التمدد الصيني والمصالحة السعودية الإيرانية تعزز شوكة الأخيرة في سوريا

دمشق – نورث برس

قال باحث إيراني إن الهدف البعيد للهجمات على القواعد الأميركية في سوريا هو إخراجها من المنطقة “في مرحلة ضعف واشنطن” وسط اتفاقيات ترعاها الصين، بينما يرى محلل سياسي في إقليم كردستان العراق أن ما جرى هو نتاج لسياسة أميركية كانت قد وقعت في استراتيجية خاطئة خلال السنوات الماضية.

وتترادف رؤية مراقبين سياسيين مع الانتقادات في الداخل الأميركي وخاصة من قبل المشرعين الجمهوريين، حيث يصف كلاهما الموقف الأميركي تجاه الضربات التي تعرضت لها في شمال شرقي سوريا بـ”الضعيف”.

وشهدت مناطق بسوريا الأسبوع الفائت، مواجهات نارية بين الولايات المتحدة وجماعات موالية لإيران راح فيها قتلى من الجانب الموالي لإيران انتقاماً  لمقتل مقاول أميركي الخميس الفائت، وانتهت على الصعيد السياسي بانتقادات موقف إدارة بايدن، وإشادة بالعملية من جانب وكلاء إيران.

وبعد وقوع الهجوم، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، جون كيربي، إن بلاده لا تعتزم تقليص وجودها العسكري في سوريا، مشدداً التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على وجودها العسكري مع التركيز في مهام القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

ويوجد حوالي 900  جندي أميركي ينتشرون في قواعد متفرقة بشمال شرقي البلاد في إطار الحرب ضد “داعش” بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية.

وبالفعل تمكنت “قسد” وبغطاء جوي من التحالف الدولي من إلحاق هزيمة على الصعيد الجغرافي بتنظيم “داعش”، فيما لايزال الأخير يشكل تهديداً في المنطقة و العراق، نظراً لنشاطه وعملياته المستمرة.

ويقول المحلل السياسي محمد ديرشوي لنورث برس، إن السياسة الأمريكية شهدت في الأعوام الاخيرة، وتحديداً في مرحلة رئاسة أوباما وترامب، تذبذباً ملحوظاً ناجماً من رغبتها في الانسحاب من المنطقة ولكن دون دراسة العواقب.

وفي حين كانت مناطق شمال شرقي سوريا مؤهلةً لاستقرار أمني وسياسي، كان للانسحاب الجزئي للقوات الأميركية في عهدة دونالد ترامب تأثير على المجتمعات بشمال شرقي سوريا، وقد أفضت بعملية عسكرية تركية سيطرت خلالها على رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض وأسفرت عن دمار ونزوح كبيرين.

وقال ديرشوي إن إيران وكلائها بالمنطقة هم أكثر المستفيدين من الانسحاب المفترض والذي يعتقد موالون لطهران إنه سيتحقق تحت ضرب القواعد.

ومع ذلك، وعلى الرغم من التحديات الصادرة من وكلاء إيران، لا يزال القتال ضد “داعش” يمثل الأولوية القصوى بالنسبة للولايات المتحدة، ولا ترجح سحب قواتها طالما التهديد موجود.

وأشار المحلل وهو يقيم في دهوك بإقليم كردستان إلى أن واشنطن خيبت إلى حد ما، ظن حلفائها المحليين في المنطقة بما في ذلك القاهرة، حين وقفت إلى جانب الأخوان المسلمين قبل نحو عقد مع بدء ما تسمى بـ “ثورات الربيع العربي”.

وقال ديرشوي إن زيارة بايدن إلى المنطقة الخريف الفائت، كانت محاولة لإعادة ثقة حلفاء الأمس ولكنه يعتبر ذلك مهمة صعبة، في الوقت الذي استغلت فيه الصين الفرصة وتمددت كفاعل جديد إلى قضايا الشرق الأوسط و ذلك عبر بوابة الاتفاقية الاستراتيجية الصينية الإيرانية.

ولم يستبعد المحلل السياسي علاقة التصعيد الأخير في شرقي سوريا بالتمدد الصيني في الشرق الأوسط.

ورغم أن مثل هذه العمليات المتبادلة مؤخراً لم تكن جديدة على الإطلاق إذ مثّلت الهجوم  التاسع والسبعون على القوات الأميركية في سوريا منذ كانون الثاني/ يناير 2021،  لكن الطبيعة المميتة للهجوم كانت نادرة للغاية، فلم تتعرض الولايات المتحدة قتلى في سوريا منذ سنوات.

وجاء التصعيد في مرحلة شهدت مصالحة سعودية إيرانية بواسطة صينية، بعد أن كانت الرياض معروفة عنها داعماً أساسياً لمجموعات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، بينما ظلت إيران الحليف القوي للأسد، إلى جانب روسيا.

وقال ديرشوي إن المناوشات الأخيرة بين قوات أميركية وأخرى موالية لطهران “تخدم مصالح إيران في سوريا ولها أبعاد لا تتعلق فقط بالمواجهة بين أميركا وإيران فحسب، بل تذهب للتعلق مع دور ومواجهة الصين و روسيا.”

وأضاف أن المواجهة هذه لا شك هي في ظل ازدياد حاجة العالم الصناعي إلى نفط و غاز الشرق الأوسط إثر الحرب الروسية الأوكرانية.

والاثنين الفائت، لفت كيربي إلى احتمالية شن هجوم على الفصائل الموالية لإيران في سوريا “في حال رأى الرئيس بايدن أن هناك ضرورة لحماية جيشنا وقواعدنا”.

ويقول الباحث الإيراني سعيد شاوردي إن  ما حصل يأتي في إطار إصرار المحور الإيراني على  الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية وهذا ما تدعو إليه الحكومة السورية بشكل متكرر.

وذكر في حديثه لنورث برس، أن ثمة تعاون وتنسيق مشترك بين طهران ودمشق وكذلك الجماعات المحسوبة على إيران،  من أجل دفع الولايات المتحدة الخروج من سوريا.

ويشدد شاوردي على أن كفة القوة تميل لصالح إيران خاصة بعهد المصالحة مع السعودية بوساطة صينية، مما سيمهد للمزيد من التوافقات تشمل دول خليجية أخرى تصب لصالح إيران وتعزز موقفها ضد الغرب.

كما تشهد الولايات المتحدة أزمة اقتصادية وانهيارات في بنوكها، ما اعتبره شاوردي بمثابة مؤشرات على “ضعف الموقف الأميركي في المنطقة.”

واستشهد في ذلك بما وصفه بـ “الفشل العسكري” للولايات المتحدة وما خلفه من تبعات كالذي جرى في أفغانستان والعراق.

ويعتقد الباحث الإيراني  أن القوات الأميركية في سوريا ستكون مصيرها كالذي حصل في العراق حين دعا البرلمان العراقي إلى سحب القوات الأميركية وبقي تواجده على نطاق محدود.

وأشار إلى أن الخيارات الأميركية تذهب إلى مرحلة ضعيفة مع تنامي قوة المحور الإيراني، معتبراً تصريح الرئيس بايدن حين قال قبل أيام، بأنه لايريد مواجهة مع إيران هو مؤشر على الضعف الأميركي.

وهذا ما انتقده بالفعل أعضاء جمهوريين  في الكونغرس الأميركي، رغم أن جو بايدن هدد  ليل الجمعة، بالرد ”بقوة” لحماية الجنود.

وقال المشرعون الجمهوريون في الكونغرس إن المعاملة المتبادلة الواضحة بين الولايات المتحدة وإيران تظهر ضعف إدارة بايدن، وكان لا بد أن تستحدم الرد الساحق ضد إيران وأفرعها في المنطقة.

كما زعموا أن الهجمات المدعومة من إيران زادت بعد تولي بايدن منصبه، مدعياً أن الرئيس ينتهج سياسة “الاسترضاء” بدلاً من الردع.

وقال الباحث الإيراني سعيد شاوردي إن مكانة الولايات المتحدة ضعفت في المنطقة والعالم ولم تعد تلك القوة المعروف عنها في ثمانيات القرن الماضي، وخاصة بعد التطورات التي تشهدها الساحة العالمية والتقارب الصيني الروسي.

إعداد وتحرير: هوزان زبير