تركيا تكافح الإتجار بالبشر بقتل وتعذيب طالبي اللجوء السوريين

المقدمة

على الحدود السورية التركية حيث يتعرض طالبو اللجوء السوريين لخطر القتل والتعذيب والاعتداء, وهم في طريقهم للهجرة فارين من نزاعٍ مسلح وحربٍ مستمرة لأكثر من عقد, يقتل كل عام عشرات السورين  برصاص حرس الحدود التركي “الجندرمة” في محاولة من الأخيرة لمنعهم دخول أراضيها بحجة مكافحة الاتجار بالبشر, ولم تضع أي جهة معنية مهتمة بشؤون اللاجئين وحقوق الإنسان حداً لهذه الانتهاكات الجسيمة التي ترتقي لتكون جرائم حرب.

يعرض هذا التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق مقابلات مع ثلاثة أشخاص يقطنون في شمال غربي سوريا، تعرضوا للتعذيب والتعنيف من قبل حرس الحدود التركي أثناء محاولتهم عبور الحدود  السورية التركية بالإضافة إلى ناشط إعلامي, كما يتطرق التقرير إلى كيفية ضلوع عناصر من فصائل المعارضة الموالية لتركيا ومن هيئة تحرير الشام وعسكريين أتراك في الجرائم التي ترتكب بحق طالبي اللجوء السوريين, واستطاع القسم التواصل مع هؤلاء الأشخاص وطلب مقابلات مصورة منهم إلا أنهم امتنعوا عن التصوير وطلبوا أن يقتصر الأمر على إرسال مقاطع صوتية حرصاً على إخفاء هويتهم ولكي لا يتم احتجازهم لاحقاً بتهمة التجسس أو التخابر.

ناجون من تعذيب الجندرمة

“لا يرحمون أحداً” هذا ما وصف به الشاب موسى الفيصل، ما ترتكبه الجندرمة بحق طالبي اللجوء غير الشرعيين الذين يحاولون عبور الحدود.

يقول موسى وهو أحد سكان إدلب, “بدخولنا الأراضي التركية بدأت الجندرمة بضربنا وتعذيبنا لا أستطيع التذكر لكن كانت مدة طويلة أغابتنا عن الوعي, بعد أن اعتدوا علينا وتعرضنا لضرب مبرح وجدنا أنفسنا في السجن, مكثنا هناك لمدة يومين بعدها تم تسليمنا لعناصر الهيئة”.

ويضيف: “تم استلامنا من الطرف السوري واعتقلنا يومين هناك حتى دفعنا مبلغ 200 ليرة تركية من أجل إطلاق سراحنا”.

بدا  الأمر مختلف بالنسبة لسامر رجب، الذي حاول لأربع مرات عبور الحدود بالرغم من التعذيب الذي يتلقاه في كل محاولة إلا أن رغبته بالخروج من الظروف السيئة التي يعاني منها مع عائلته, دفعه ليغامر بحياته.

يقول سامر: “سأستمر في محاولة عبور الحدود, إما سأقتل برصاص الجندرمة أو سأعبر الحدود  وأعمل”.

ويضيف سامر وهو اسم مستعار لأحد سكان إدلب تعليقاً على آخر محاولة له, “انخدعت بأقوال المهرب”, ويصف رحلة لجوئه الرابعة الفاشلة غير الشرعية إلى تركيا, “قال لي المهرب أن ضبابية الجو ستساعدنا بتجاوز الحدود بأمان وهو التوقيت المثالي, بمجرد أن وطأة اقدامنا أرض تركيا, وجدنا مدرعة تقف أمامنا و وخرج منها عناصر الجندرمة  وبدأوا بضربنا بمؤخرة السلاح وبالعصي”.

بعد أن تلقى الرجب مع 7 شبان آخرين الضرب تم نقلهم إلى مركز حجز, وبحد وصفه، فإنها كانت غرفة خالية لا شيء فيها, بقي الشبان في المحتجز لمدة يوم في ظروفٍ إنسانية قاهرة ودرجات الحرارة تحت الصفر, ومن ثم تم وضعهم على الحدود, “قالوا لنا عودوا من حيث أتيتم”.

في فجر يومٍ شتوي وبعد المكوث لعدة أيام في منزل المهرب خرج  عبد الكريم أحمد، هو اسم مستعار لأحد المستوطنين الوافدين من حلب إلى عفرين، مع عشرات الأشخاص بينهم نساء وأطفال ليعبروا الحدود السورية إلى تركيا.

وأشار “عبد الكريم” أنه بعد أن رصدتهم كاميرات الجندرمة، خلال ثوانٍ وجدوا أنفسهم محاطين بعناصر مسلحة وتم فصل النساء والأطفال عن الرجال, وبدأوا بضرب الرجال. كان صراخ الأطفال والنساء يعلو كلما اشتد ضربهم لنا” ويصف الحادثة بـ “فلم رعب”.

بقيت المجموعة في ساحة مفتوحة تحت المطر لأكثر من 10 ساعات, ووصفها الشاب بأنها كانت بمثابة عقابٍ لهم لكي يمتنعوا عن التفكير بالقدوم مرة أخرى.

قتل منذ بداية الحرب السورية أكثر من 500 شخص سوري برصاص الجندرمة أو بسبب اعتداءاتهم بحسب مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا, ولا تقتصر تجاوزات حرس الحدود التركي على طالبي اللجوء فقط, بل حتى أنه طالت اعتداءاتهم أطفالاً ومزارعين وأشخاص عاديين أمام منازلهم أو وهم يعملون في أراضيهم في المناطق المحاذية للحدود, واستطاع قسم الرصد والتوثيق تسجيل مقتل أكثر من 40 شخص بينهم أطفال ومزارعون قتلوا على الأراضي السورية برصاص الجندرمة منذ عام 2011.

وسجل قسم الرصد والتوثيق مقتل 18 شخصاً وإصابة 47 آخرين بينهم طفل وسيدتين.                                   

اتفاقات ثمنها أرواح

يقول محمود سميح لنورث برس وهو اسم مستعار لناشط إعلامي يقطن في مدينة إعزاز, “كل ما يجري على الحدود يحدث باتفاقات وتنسيق بين فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام والجندرمة, وهذا ليس بالشيء الجديد، إنه مستمر منذ أكثر من 3 سنوات”.

وأشار محمود في حديثه عبر تطبيق الـ”وتس آب” أن مهربي البشر متفقين مع هيئة تحرير الشام, ولا يمكن أن يستطيع المهرب إيصال أحد إلى الحدود التركية إلا بعد مرورهم على نقاط للهيئة ويدفع مبلغ 50 دولار أميركي لكل شخص سيتم إدخاله, في حال لم يتمكن هؤلاء الأشخاص العبور وعادوا، فتعيد نقاط الهيئة مبلغ 25 دولار فقط.

كما أشار أن بعض المهربين يتعاونون مع عناصر من الجندرمة  ليساعدوهم في إيصال طالبي اللجوء إلى تركيا مقابل مئات الدولارات, أما بالنسبة لفصائل المعارضة فيقبض القادة في صفوفه مبلغاً يزيد عن 150 دولاراً من المهرب على كل شخص.

بينما اعتبر ناشط إعلامي يقطن في عفرين، أن ما تفعله الجهات الثلاث بحق السوريين هو أبشع طرق الاستغلال. ووصفهم بعصابات الإتجار بالبشر من خلال منشور على صفحته  في “فيسبوك”, وقال فيه: “حرس الحدود سواءً الجيش الوطني أو الهيئة يأخذون حصصهم من تهريب البشر باتجاهه تركيا ويعتبر كل فصيل النقاط الحدودية منجماً للمال يحصلون منه على آلاف الدولارات يومياً من خلال إشرافهم على التهريب بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء من جماعتهم حصراً”.

وأضاف: “يتم استغلال الناس الراغبين بالذهاب لتركيا أبشع استغلال وعندما يتعرض هؤلاء للضرب والتعذيب على يد الجندرمة التركية يصمتون وكأن الأمر لا يعنيهم على العكس تماماً يتم سجنهم مرة أخرى عند عودتهم وفشل عمليات التهريب ويستغلونهم مرة ثانية ليتم الإفراج عنهم”.

ومنذ 11 من آذار الجاري، تشهد مناطق شمال غربي سوريا احتجاجات بعنوان “أوقفوا انتهاكات الجندرمة” عقب حادثة اعتداء الجندرمة على 8 شبان وطفل وتسببت بمقتل اثنين منهم, وتسلمت العائلات جثمان عبد الرزاق القسطل أحد الضحايا والمصابين من معبر باب الهوى بعد تعذيبهم وتشويهيهم, وفي 17 آذار استلم ذوو الضحية الأخرى والذي يدعى خليل صياح، جثمانه وعلى جسده آثار التشريح وقطب من الطرفين الأمامي والخلفي بالإضافة إلى آثار الضرب.

على سياق متصل وفي إحدى مقابلات نورث برس، مع ذوي ضحية استهدفته الجندرمة عندما كان يعمل في زراعة أرضه المحاذية للحدود السورية التركية في منطقة عين ديوار بريف ديرك أقصى شمال شرقي سوريا, تحدث الأب عن قتل الجندرمة لولده أمام عينه.

وقال: “رفعوا المُسيرة بحثاً عنهم بعد أن أصابوهم بالرصاص كنا هناك لنعيده إلى المنزل, وجدته المُسيرة وأطلقت النار عليه حتى تأكدت أنه توفي”.

وأضاف: “لم يدعونا نأخذ جثمانه, أطلقوا الرصاص علينا أيضاً أصيبت ابنتي وزوجة أخي”.

حوادث كثيرة أفضت لمقتل مئات السوريين المدنيين مستهدفين بالرصاص المباشر والقتل العمد من قبل عناصر حرس الحدود التركي بحجة مكافحة الإتجار بالبشر, في حين لم تعلق السلطات التركية أبداً على هذه الحوادث وغضت البصر عنها.

قوانين ومعايير دولية

يحق لتركيا تأمين حدودها مع سوريا، لكن كافة القوانين والمعاير الدولية تحظر ردها لطالبي اللجوء على حدودها عندما يعرضهم ذلك للخطر, كما أنها تفرض عليها احترام المعايير الدولية بشأن استخدام القوة المميتة وكذلك الحق في الحياة والسلامة الجسدية، بما في ذلك الحظر المطلق على تعريض أي شخص للمعاملة اللاإنسانية والمهينة.

وبحسب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية، لجميع المهاجرين الحق في الحياة، وتفرض على جميع الدول حماية جميع المهاجرين وطالبي اللجوء, وتحظر المساس بحياتهم وقتلهم خارج نطاق القضاء, وتفرض على الدول عدم تعذيبهم وتعريضهم لمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة, وبحسب المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق يجب مقاضاة كل من تسبب بعملية قتل خارج القضاء.