المقدمة
منذ سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا على مناطق في الشمال السوري إبان الاجتياح التركي عام 2018 على عفرين و2019 على تل أبيض وسري كانيه, ارتكبت الانتهاكات بحق المدنيين وتسببت بنزوح نحو 700 ألف شخص تعسفياً منها, كما استهدفت الفصائل بشكل أكبر سكان المنطقة الكرد والإيزيديين والمسيحين وآخرين من مذاهب أخرى, وارتكبت انتهاكات ممنهجة بحقهم ترتقي لتكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, ونشرت الفصائل مقاطع مصورة وهي ترتكب المجازر وتسرق وتستولي على منازل المدنيين, وتحرض على قتل سكان تلك المناطق المنتمين لمذاهب وقوميات أخرى.
بالرغم من أن الفصائل تنتهك القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية, منذ سيطرتها على منطقة عفرين بريف حلب الشمالي في عام 2018, إلا أنه لم يتم محاسبتها أو تصنيفها كجهات مُدانة، رغم ظهور الكثير من التوثيقات والتقارير الحقوقية التي تثبت مشاركتهم بأعمال قتل وخطف واعتقال تعسفي وغيرها من الجرائم التي ترتقي لتكون جرائم حرب وجرائم لا إنسانية وآخرها حادثة جنديرس.
مجزرة جنديرس
في مدينة جنديرس بتاريخ 20 آذار/ مارس الحالي، أي ليلة عيد نوروز “رأس السنة الكردية” والذي يحتفل به الكرد في مدينة عفرين كالآخرين في كافة بقاع الأرض, قتل عناصر من فصيل “جيش الشرقية” بشكل ممنهج وبالرصاص المباشر 5 أشخاص أربع منهم من عائلة واحدة وهم “فرحان الدين عثمان (43 عاما) ونظمي (38 عاما) ومحمد نظمي, ومحمد”, بالإضافة إلى إصابة طفل, وحدث ذلك بعد رفضهم الخضوع لعناصر الفصيل وإطفاء النار التي أشعلوها أمام منزلهم احتفالاً بقدوم العيد والذي يعتبر جزء من طقوسها الأساسية.
وبحسب أخت الضحايا, فإن إخوتها وابن أخيها تم استهداف كل واحد منهم بأكثر من 5 رصاصات, وقالت في فيديو مصور نشر على مواقع التواصل الاجتماعي “أخرجوا من جثمان أخي عشر طلقات”, وأشارت إلى أن عناصر من الفصائل الموالية لتركيا كانوا سيتهجمون على سكان جنديرس الذين تجمعوا أمام المشفى وهم يصيحون بأسماء الضحايا اعتراضاً على المجزرة التي ارتكبتها الفصائل بحقهم.
كما أشارت أختهم الأخرى إلى أن هذا الانتهاك ليس الأول الذي ترتكبه الفصائل بحقهم, ففي عام 2018 حين خرجوا من عفرين أثناء الاجتياح التركي وفروا من قصف الطائرات التركية, خلال عودتهم كانت الفصائل قد سيطرت على منزل أخيها الذي بدوره طالب بمنزله لكن تم اعتقاله لمدة يومين وأطلق سراحه بعد أن تعرض للجلد والتعذيب.
ونفت فصائل المعارضة انتماء الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة لها، خلال بيان صدر بتاريخ 21 آذار, وأشارت فيه إلى أن مرتكبي الجريمة هما شخصان وألقي القبض على أحدهم بينما الآخر لا يزال متوارٍ عن الأنظار. وفي بيانٍ آخر أعلنت أنه تم إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص على أنهم مرتكبو الجريمة وهم نازحون, ولاحقاً أعلنت أنه تم إلقاء القبض على شخص رابع وهو أيضاً متورط بالجريمة.
وبالرغم من التناقضات التي أظهرتها بيانات الفيلق الأول ضمن وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، إلا أن سكاناً وشهود عيان، شددوا على أن مرتكبي الجريمة هم من “جيش الشرقية”، ومن المتهمين “حسن الضبع” والذي يطلق عليه اسم أبو حمزة الخشام وعلي خلف ويدعى أبو حبيب خشام.
وبحسب ما توصل إليه فريق الرصد والتوثيق في نورث برس, من خلال شاهد على الحادثة وذوي الضحايا، فإن المتهمين هم من جيش الشرقية والذي هو جزء من “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا.
كما علقت هيومن رايتس ووتش على نفي فصائل المعارضة انتماء مرتكبي الانتهاك لهم, وقالت: “نادراً ما تُحمِّل الجماعة فصائلها المسؤولية عن سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في السنوات الست الماضية”, كما أكدت في تقريرها على أن مرتكبي الجريمة هم من “جيش الشرقية”.
وطالبت هيومن رايتس ووتش، تركيا، بوصفها قوة احتلال بالتحقيق في عمليات القتل هذه وضمان محاسبة المسؤولين عنها, بالإضافة إلى قطعها تقديم الدعم لفصائل الجيش الوطني المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان المتكررة أو الممنهجة وانتهاكات القانون الإنساني الدولي.
وطالبت 155 منظمة سورية في بيانها الذي يدين الانتهاكات الحاصلة في جنديرس, الأمم المتحدة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل حماية السكان في عفرين وعموم سوريا، والضغط على تركيا بوصفها قوة احتلال لتحمل مسؤولياتها القانونية في ضمان النظام العام والسلامة العامة، والضغط على الحكومة التركية من أجل إيقاف عمليات التغيير الديموغرافي, كما طالبتها باتخاذ تدابير فعالة لإيقاف تمدد هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” المصنفة على لوائح الإرهاب في عفرين وباقي مناطق الشمال السوري، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف الانتهاكات الواسعة بحق المدنيين.
ما علاقة الفصيل بتنظيم داعش
في 7كانون الأول من عام 2022 استهدفت مسيرة مجهولة عنصرين من فصيل “جيش الشرقية” يستقلان دراجة نارية في ريف مدينة جنديرس, لتوضح بعدها وزارة الدفاع الأميركية أن المسيرة أميركية واستهدفت واحداً من أكبر خمسة متزعمين لتنظيم “داعش” يدعى ماهر العكال، مع أحد كبار مساعديه, وتبين حينها أن العكال كان يحمل بطاقة شخصية من المجلس المحلي لمدينة عفرين باسم مستعار.
ويذكر أن العكال كان مسؤول تطوير شبكات التنظيم خارج سوريا والعراق وكان مسؤولاً عن منطقة في الرقة أثناء سيطرة التنظيم عليها, وانتقل بعدها إلى مدينة تل أبيض الخاضعة لسيطرة الفصائل وأخرجه بعدها إلى عفرين قائد “أحرار الشام” المصنف كمجموعة “إرهابية”.
وبحسب مصادر من عفرين ومصادر مفتوحة فإن المتهم المسؤول عن مجزرة جنديرس حسن الضبع ذو علاقات مع تنظيم “داعش” كما له علاقة وطيدة مع قائد هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقاً أبو محمد الجولاني الذي بدوره كان أحد عناصر التنظيم وعمل مع أبو بكر البغدادي ونشر نشطاء صوراً للضبع مع الجولاني.
وأكد مصدر عسكري لنورث برس، أن عدداً كبيراً من عناصر فصيل “جيش الشرقية” منتمين سابقين لتنظيم (داعش وجبهة النصرة) المصنفين كمجموعات إرهابية”.
انتهاكات الفصيل
يملك فصيل جيش الشرقية تاريخاً حافلاً بالانتهاكات من قتل وخطف وتعذيب وسرقة واستيلاء على الأملاك وقطع الأشجار والابتزاز بالإضافة لمئات حالات الاعتداء التي ارتكبها منذ عام 2018 في ريف حلب الشمالي وعلى وجه الخصوص ناحية جنديرس وريفها.
وبحسب ما نشره حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا، فإن جيش الشرقية عام 2018 أعدم شابين كرديين من قرية بريف جنديرس رمياً بالرصاص ومنع ذويهم من مشاهدتهم أو المشاركة في دفنهم.
كما أن الفصيل في عام 2015 قام بنحر شخصين منشقين من قوات حكومة دمشق بعد أن اعتقلهم على الطريق الواصل بين مدينتي أعزاز وتل رفعت بريف حلب الشمالي وقامت بتعذيبهم.
وكان الفصيل أرتكب الكثير من الانتهاكات مع عدد من الفصائل قبل أن ينفصلوا من تجمع احرار الشرقية, حيث قاموا بالسطو على الممتلكات العامة والخاصة والابتزاز وعمليات اعتقال وخطف المدنيين لإطلاق سراحهم مقابل المال، وقد قاموا بإعدام وقتل العديد من المدنيين بتهمة الانتماء لـ قوات سوريا الديمقراطية.
وبحسب بعض المنظمات الحقوقية، فإن التجمع مسؤول عن خطف أكثر من 200 مدني بمنطقة عفرين بهدف الحصول على مبالغ مالية لإطلاق سراحهم، وقد عُرف عنهم قتلهم لكل من المدنيين شرف الدين سيدو ورشيد حميد خليل وابنه محمد خليل الذي كان من ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بعد تعرضهم لتعذيب جسدي نتيجة عدم قدرة ذويهم على دفع المبلغ الذي طلبوه كفدية لإطلاق سراحهم بين شهري الرابع والخامس من عام 2022.
كما يعتبر الفصيل من المشاركين بإعدام الأمين العام لحزب سوريا المستقبل “هفرين خلف” وعدد من مرافقيها على الطريق الدولي الواصل بين تل أبيض وسري كانيه المعروف باسم طريق M4 بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
تعتبر المضايقات والأفعال التي تقوم بها الفصائل ضد سكان مناطق عفرين أفعالاً لا إنسانية وترتقي لتكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, وهي مستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام ولم يعاقب مرتكبو هذه الانتهاكات بل إنه يتم التساهل معهم للإفلات من العقاب، وهو ما فاقم من الوضع في المنطقة وزاد وتيرة الانتهاكات.
وعلى ضوء ما سبق قال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “تأتي عمليات القتل هذه بعد أكثر من خمس سنوات من الانتهاكات الحقوقية التي لم تخضع للمساءلة على أيدي القوات التركية والفصائل السورية المحلية التي تدعمها. سمحت تركيا لهؤلاء المقاتلين بالاعتداء على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها دون عقاب، وهذا يعرضها للتواطؤ في هذه الانتهاكات”.