به الكثير من العاملين بهذه المهنة، وكنت أنا أحد الضحايا للأسف”.

وأثناء تفكيك “الحاج” لغماً فردياً لا يجب الاقتراب منه انفجر، “لم أرى حينها سوى السواد والدماء الساخنة تسيل على جسدي، لم أدري ماذا حصل إلا بعد أيام، حيث بترت يدي والشظايا ملئت جسدي، وها أنا عدت للجلوس في المنزل مجدداً أبحث عن عملاً يناسب وضعي”.

وسجل قسم الرصد والتوثيق في نورس برس, مقتل وإصابة  13شخصاً في إدلب جراء انفجار مخلفات الحرب.

في صباح كل يوم، يخرج الطفل كريم الصغير، (17 عاماً)، من منزله في بلدة كفرنوران غربي حلب، إلى المنازل المدمرة بفعل قصف سابق تعرضت له، للبحث عن القذائف غير المنفجرة وشظايا الحديد والألمنيوم من أجل بيعها بأسعار جيدة يتمكن من خلالها تأمين قوت إخوته الصغار وأدوية والدته التي أرهقها المرض.

وعلى الرغم من أن مهنة الصغير خطرة للغاية، إلا أنه يرى نفسه مجبراً على هذا العمل كي يتمكن من تأمين مصاريف عائلته التي بات مسؤولاً عنها مبكراً بعد وفاة والده قبل نحو عامين نتيجة غارة جوية روسية استهدفته أثناء تواجده بمكان عمله في مدينة الأتارب المجاورة.

يقول الطفل في حديث لنورث برس، إنه ومنذ عودته إلى منزله في بلدة كفرنوران قبل نحو عامين، بعد رحلة نزوح طويلة، شاهد الكثير من الأشخاص يعملون في البحث عن القذائف والقنابل العنقودية غير المنفجرة في البلدة والأراضي الزراعية القريبة منها، إذ أن المنطقة مليئة بمثل هذه المتفجرات بسبب اندلاع معارك عنيفة بها قبل نحو أربع سنوات.

ويضيف “الصغير” أن رؤيته لبعض الأشخاص يعملون بهذه المهنة ويحصلون أرباحاً جيدة أكثر بكثير من اليومية التي كان يحصل عليها لقاء عمله في الأراضي الزراعية والتي لم تكن تتجاوز حينها الـ15 ليرة تركية، جعله يفكر بالخروج والعمل بها على الرغم من معارضة والدته.

يقول: “بدأت العمل مع أحد أصدقائي، تعلمت منه كيف يقوم بإزالة القذيفة أو القنبلة العنقودية وحملها بطريقة مناسبة، لأن أي حركة خاطئة ممكن أن تؤدي لانفجارها، وبعدها بدأت أعمل بنفسي وباتت أرباحي اليومية تتجاوز المئة ليرة تركية، حيث أقوم ببيع ما أجمعه لأحد أصحاب محال الأسلحة في البلدة”.

جهاد ترمانيني (45 عاماً) وهو صاحب مستودع في مناطق غرب حلب، لشراء مخلفات الحرب بكافة أشكالها من ألغام وقذائف وصواريخ وفوارغ وغيرها من المخلفات، يقول لنورث برس، إنه يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من سبع سنوات.

وكان في بدايته يجمع المخلفات ويبيعها، وقبل نحو أربع سنوات قام بافتتاح محل ومستودع لشراء مخلفات الحرب بدلاً من جمعها، “أشتري يومياً الكثير من مخلفات الحرب لا سيما القذائف غير المنفجرة وفوارغ طلقات المدافع وحطام الدبابات والآليات العسكرية المدمرة”.

وأنشأ “ترمانيني”، ورشة كاملة مؤلفة من أربعة شبان يعملون لديه يقومون بتفكيك ما تم شراءه من مخلفات الحرب.

وأشار ترمانيني إلى أن كيلو الفوارغ المصنعة من النحاس الخالص، يباع بنحو 30 دولاراً، حيث تذهب إلى المصانع التابعة للفصائل وهيئة تحرير الشام لإعادة تصنيعها محلياً.

كما يتراوح سعر الألغام الأرضية التي لها أنواع وأشكال مختلفة ما بين 25 و150 دولاراً، في حين يتم تفريغ القذائف والصواريخ من المواد المتفجرة التي بداخلها والتي غالباً ما تكون من الـ TNT ويتم بيعهاً بأسعار مختلفة وذلك أيضاً يعود لجودتها، بحسب “ترمانيني”.

ويشير إلى أن “هذه المهنة جعلتنا نبحث عن مناطق النزاع بغرض التوجه إليها وجمع المخلفات الحربية منها”.

إعداد: مؤيد الشيخ ـ تحرير: تيسير محمد