الحقيقة مغيبة في سوريا!
فقد إبراهيم حمي أثر ولده في مدينة معرة النعمان في إدلب حيث كان يخدم العسكرية الإلزامية مع قوات حكومة دمشق, يقول: “مر 11 عاماً على فقداني لابني اعتقلته حكومة دمشق دون أن نعرف التهمة, ولم نسمع عنه شيئاً منذ ذلك الحين, تعرضنا للنصب والاحتيال لأكثر من مرة في محاولة معرفة مصيره لكن لم نصل لشيء لا نعلم إن كان حياً أو ميتاً”.
ويضيف: “لم نفقد الأمل لا نزال نراقب الباب والهاتف, ربما يكون هو القادم في أحد المرات”.
قصة فقدان حمي لولده واحدة من آلاف قصص المفقودين في سوريا الذين تسببت أطراف النزاع باختفائهم دون الكشف عن مصيرهم وعن حقيقة الانتهاك ومرتكبيها.
وبدوره يقول علي الظاهر، الخمسيني من مدينة الرقة, “فقدت أثر أختي في فترة سيطرة تنظيم داعش على الرقة, وجدت جثمان زوجها لكن أختي لم ألق لها أثراً أني أبحث منذ 7 سنوات لكني لم أجد لها أي أثر”.
ويشير “الظاهر” إلى أنه أنشأ مع عشرات من ذوي المفقودين مجموعة للبحث عن المفقودين في فترة سيطرة التنظيم, وأنه لا يزال العشرات منهم أسرى لدى التنظيم أما الآخرين فقد دفنوا في مقابر جماعية, يقول الظاهر “لا يزال لدي الأمل بأن أجد أختي”.
وإلى جانب أطراف النزاع الأخرى، لكن تنظيم داعش هو واحد من أكبر المسؤولين عن العمليات التي لم تكشف عن حقيقتهم من خطف وقتل وجرائم لاإنسانية حدثت في سوريا, فمنذ بدء نشاطه في سوريا عام 2013, خلف كارثة كبيرة بسبب ممارساته المتطرفة واستهدافاته الممنهجة.
تشهد سوريا منذ أكثر من 12 عاماً انتهاكات جسيمة تترافق بمحاولات لتغييب الحقيقة، فخلال الحرب السورية المستمرة من عام 2011, فقد أثر آلاف السوريين المعارضين في سجون حكومة دمشق, وقتل آخرون على يد أطراف النزاع بطرق خارج نطاق القضاء, بالإضافة إلى آخرين تم إعدامهم دون محاكمات, إلى جانب المقابر الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش, وآخرين لم يلق لهم أثر, عوضاً عن المعتقلين والمختفين قسراً. وعملت كافة أطراف النزاع على إخفاء الأدلة التي تدينها وتدين عناصرها في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولم يكشف إلى الآن سوى عن عشرات القضايا.
لهؤلاء الضحايا عائلات لاتزال تبحث عن أبنائها على أمل أن تلتقي بهم, أو أن تعلم إن كانوا أحياء أم أموات, ويحق لهذه العائلات أن تصل لمعلومات حول مصير ضحاياها وأن تكشف حقيقة الانتهاكات التي ارتكبت بحق أفرادها, كما أنه يجب أن تأخذ العدالة مجراها وأن يكشف مرتكبو الانتهاكات وأن تتم معاقبتهم وإنهاء الإفلات من العقاب.
في اليوم العالمي للحق في معرفة حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان واحترام الضحايا الذي يصادف 24 آذار/مارس, وانطلاقاً من أهمية تحقيق العدالة في سوريا بدأ قسم الرصد والتوثيق في نورث برس منذ نهاية عام 2022 للعمل على توثيق الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين, وسجل القسم خلال العام الماضي في تقريره السنوي الأول, مقتل 1880 مدني بطرق خارج نطاق القضاء بينهم 347 طفلاً و360 سيدة, بالإضافة إلى إصابة 1147 بينهم 121 طفلاً و64 سيدة, كما سجل اعتقال 959 شخصاً بشكل تعسفي على يد أطراف النزاع بينهم على الأقل 30 سيدة و20 طفلاً.
وعلى ضوء ما سبق طالبت عائلات الضحايا بإنشاء هيئة دولية مستقلة للكشف عن مصير المفقودين في سوريا, وفي اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 21 من آذار 2023, تطرقوا إلى إنشاء هذه الهيئة وأشادوا بضرورة إنشائها، ووعد باولو سيرجيو بينهيرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بأنه سيُطلع الأمين العام للأمم المتحدة على مسألة إحداث هذه الهيئة وإصدار قرار عاجل بشأنها, بدورها حكومة دمشق رفضت تفويض هذه اللجنة.
وقال خلال الاجتماع لين ويلشمان، عضو لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، إن “جميع أطراف النزاع قد ارتكبت جرائم عنف جنسي وجنساني، وأنه على المجتمع الدولي أن يفعل كل ما في وسعه لوضع حد لهذه الانتهاكات، وقد يكون هذا هو سبب التدخل, فيما يتعلق بالسبل القضائية، يمكن عادةً تحميل الحكومة المحلية المسؤولية، ولكن لم يكن هذا هو الحال في سوريا، لذا يجب على المجتمع الدولي إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
وانطلاقاً من هذا اليوم الذي خصصته الأمم المتحدة لاحترام كرامة الضحايا وضرورة كشف الحقيقة, يجب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة المساعدة في الكشف عن التجاوزات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والانتهاكات الخطيرة بحق المدنيين في سوريا على يد اطراف النزاع, وإنهاء عهد الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة من خلال تحقيقات عادلة وشفافة تنصف الضحايا وذويهم وتساعدهم في معرفة الحقيقة.