عندما يأخذ التحالف الروسي-الصيني في الترسخ

عندما سئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيسان/أبريل 2015 عن الحلفاء الذين يمكنه الاعتماد عليهم بعد حرب القرم، رد بعبارة لألكسندر الثالث – قيصر روسيا – قائلاً: “روسيا ليس لديها سوى حليفين: جيشها وبحريتها”.

والآن، وبعد أن فشلت القوات العسكرية الروسية في تحقيق أهدافها الحربية في أوكرانيا وأبدت حالة ملفتة من التضامن والقدرة، ظهر حليف أكثر قوة خلال الأسبوع والذي يأمل بوتين أن يساعده على تغيير الوضع، ألا وهو الزعيم الصيني شي جين بينغ.

وفي المقابل، يستعد بوتين لتقديم تخفيضات للصين فيما يتعلق بتسليم الطاقة والوصول الفريد إلى الأسواق الروسية التي تخلت عنها الشركات الغربية، بالإضافة إلى تكنولوجيا عسكرية تشمل على الصواريخ البالستية والغواصات النووية، والخضوع لطموحات الصين الناشئة في القيادة العالمية.

وسيسجل التاريخ الاجتماعات التي دامت ثلاثة أيام بين جين بينغ وبوتين الأسبوع الماضي، في موسكو، كالتزام آخر بالحياد في حرب بوتين على أوكرانيا. وقد يبدو للبعض أن جي بينغ يتعمق في شراكة “لا حدود لها” مع بوتين التي حدثت العام الماضي، لكن مخاطر جين بينغ الجيلية تقوم على اعتقادين أساسيين، تطورا بمعزل عن العلاقات الصينية مع واشنطن وتدهورها.

أولهما، يتفق الرئيس الصيني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن المعركة من أجل مستقبل أوكرانيا أصبحت حرب وكالة حول مجموعة من القوى والمبادئ التي ستشكل المستقبل العالمي. فهل ستكون لصالح الولايات المتحدة وحلفائها، الذين شكلوا النظام العالمي للقواعد والمؤسسات منذ عام 1945، أم ستكون لصالح الصين وشركائها الاستبداديين: روسيا، إيران، كوريا الشمالية، فنزويلا، وإلى حد أقل، دول أخرى في الجنوب العالمي التي ابتعدت عن الحرب.

ثانيهما، بينما يتعرض اقتصاد روسيا لانهيار ويتعثر جيشها، يدرك شي جين بينغ أنه هو أمل روسيا الأخير لصياغة حرب أوكرانيا أو السلام لصالح بوتين. ويراهن جين بينغ – مثل بوتين – على أن قوة الغرب ستبدأ في التراجع مع تراكم التكاليف واقتراب الانتخابات الأميركية لعام 2024.

باختصار، فإن المخاطر تاريخية جداً بالنسبة لجين بينغ، وإمكاناته لتحويل الموازين حقيقية للغاية، بحيث يجب عليه أن يحدد أن المخاطرة الأكبر ستكون في الحياد، علماً بأن هزيمة بوتين ستكون لها آثار عالمية، بما في ذلك ما يتعلق بطموحاته الخاصة في استيعاب تايوان.

طموح جين بينغ العالمي

تطمح الصين إلى السيطرة العالمية والسيطرة على المناطق التي تتوافق مع مصالحها، وهو ما يعكسه اجتماع زعيم الصين شي جين بينغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حيث يبحث بوتين عن البقاء على قيد الحياة، فيما يسعى جين بينغ للسيطرة العالمية، ويأتي هذا في إطار تغييرات عالمية كبيرة لم تحدث منذ مئة عام، وهو ما صرح به جين بينغ خلال الاجتماع مع بوتين. ويأتي هذا بعد صدور مذكرة اعتقال دولية بحق بوتين على خلفية اتهامه بجرائم حرب. ومن المرجح أن تؤدي العلاقة بين الصين وروسيا إلى تقوية نفوذ الصين العالمي وإسقاط الولايات المتحدة بضع درجات، وهو ما لا يخفى على العيان.

الذين رفضوا حرب بوتين في أوكرانيا بأنها “صراع إقليمي”، كما فعل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس قبل العدول عن ذلك، يجب أن يقرؤوا البيان الصيني الذي أنهى ثلاثة أيام من الرومانسية بين شي وبوتين. وقال زعيما البلدين إنهما “شاركا الرأي بأن هذه العلاقة تجاوزت نطاق الثنائية واكتسبت أهمية حاسمة للمشهد العالمي ومستقبل الإنسانية”. وكان رد بوتين على الموقع الرسمي للكرملين: “نعمل بتضامن على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً وديمقراطية، يجب أن يستند إلى الدور المركزي للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، والقانون الدولي، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”.

وهذا نفاق واضح، حيث تخلى جين بينغ هذا الأسبوع عن أي ذريعة بأنه يخطط لإلزام بوتين بميثاق الأمم المتحدة، على الرغم من أن هذا هو البند الأول في خطته للسلام المكونة من اثنتي عشر نقطة متعلقة بحرب أوكرانيا التي أصدرها في الذكرى السنوية الأولى للغزو في 24 شباط/فبراير. ويطالب البند بـ”احترام سيادة جميع البلدان. احترام القانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، على نحو صارم. كما يجب الحفاظ على سيادة واستقلال وسلامة الأراضي لجميع الدول”.  

تحول في النظام العالمي  

يجب رؤية لقاءات جين بينغ-بوتين لهذا الأسبوع في سياق تحول لوحات التكتونيات الجيوسياسية الأخرى في نظام العالم، والأهم من ذلك في الشرق الأوسط. إنها قصة عن واشنطن وهي تترك فراغات جيوسياسية تملأها الصين بشكل أكثر براعة، بدءاً من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا.

وفي وقت سابق هذا الشهر، استدعى جين بينغ ممثلين عن إيران والسعودية إلى بكين، حيث توسط اتفاقاً للتطبيع بين الطرفين. ويمتلك الاتفاق القدرة، كما كتبت ماريا فانتابي وفالي نصر في مجلة فورن أفيرز، “على تحويل الشرق الأوسط عن طريق إعادة ترتيب قواه الكبرى، واستبدال الانقسام الحالي بين العرب وإسرائيل بشبكة معقدة من العلاقات، وربط المنطقة بطموحات الصين العالمية”. كان هذا، بحسب الكاتبتين، “قفزة كبيرة نحو الأمام في منافستها مع واشنطن”.

وفي نهاية هذا الأسبوع، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، بأن السعودية وسوريا تقتربان من التوصل إلى اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات توسطت فيها روسيا. وقد سارعت الصين إلى الترحيب بهذا التقارب وخطط لإعادة فتح السفارات.

لغز صيني كبير

في الأشهر الأخيرة، أطلق جين بينغ ثلاث مبادرات عالمية عن التنمية والأمن والحضارة. والمشترك بينها كلها هو الرؤية العالمية التي تقدم لاحتضان جميع البلدان، بغض النظر عن أنظمتها السياسية وأيديولوجياتها، على النقيض من نهج الصين لما تسميه بكين جهود الولايات المتحدة لتقسيم العالم بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية. 

من السهل الإشارة إلى نقاط الضعف الديموغرافية والاقتصادية المستمرة في الصين – جنباً إلى جنب مع الهشاشة الفطرية التي تأتي مع تركيز مفرط للسلطة. نفاق ادعائها بأنها تقف دولياً لحماية السيادة الوطنية والاستقلال يصطدم بالمياه الضحلة في أوكرانيا. 

ومع ذلك، ينبغي أن تمثل زيارة شي جين بينغ هذا الأسبوع إلى موسكو نقطة انعطاف في جدية الولايات المتحدة بشأن إلحاح وحتمية المنافسة الاستراتيجية لتشكيل المستقبل العالمي. هناك مطالب قصيرة المدى في أوكرانيا، والأكثر إلحاحاً هو إرسال الأسلحة المطلوبة بسرعة أكبر وبكثرة للفوز بالحرب. وهناك حاجة على المدى الطويل لبناء تحالفات أكثر إبداعاً لتشكيل المستقبل العالمي ونبذ الانقسامات المبسطة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية التي تجمع بين أسوأ الطغاة في العالم مثل كوريا الشمالية وإيران مع دول معتدلة وحديثة تشترك في حصة في نظام عالمي فاعل.  

لقد انحاز القيصران في موسكو هذا الأسبوع ليُظهرا لواشنطن وحلفائها أن المنافسة الاستراتيجية لم تعد مجرد نظرية – إنها حقيقة ملحة.

فريدريك كيمبي كتب لمؤسسة المجلس الأطلسي للشؤون الدولية وترجمته نورث برس