هل انسحبت تحرير الشام من عفرين؟ وما علاقتها بالفصائل التركمانية؟

عفرين – نورث برس

على الرغم من إعلانها الانسحاب الكلي من منطقة عفرين شمالي حلب، بعد أن سيطرت عليها في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، وبعد طردها لفصائل الجيش الوطني السوري المتمثلة بالفيلق الثالث، إلا أن تواجد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة  سابقاً) وحتى ذراعها المدني “حكومة الإنقاذ السورية”، يبدو ملاحظاً في الكثير من مناطق عفرين لا سيما مناطق جنديرس والباسوطة والشيخ حديد وهي مناطق انتشار فصيلي “الحمزات والعمشات” المتحالفين مع تحرير الشام.

ومطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هاجمت هيئة تحرير الشام، منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، وذلك بهدف الدفاع عن فصيل “فرقة الحمزة” الذي هاجمه الفيلق الثالث في منطقة الباب شرقي حلب.

وجاء ذلك بعد الحديث عن تورطه في قضية اغتيال الناشط “محمد أبو غنوم” وزوجته الحامل في مدينة الباب شرقي حلب، في التاسع من الشهر ذاته، بسبب نشاطه المناهض للفصائل في المنطقة، حيث تمكنت الهيئة من السيطرة على المنطقة في غضون أيام.

وبعد أيام من سيطرتها على عفرين، أعلنت مصادر في تحرير الشام عن انسحابها الكامل من المنطقة، ونشر الإعلام الرديف للهيئة مقاطع مصورة لانسحاب أرتال الهيئة من مدينة عفرين بعد الاتفاق على تسليمها لإدارة مدنية شريطة ضمان عدم عودة الفيلق الثالث إلى إليها.

وهذه الرواية التي روج لها الإعلام الرديف للهيئة، إلا أن مصادر حينها أكدت أن تركيا ضغطت على تحرير الشام للانسحاب من المنطقة بشكلٍ كامل مع توجيه تهديدات لها، ورغم ذلك تؤكد العديد من المصادر أن تحرير الشام لم تنسحب بشكل كامل من المنطقة ولا يزال تواجدها واضحاً.

“تواجد شكلي

مهند الحلبي وهو اسم مستعار لقيادي في فصيل حركة “نور الدين الزنكي”، قال لنورث برس، إن تواجد تحرير الشام من منطقة عفرين أواخر العام الفائت كان شكلياً فقط وإعادة للأسلحة الثقيلة إلى أماكن تخزينها في مناطق سيطرتها بريف إدلب.

بينما تركت الهيئة خلفها نحو 350 عنصراً وقيادياً موزعين في كل من جنديرس وعفرين والشيخ حديد والباسوطة بريف عفرين، “وهؤلاء من الذين يتواجدون في المنطقة بزي الفصائل المتحالفة مع الهيئة كـ العمشات والحمزات”، بحسب المصدر.

بينما يتواجد في الوقت نفسه نحو ثلاث مجموعات من جهاز الأمن العام التابع للهيئة بشكل علني في الشيخ حديد وأحراش جبل الأحلام المقابلة لبلدة الباسوطة الواقعة على الطريق المؤدي إلى إدلب، وهم عبارة عن جهاز استخباراتي يقومون بعمليات محددة، مثل ملاحقة الأشخاص المطلوبين للهيئة في المنطقة، واعتقال المحسوبين على فصائل الفيلق الثالث.

بالإضافةً إلى مهام أخرى أهمها “منع العمشات والحمزات من الانقلاب على الهيئة في المنطقة لا سيما وأن المصالح فوق كل شيء لدى الطرفين”.

وأشار “الحلبي” أن “ما يؤكد تواجد تحرير الشام في المنطقة وبشكلٍ كبير هو تجول زعيمها أبو محمد الجولاني، بعد أيام من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمالي سوريا، في مدينة جنديرس ويحيط به العشرات من عناصر الجهاز الأمني التابع للهيئة وأمام أنظار فصائل فيلق الشام وجيش الشرقية والشرطة العسكرية وغيرها من الفصائل”.

كما أن حكومة الإنقاذ دخلت إلى المنطقة بحجة إغاثة منكوبي الزلزال وقامت بافتتاح نقطة طبية عند مدخل جنديرس الشرقي (القوس)، ووضعت شعارها الخاص بها على لوحة ضخمة وأمام أنظار الجميع أيضاً.

وتسعى من ذلك لإظهار نفسها على أنها الحكومة القادرة على إدارة المنطقة لا سيما وأن الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع جنديرس لها إدارياً لم تقوم بأي خطوة لمساعدة متضرري الزلزال، بحسب القيادي.

وأشار “الحلبي” إلى أن تواجد تحرير الشام في ريف عفرين لا يقتصر فقط على التواجد وفرض القوة، بل يشارك قادة مدربون بارزون في تحرير الشام في عمليات تدريب عناصر فصيل السلطان سليمان شاه (العمشات) في الشيخ الحديد خلال الدورات العسكرية التي يقيمها الفصيل بشكل دوري في المنطقة من أجل استقطاب المقاتلين”.

ولا يقتصر الأمر على التدريب العسكري بينما يحاول شرعيو تحرير الشام “ترويج أفكارهم وزرعها في رؤوس عناصر العمشات، “وهو ما أكده العديد من العناصر الذين حضروا مثل تلك التدريبات والمحاضرات الشرعية، والهدف من ذلك هو استقطابهم لصفوف الهيئة لا سيما وأن معظمهم من المناهضين لها منذ سنوات”، بحسب القيادي.

تركيا والفصائل التركمانية

منذ سيطرتها على مدينة عفرين وريفها خلال الحملة العسكرية التي أطلقتها مع فصائل المعارضة السورية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2018، سارعت تركيا لضم المقاتلين التركمان إلى القوات الموالية لها وقامت أيضاً بدعمهم بكافة أنواع الدعم.

ونتج عن ذلك تشكيل فصيل فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) الذي يقوده “محمد الجاسم” أبو عمشة ذو الأصول التركمانية، وتشكيل فرقة الحمزة، وهي جماعة دربتها تركيا وأعلنت عن تأسيسها في نيسان/ أبريل 2016 وانضمت إليها جماعة تركمانية تدعى “لواء سمرقند” نسبة إلى مدينة سمرقند في أوزبكستان.

هذه المجموعة كانت إحدى أولى الجماعات التركية التي دخلت مدينة جرابلس السورية عام 2017 من بوابة قرقميش برفقة الجيش التركي وسيطرت على المدينة بالتعاون مع الجيش التركي، إضافةً إلى عشرات المجموعات الصغيرة التي انضمت للفصيلين.

فروقات تركية بين الفصائل

وحول ذلك، قال فؤاد سويد وهو اسم مستعار لخبير عسكري، لنورث برس، إن العنصرية في أوساط المعارضة السورية لم تكن موجودة قبل دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية.

وقامت تركيا، بحسب الخبير، “بخلق تلك الفروقات من أجل تقوية فصيل على حساب فصيل آخر، وكي تضمن تبعية ذلك الفصيل الذي تدعمه لها في المستقبل مستغلة ما تسميه الأخوة بين الأتراك إذ تعتبر التركمان السوريين جزءاً منها حتى هذا اليوم”.

وقبل نحو عام شنت المؤسسات القضائية التابعة للمعارضة والفصائل على “العمشات”، حرباً إعلامية، بهدف إنهاء الفصيل، وأصدرت بياناً بإيقاف قائد الفصيل محمد الجاسم (أبو عمشة)، “إلا أن ذلك كله رفضته المخابرات التركية”، وشددت حينها على أن فصيل العمشات وقائده “تحت حماية السلطات التركية ولا يمكن إنهاؤه دون إرادة تركيا”.

وأضاف “سويد” أن الحملة الأخيرة التي قامت بها فصائل الفيلق الثالث ضد فرقة الحمزة نتيجة تورطها باغتيال الناشط أبو غنوم وزوجته، “شاهدنا مساندة فصيل السلطان سليمان شاه لفرقة الحمزة نظراً لكونهم تركمان، وجاء ذلك بتوجيهات تركيا”.

وعند اقتراب نهاية الحمزة وفشل “العمشات” في مساندتها، أعطت تركيا الإذن لهيئة تحرير الشام للدخول إلى عفرين ومساندة فرقتي الحمزة والعمشات، وكانتا تعتبران من أشد خصوم الهيئة قبل سنوات.

واستغلت تحرير الشام ذلك لتتوسع في عفرين وتثبت نفوذها، إلا أن تركيا لم تسمح بذلك وفضلت إبقاء منطقة عفرين بشكلٍ كامل تحت سيطرة الفصائل التركمانية.

ولكنها سمحت لبعض القوات التابعة لتحرير الشام، مثل جهاز الأمن العام في البقاء بمنطقة عفرين سراً لمتابعة المواضيع الأمنية كون تركيا لا تثق كثيراً في فصيلي العمشات والحمزات من الناحية الأمنية، بحسب المصدر.

إعداد: مؤيد الشيخ ـ تحرير: قيس العبدالله