المقدمة
تصاعدت أعمال العنف ضد المدنيين وزادت وتيرة القصف بين أطراف النزاع في سوريا خلال شهر آذار/مارس, كما شهدت تصاعداً في الاشتباكات بين القوى الأجنبية في سوريا, وكانت الحصيلة الأعلى لهذا الشهر منذ بداية عام 2023، لضحايا مخلفات الحرب.
وبمرور أكثر من شهر على الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 شباط/فبراير الماضي، لا يزال آلاف المتضررين مشردين ولم يحصلوا على الخيم والمساعدات الإغاثية, بالإضافة إلى كارثة الزلزال إذ تضررت مئات الخيم والمنازل إثر العواصف والفياضات التي ضربت البلاد لتفاقم من أزمات النازحين.
أما على الصعيد الإنساني والمعيشي تحول الوضع من سيء إلى أسوء فبمرور كل شهر تزداد الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين السوريين وتزداد أعبائهم الاقتصادية التي بدورها تؤثر على كافة حقوقهم.
يتطرق التقرير الشهري لقسم الرصد و التوثيق في وكالة نورث برس، لأبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي تم توثيقها وتسجيلها خلال شهر آذار/مارس, بالاعتماد على معلومات حصل عليها القسم من شبكة مصادر ميدانية في مختلف المناطق السورية.
ويتضمن التقرير حصيلة انتهاكات حقوق الإنسان من قتل وخطف واعتقالات تعسفية على يد أطراف النزاع, وإحصائية بأعداد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب مخلفات الحرب، التي تتقصد بعض الجهات زرعها في أطراف مناطق سيطرتها بغرض حماية نفسها، ولكنها تتسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين شهرياً.
بالإضافة إلى القصف العشوائي من قبل القوات المسيطرة بحسب مناطق توزعها، وتداعياته وأضراره على المدنيين والممتلكات العامة, وكذلك نشاط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إضافة إلى سلسلة الأزمات المستمرة بالتدهور وتأثيرها على الوضع الإنساني, وغيرها من القضايا التي تمسُّ حقوق السوريين وتتسبب بزعزعة أمنهم واستقرارهم خلال الشهر.
الضحايا
ارتفع عدد ضحايا الانتهاكات في سوريا بنسبة 52% خلال شهر آذار/ مارس مقارنة مع شهر شباط/ فبراير الماضي, وذلك بسبب التصعيد الأخير بين أطراف النزاع.
سجل قسم الرصد والتوثيق حتى 30 آذار/مارس, 766 ضحية منهم 472 فقدوا حياتهم و294 أصيبوا, خلال الاستهداف المباشر أو بسبب القصف العشوائي غير المشروع أو بسبب حوادث التعذيب والتعنيف وغيرها من ضروب المعاملة غير الإنسانية, جميع المدنيين قتلوا بأساليب خارج نطاق القضاء على يد اطراف النزاع أو بسبب توسع ظاهرة تسلح المدنيين, كل الأرقام الواردة في التقرير هي جزء من الحصيلة العامة.
حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين 427 شخصاً قضى منهم 230 بينهم 17 طفل و24 سيدة وأصيب منهم 197 آخرون بينهم 31 طفلاً و7 سيدات, وأكبر عدد للضحايا المدنيين سجل في مدينة ديرالزور 162 شخصاً تليها حماة 59 شخصاً ثم درعا 46 شخصاً وحلب 45 شخصاً.
أما بالنسبة للضحايا العسكريين خلال آذار/مارس قتل 248 شخصاً وأصيب 97 آخرون, توزع العدد بين القوى المسيطرة الأربع في سوريا، منهم 187 قتيلاً و70 مصاباً في صفوف القوات الحكومية. ومن فصائل المعارضة الموالية لتركيا قتل 3 عناصر وأصيب 2 آخران, أما من عناصر هيئة تحرير الشام فقد سجل مقتل 14عنصر وإصابة 5, بالإضافة لمقتل نحو 36 وإصابة 11 من جنسيات غير سورية، وقضى 8 عناصر من قوات سوريا الديمقراطية وأصيب 9 آخرون.
بلغت نسبة ضحايا مخلفات الحرب من الحصيلة 20%, وهي أكبر نسبة منذ بداية العام حيث وصل العدد لـ155 شخصاً, منهم 10 أطفال فقدوا حياتهم وأصيب 14 آخرين, وفقدت 7 سيداتٍ حياتهن, وقضى بسببها 51 رجلاً، كما أصيب 47 آخرون, أما العسكريون فقد قضى 19 منهم وأصيب 7 آخرون.

أما على صعيد القصف العشوائي شهد شهر آذار/مارس، أكبر تصعيد بين أطراف النزاع منذ بداية العام, حيث تعرضت مناطق حكومة دمشق لـ 43 هجمة، 29 منها نفذتها هيئة تحرير الشام بـ 106 ضربات، و4هجمات نفذتها إسرائيل بـ 12 ضربة, و10 هجمات نفذتها فصائل المعارضة بـ15 ضربة, كما استهدفت حكومة دمشق مناطق الهيئة بـ61 هجمة بـ 79 ضربة, و15موقعاً للفصائل المعارضة شمالي حلب بـ 26 ضربة.
وتستمر تركيا بهجماتها غير المشروعة مستهدفة المناطق الحدودية بحجة مكافحة “الإرهاب”, وقصفت 29 موقعاً بـ 35 ضربة تسببت بمقتل عنصرين من قسد وإصابة مدني.

ولاتزال أطراف النزاع مستمرة باعتقالاتها التعسفية, حيث اعتقل خلال آذار/ مارس 120 شخصاً في مناطق متفرقة من سوريا, 23 منهم اعتقلتهم هيئة تحرير الشام معظمهم من المعارضين لها، أما فصائل المعارضة الموالية لتركيا اعتقلت 23 شخصاً، معظمهم بتهمة المشاركة في احتجاجات جنديرس أو بتهمة رفع علم إقليم كردستان والتعاون مع الإدارة الذاتية, كما اعتقل 12 شخصاً في مناطق الإدارة الذاتية أغلبهم بتهمة التهريب أو الاشتباه بانتمائهم لتنظيم داعش, كما اعتقلت حكومة دمشق 49 شخصاً بينهم 3 سيدات وطفلٌ واحد، بتهم مختلفة وبينهم من تم اعتقالهم دون توجيه تهم مباشرة إليهم, واعتقلت القوات الإيرانية 19 شخصاً بتهم التجسس والتخابر.
نشاط تنظيم داعش
تسبب التنظيم خلال شهر آذار/مارس، بمقتل 81 شخصاً وإصابة 25 آخرين من خلال استهدافهم بشكل مباشر أو عن طريق الألغام التي يزرعها ومعظم ضحاياه كانوا من المدنيين.
وارتفعت وتيرة هجمات التنظيم بنسبة 38% بالمقارنة مع شهر شباط الماضي, حيث بلغت الهجمات التي نفذها التنظيم خلال آذار/مارس الماضي, 25 هجمة، 15 منها استهدفت المدنيين و3 ضد قوات سوريا الديمقراطية و7 ضد حكومة دمشق, وتوزعت الهجمات على: (11 في دير الزور, 7 في حماه و4 في حمص وهجمة واحدة في كل من الحسكة والرقة وحلب).
وانخفضت حصيلة ضحايا الهجمات بنسبة 20% خلال آذار/مارس بالمقارنة مع شهر شباط, حيث راح ضحية الهجمات 63 شخصاً منهم 50 فقدوا حياتهم و13 آخرين أصيبوا, كما تسبب التنظيم بمقتل 31 شخصاً وإصابة 12 آخرين بسبب الألغام التي يزرعها على الطرقات وفي الأراضي بشكل عشوائي.
ونفذت قسد 3 حملات أمنية, اعتقلت فيها 6أشخاص متهمين بالانتماء للتنظيم, ونفذت حكومة دمشق حملتين أمنيتين قتل فيهما شخصان متهمان بالانتماء للتنظيم, وهو أقل عدد للحملات الأمنية منذ بداية العام.

انتهاكات فصائل المعارضة والجيش التركي ضد السوريين
لم تتوقف فصائل المعارضة الموالية لتركيا عن ارتكاب انتهاكاتها الممنهجة وجرائمها اللاإنسانية ضد السكان القاطنين في مناطق سيطرتها, وتسببت الفصائل خلال شهر آذار/ مارس بمقتل 5 أشخاص وإصابة 11 آخرين بينهم 3 أطفال, كما اعتقلت الفصائل 23 شخصاً في مدينة عفرين بتهمة المشاركة في الاحتجاجات ورفع علم إقليم كردستان العراق.
وتعد هذه الحصيلة الأقل خلال 2023, بسبب السخط الشعبي والاحتجاجات التي شهدتها مناطق سيطرة الفصائل, والتي طالب فيها السكان بخروج فصائل المعارضة من عفرين, وذلك عقب حادثة قتل فصيل جيش الشرقية 5 أشخاص وإصابة أخر ليلة عيد نوروز “رأس السنة الكردية”, وحدث ذلك بعد رفضهم الخضوع لعناصر الفصيل وإطفاء النار التي أشعلوها أمام منزلهم احتفالاً بقدوم العيد والذي يعتبر جزءاً من طقوسها الأساسية.
بالرغم من أن حصيلة الضحايا منخفضة مقارنةً بالشهرين الأوليين من العام, لتعرض الفصائل للضغط من قبل دول العالم التي أدانت الجريمة وطالبت بمعاقبة مرتكبيها, كفت الفصائل عن القتل إلا أنها بدأت بالاعتقالات التعسفية ضد المشاركين بالاحتجاجات واعتقلت 14 شخصاً منهم.
وادعت الفصائل أن مرتكبي الجريمة لا ينتمون لأي فصيل منهم, كما أعلنت اعتقال 4 منهم على أنهم نازحون، إلا أن سكاناً وشهود عيان، شددوا على أن مرتكبي الجريمة هم من “جيش الشرقية”، ومن المتهمين “حسن الضبع” والذي يطلق عليه اسم أبو حمزة الخشام وعلي خلف ويدعى أبو حبيب خشام ولم يتم اعتقالهم.
يستمر الجيش التركي بارتكاب الانتهاكات بحق السوريين من خلال قصفها العشوائي على مناطق شمال شرق سوريا واستهدافها المباشر لطالب اللجوء, وتسبب الجيش التركي بمقتل 9 اشخاص وإصابة 23 أخرين.
يستمر الجيش التركي بمقتل 9 اشخاص وإصابة 23 أخرين من خلال استهدافهم بشكل مباشر أو من خلال القصف, حيث استهدف الجيش التركي 29 موقعاً في شمال شرقي البلاد بـ 35 ضربة ومعظمها أعيان مدنية والتي تسبب بمقتل شخصين وإصابة شخصين آخرين. حرس الحدود التركي “الجندرما” يواصل انتهاكاته بحق طالبي اللجوء الذين يحاولون عبور الحدود السورية التركية وتسببت الاستهدافات بمقتل 7 أشخاص وإصابة 21 من خلال استهدافهم بشكل مباشر, كما اعتدت على 60 شخص واعتقلت 18.
وشهدت مناطق سيطرة فصائل المعارضة احتجاجات ضد انتهاكات الجندرما, عقب مقتل شاب وإصابة 7 آخرين كان قد تعرضوا للتعذيب والتعنيف.
أبرز التحركات والتقارير الدولية المتعلقة بالشأن السوري
صدر خلال شهر آذار/ مارس المنصرم، عدد من التقارير الحقوقية والسياسية, ومن البيانات بما يتعلق بالشأن السوري, والوضع الإنساني في البلاد.
في 28 مارس فرضت الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا عقوبات على أشخاص سوريين مرتبطين بتجارة الكبتاغون, وشملت العقوبات كيانين و6 أشخاص بينهم أفراد من عائلة الرئيس السوري بشار الأسد وقياديين في فصائل المعارضة, وبحسب الخزانة الأميركية فأن سورية أصبحت رائدة في تجارة الكبتاغون وتساهم هذه التجارة في تمويل الحكومة السورية وتمكين نظام الحكم من الاستمرار في قمع السوريين.
في 23 آذار أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً عقب حادثة جنديرس بعنوان “مقاتلون مدعومون من تركيا يقتلون 4 مدنيين كرد في سوريا”, وطالبت بإجراء تحقيق شفاف ومستقل لمعرفة مرتكبي الجريمة ومعاقبتهم, اتهمت تركيا بالتواطؤ في هذه الانتهاكات كونها سمحت لفصائل المعارضة بالاعتداء على السكان في مناطق سيطرتها دون عقاب, وقالت “بصفتها قوة محتلة وداعمة للفصائل المحلية العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال سوريا، تركيا ملزمة بالتحقيق في عمليات القتل هذه وضمان محاسبة المسؤولين عنها. ينبغي لـ تركيا أيضا قطع كل دعمها لفصائل الجيش الوطني المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة أو الممنهجة وانتهاكات القانون الإنساني الدولي”.
في 14 مارس أصدر برنامج الأغذية العالمي تقريراً حول سوريا, قال فيه إنه حول 12.1 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي, ويوجد 2.9 آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع, كما أشار في تقريره عن ارتفاع معدلات سوء التغذية 25% في شمال شرقي سوريا.
في 13 آذار أصدرت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا تقريراً تطرقت فيه لعدد من المواضيع, منها إخفاق الحكومة السورية وأطراف النزاع والمجتمع الدولي والأمم المتحدة بإيصال المساعدات لمتضرري الزلزال, وبحسب اللجنة فإن كل من درعا والسويداء وحماة يشهدون انعدام الأمن, بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري. وشملت انتهاكات حقوق الملكية المصادرة والمزادات وحظر الوصول إلى الممتلكات.
وذكرت اللجنة في تقريرها، أن “هيئة تحرير الشام في إدلب وفصائل الجيش الوطني في غرب حلب قاموا بتعذيب الأشخاص واحتجازهم بشكل تعسفي، بطريقة ترقى إلى الاختفاء القسري, ظلت الحريات الأساسية مقيدة وتم إسكات الأصوات الناقدة في هذه المناطق, تحقق اللجنة في تقارير موثوقة ومتعددة تفيد بأن هيئة تحرير الشام نفذت إعدامات رميا بالرصاص, وفي المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، وثقت اللجنة عمليات أخذ الرهائن والنهب ومصادرة الممتلكات”.