للمرة الأولى في الجنوب السوري.. عقوبات غربية تطال قادة تابعين أمنياً
درعا/ السويداء ـ نورث برس
تبرز العقوبات الدولية على أنها من أهم السياسات المتبعة من قبل المجتمع الدولي، في التعامل مع الحرب السورية. وبين تصدر شخصيات من رأس السلطة السورية لقوائم العقوبات الغربية، وصولاً لإدراج أشخاص تابعين أمنياً من الجنوب السوري، يرتسم بذلك كبر جحم الكارثة السورية التي ماتزال تُظهر كل يوم توثيقاً لتورط أشخاص في الدم السوري.
والثلاثاء الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع بريطانيا، فرض عقوبات جديدة على داعمين للحكومة السورية على خلفية علاقتهم بتجارة وتهريب المخدرات، من بينهم اثنين من عائلة الأسد.
وضمت قائمة العقوبات الأميركية والبريطانية التي نشرت منذ أيام، ثلاثة أشخاص من محافظتي درعا والسويداء، جميعهم قادة فصائل في القوات الحكومية، “ارتكبوا انتهاكات بحق السكان” ولا يزال بعضهم مستمراً في عمله لصالح الأفرع الأمنية التابعة للقوات الحكومية.
من هم المعاقبون؟
مصطفى قاسم المسالمة (37 عاماً) الملقب بـ”الكسم”، يعتبر “اليد الضاربة” لإسكات المعارضين في درعا، كان يعمل قيادياً في فصائل المعارضة السورية قبل أن ينضم لاتفاق التسوية ويعمل مع مجموعته لصالح فرع الأمن العسكري في القوات الحكومية.
ناشطون في درعا قالوا لنورث برس، إن “الكسم” مسؤول عن تسليم عدد من الناشطين والمعارضين وقيادات المعارضة السورية المسلحة، أبرزهم فارس البيدر، لفرع الأمن العسكري مطلع العام ٢٠١٩ ولا يزال مصيره مجهولاً باستثناء بعض المعلومات غير المؤكدة عن وجوه في سجن صيدنايا العسكري.
وأضاف الناشطون إن “الكسم” تعرض لثماني محاولات اغتيال كان آخرها مطلع شهر حزيران/ يونيو العام الماضي، بعد استهدافه من قبل مسلحين مجهولين بإطلاق نار في درعا المحطة.
وأشاروا أن وسام المسالمة الملقب “عجلوقة” شقيق الكسم قتل في إحدى محاولات اغتيالات الأخير بعبوة ناسفة بحي المنشية في كانون الأول/ ديسمبر عام 2019.
ورد حينها “الكسم” بقصف أحياء درعا البلد بالمضادات الأرضية والأسلحة المتوسطة وقام باعتقال عدد من المواطنين.
وأفاد الناشطون أن المسالمة يعتبر أبرز قادة الفصائل التابعة للحكومة السورية في درعا ويتلقى تعليماته بشكل مباشر من العميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري في درعا.
عماد أبو زريق “مدلل” غرفة الموك
شكلت عودة أبو زريق(44 عاماً) منتصف كانون الثاني/ يناير من العام 2019، من الأردن إلى مسقط رأسه في بلدة نصيب بريف درعا الشرقي حالة من التعجب لدى الشارع في درعا وخاصة أنه غادر المحافظة تحت ضربات القوات الحكومية مدعومة بروسيا وإيران.
“أبو زريق” لاعب نادي الشعلة سابقاً وقيادي في المعارضة السورية والذي فقد ذراعه في قتال القوات الحكومية، يلعب الآن دوراً بارزاً لصالح القوات الحكومية في درعا.
خالد الزعبي اسم مستعار لصحفي في درعا، قال لنورث برس، إن عودة “أبو زريق” من الأردن إلى درعا التي باتت تحت سيطرة الحكومة، “شكلت الصدمة الأولى لأهالي المحافظة”.
وأضاف أن “أبو زريق تابع طريق عودته باتجاه فرع الأمن العسكري التابع لفصائل الحكومة في درعا وشكل مجموعة تابعة له”.
وأفاد “الزعبي” أن ما آثار الصدمة لدى الشارع المعارض تحديداً “كيف انتقل أبو زريق من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؟”.
وأردف أن “أبو زريق” كان قائداً عسكرياً لأكبر فصائل المعارضة السورية في درعا، والرجل الأول في غرفة العمليات الدولية المعروفة باسم “الموك” والتي تتخذ من العاصمة الأردنية عمان مقراً لها.
كما شارك “أبو زريق”، في عمليات مداهمة واعتقال عدد من المدنيين وتسليمهم لفرع الأمن العسكري في درعا.
وأوضح أن الرجل استغل منصبه وقربه من العميد لؤي العلي، وقام بإنشاء استراحة خاصة بالقرب من باب معبر نصيب الحدودي يتواجد فيها معظم الوقت ويقوم من خلال بعمليات تهريب المخدرات باتجاه الأردن.
وبين أن انتهاكات “أبو زريق” ومجموعته كانت سبباً في تعرضه لأربع محاولات اغتيال نجى منها جميعها وكان آخرها في أيار/ مايو عام 2022.
أما عن الرجل الثالث المدرج على قائمة العقوبات “راجي فلحوط ” من السويداء؛ فهو قائد مجموعة قوات الفجر ذراع الأمن العسكري الأول في المحافظة.
أواخر تموز/ يوليو الفائت، اختفى عن الأنظار بعد انتفاضة شعبية ضد ممارساته وانتهاكاته بحق السكان، أسفرت عن اقتحام مقاره العسكرية في بلدتي عتيل وسليم شمالي مدينة السويداء والسيطرة عليها من قبل فصائل محلية، هرب أثناء المعارك، ولا يزل مصيره مجهولاً إلى الآن.
ويعد “فلحوط” من أبرز مهربي وتجار المخدرات في السويداء، حيث تم العثور على مصنع لتعليب وتخزين حبوب الكبتاغون في مقاره العسكرية.
وبحسب مصادر محلية، فإن فلحوط متهم بجرائم قتل وخطف بحق المدنيين ولعل أبرزها قتله تحت التعذيب للطالب للجامعي مجد سريوي أواخر عام 2020، وتهديه لذويه بقوة السلاح ليتم التنازل عن حقهم.
يرى الكاتب الصحفي حافظ قرقوط، أن دلالات إدراج أسماء محدد من الجنوب السوري، “يؤكد على أن هنالك توثيقاً دقيقاً لكل الجرائم على الساحة السورية”.
ومن جهة أخرى، يعتقد الكاتب أن هذا التفاعل على الأسماء المقدمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية “يشير إلى أن الملف السوري مازال مفتوحاً”.
ويقول “قرقوط” إن راجي فلحوط المدرج اليوم على قائمة العقوبات الدولية “هو مجرد رجل عصابة ليس أكثر، ويتبع عصابات أكبر تتبع للنظام السوري ولإيران غايتها التهريب، والقرار قانوني أكثر منه سياسي”.
رسائل العقوبات
يشير الكاتب السياسي، إلى أن لوائح العقوبات المستمرة “هي رسائل للنظام وإيران بأن حركاتهم مراقبة”.
ويرى “قرقوط” أن الرسالة الأهم من لائحة العقوبات الجديدة هي “لحركات التطبيع العربية مع النظام خصوصاً مع إضافة أسماء كبيرة من عائلة الأسد”.
والرسالة السياسية من هذه العقوبات، بحسب وجهة نظر الكاتب السياسي، هي “التأكيد على أن هذا النظام عبارة عن عصابات لتهريب المخدرات وليست قيادات سياسية يمكن التطبيع معها، فالتطبيع معهم يعطيهم شرعية وهذا مخالف للقوانين الدولية”.
وجاءت الرسالة اليوم عبر الجنوب، باعتباره بوابة تهريب المخدرات، فهو “ورقة ناجحة في يد النظام وإيران لتهديد العمق العربي وابتزازه”.
انعكاسات القرار
يرى السياسي والدكتور الأكاديمي، فايز القنطار، أن استهداف هذه الشخصيات المعروفة بارتباطها بالأمن العسكري كراجي فلحوط من خلال قانون العقوبات “ربما هي مقدمة لعمل أكثر خطورة، ويتبع ذلك تغيرات أخرى ميدانية وسياسية، فالمجتمع الدولي لن يقبل أن يبقى الجنوب السوري مصدراً لتصدير المخدرات للعالم”.
لكن أحد وجهاء محافظة درعا، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال لنورث برس، إن هذه العقوبات “لا تقدم ولا تؤخر شيئاً ولن تغير الوضع في سوريا”.
واستشهد على ذلك بالقول: “منذ العام 2011 فرضت عقوبات على كثير من ضباط النظام السوري ولم تؤثر عليهم شيء وما زالوا يمارسون أعمالهم الإجرامية دون رادع”.