القامشلي ـ نورث برس
“يشكل الكرد جزءاً هاماً من النسيج السوري”، عبارة يتم تداولها كثيراً منذ بدايات الأزمة السورية، من قبل مناصري حكومة دمشق. إلا أن أول ظهور لها كان في عام 2004 على إثر الانتفاضات التي عمت المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية على طول الشريط الشمالي من الجغرافية السورية بالإضافة إلى الكرد القاطنين في مراكز المدن الرئيسية كدمشق وحلب، حيث صرح آنذاك الرئيس السوري بشار الأسد، أن “الكرد جزء أساسي من النسيج الوطني في سوريا”، وكان هذا بمثابة أول اعتراف رسمي بوجود الكرد في سوريا.
قبل هذا التاريخ، حرصت حكومة دمشق على التأكيد على عدم استقلالية الكرد كأمة، وإنما جزء من “الجمهورية العربية السورية”. وفي خطاب موجه إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة التمييز العنصري عام 1998، أكدت حكومة دمشق على أن “الكرد ليسوا أمة مستقلة بذاتها، فقد وُجدوا داخل البلاد، وهم يعتبرون جزءاً من النسيج الوطني السوري»، أي أنه لم تعترف بهم كمواطنين سوريين لهم حقوق، فقد حرموا من جميع حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية.
وتجسد هذا الحرمان من الحقوق في تشرين الأول/أكتوبر 1962، عندما أجرت الحكومة بموجب المرسوم التشريعي رقم 93 في 23 آب/أغسطس 1962، إحصاءً سكانياً في محافظة الحسكة ليوم واحد فقط، أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية وتصنيفهم إلى فئتين: “أجانب الحسكة (أصحاب البطاقة الحمراء) ومكتومي القيد (أصحاب شهادات التعريف)” بحسب تقرير صادر عن منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
ونقلت المنظمة عن مصادر في مديرية الشؤون المدنية في الحسكة التابعة لحكومة دمشق عام 2018، أنَّ عدد الكرد السوريين المحرومين من الجنسية منذ إحصاء عام 1962 إلى 2011، بلغ 517 ألفاً منهم 171 ألفاً مكتومي القيد وهي الفئة المحرومة من الجنسية السورية بموجب المرسوم 49 عام 2011.
وبقيت مشكلة الحرمان من الجنسية قائمة حتى عام 2011 عقب اندلاع المظاهرات المناوئة لنظام الحكم في دمشق، عندما أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011، بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية. إلا أن المرسوم كان ناقصاً ولم يشمل الكرد المجردين من الجنسية ومكتومي القيد، وبالتالي لا يزال عشرات الآلاف من “مكتومي القيد”، دون اعتراف رسمي.
وبقي هذا “الجزء من النسيج السوري” محروماً من الحقوق التي تتمتع بها باقي مكونات النسيج، كما أنه لم يحظَ بكينونة مستقلة من أجل حماية ثقافته ولغته على الأقل.
ولكن ورغم ما ذكر في الأعلى، عمدت حكومة دمشق إلى كسب الكرد إلى جانبها في العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرون (مرحلة الأسد الأب والابن) ولغايات متعددة سعت من خلالها إلى تعزيز مكانة الدولة داخلياً وإقليمياً كونهم “جزء هام من النسيج السوري”، وذلك عبر الوصول إلى شخصيات كردية وتأسيس منظمات تحمل شعار “الديمقراطية” تعمل تحت كنفها. أي، العمل على خلق كرد سوريين وفقاً لمقاسها.
“الآغا” و”حزب التجمع الديمقراطي الكردي”
في أواخر التسعينيات من القرن المنصرم أعلن واحد من أبناء الملاكين الكرد في دمشق، محمد مروان الزركي المعروف بـ “الآغا” الذي يعتبر أحد المحسوبين على المخابرات السورية، عن تأسيس حزب التجمع الديمقراطي الكردي في سوريا، وعاونه في ذلك أعضاء من حزب العمال الكردستاني من أمثال عمر أوسي وابن أخيه هوشنك أوسي.
في تصريح لنورث برس، يعلق الباحث عبدالله شكاكي، على تلك الفترة والذي كان شاهداً على تلك التطورات، قائلاً: “أراد نظام الأسد حينها كسب الكرد لطرفه وخاصة بعد خروج عبدالله أوجلان من سوريا. وفي نفس الوقت كان الهدف من انضمام بعض كوادر العمال الكردستاني للتجمع الديمقراطي التقرب من النظام على أمل الحصول على صفة رسمية كالاعتراف أو ما شابه ذلك”.
“إلا أنه وبعد اكتشاف نوايا النظام السلبية تجاه الكرد”، يضيف “شكاكي”: “انسحب كوادر العمال الكردستاني من التجمع باستثناء عمر أوسي وهوشنك إلى جانب أسماء أخرى فضلوا الرضوخ للنظام السوري”.
وكان “الزركي” وأتباعه يأملون اعتراف الحكومة السورية بحزبهم وموافقتها على انضمامه إلى قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، إلا أن ذلك لم يحصل. وكانت النتيجة انهيار الحزب.
أوسي و”المبادرة الوطنية للكرد السوريين”
رغم كونه أحد ضحايا الإحصاء “الجائر”، يعتبر عمر أوسي رئيس “المبادرة الوطنية للكرد السوريين” أبرز وجوه الخط المتحالف مع حكومة دمشق. واحد من النوعيات الكردية “الشاذة” التي عرفها المجتمع الكردي في سوريا الذي خدم ولا زال “نظام الأسد” في مرحلتي الأب والابن.
“كان أوسي أحد كوادر حزب العمال الكردستاني ومترجماً لزعيمه عبدالله أوجلان في وقت ما.” يقول “شكاكي”: “انضم إلى حزب التجمع الديمقراطي الكردي برئاسة الآغا بتوجيه من العمال الكردستاني. وعندما أمر الحزب كوادره بالانسحاب من التجمع، رفض أوسي وكانت تلك الخطوة بداية تحوله إلى كرد النظام السوري”.
أراد أوسي من خلال تأسيسه للمبادرة الوطنية للكرد السوريين، “دعوة الكرد وتشجيعهم للانخراط في صفوف النظام السوري كثنيهم عن المطالبة بحقوقهم ودعم الانتخابات التشريعية والرئاسية وتشجيع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية للانضمام تحت مظلة نظام الأسد”.
ويعتبر “أوسي” موظف البروباغندا الذي يقوم بمهمة الترويج لأجندته التي تخدم الحكومة في دمشق. ففي عام 2016 قام بالترويج لتشكيل قوة عسكرية باسم “المقاومة الوطنية الكردية السورية” في ريف محافظة حلب، شمالي سوريا. وخلال فترة عضويته في مجلس الشعب 2016-2020 جعل القضية الكردية وسيلة أساسية في ممارسة حملة البروباغندا المتعلقة بطرح القضية الكردية “تحت قبة البرلمان” وحق الكرد في “التمثيل السياسي في الوزارات ومجلس الشعب والإدارات المحلية وبقية مؤسسات الدولة” بالإضافة إلى “منح الكرد حقوقهم الثقافية”. كل ذلك وفقاً “لرؤية النظام السوري”.
بروين إبراهيم و”حزب الشباب للبناء والتغيير”
بروين إبراهيم، رئيس حزب الشباب للبناء والتغيير، واجهة سياسية كردية أخرى تدعم “النظام السوري”. خلال لقاءاتها، تدافع بروين وبشدة عن سياسات الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي عام 2020، ذكرت بروين أنها فضلت أن تكون “شبيحة للنظام”، على أن تكون “شبيحة” لأي أحد آخر، وذلك في الفيديو الذي نشرته على حسابها الفيسبوكي في 31 تموز/يوليو عام 2020 وقالت إنها منحت صوتها في الانتخابات الرئاسية لبشار الأسد “لأننا مؤمنون بقيادته، لأنه شاب إصلاحي، علماني”. كما أنها وقفت وتقف إلى جانب قيادات حزب البعث الحاكم في العديد من المناسبات.
في المقابل، تواصل “إبراهيم” ادعاءاتها بتبني خط المعارضة “الوطنية” المنادية بحقوق الكرد والاعتراف الدستوري بالكرد كثاني قومية في سوريا. كما أنها تروج لروسيا – حليفة النظام السوري – على أنها جادة في مساعدة الكرد إلا أنهم لا يملكون أي مشروع، حسب قولها.
أن تكون كردياً وتكتب باللغة العربية
مهما حاول ويحاول الإنسان لا يستطيع الفصل بين الظروف السياسية والثقافة، وقد استغلت دمشق الثقافة كـ”سلاح ضد الكرد”. فقد كانت “العروبة” ولا زالت شعار الحكم في سوريا، وأباح هذا الشعار تذويب وصهر الثقافة الكردية ضمن بوتقة القومية العربية، وبالتالي تحريم وتجريم ممارسة الثقافة الكردية وربط كل ما يتعلق بمصطلح “الكرد” بـ”الانفصال”.
وفي عام 1987، منعت وزارة الثقافة في الحكومة السورية، تداول الموسيقى الكردية وجرّمت طباعة وتداول الكتب باللغة الكردية، مما حرم الكرد من التعبير عن هويتهم الثقافية، وأسهم في تعزيز شعورهم بالاغتراب وذوبان هويتهم. ومن هنا نرى الكثير من الكرد السوريين لا يزالون يكتبون باللغة العربية، والأمر يعود إلى حرمان جيل كامل من التعلم بلغتهم الأم.
بالمقابل، مارست حكومة دمشق، من خلال “تجنيد أزلامها ومؤسساته وتماشياً مع أهدافها ثقافةً كرديةً دمرت التوجه الكردي”. فقد وظفت مثقفين من “كرد النظام” لعقد نشاطات ثقافية تتماشى مع عبارتها المشهورة “الكرد جزء أساسي من النسيج السوري” كالندوات والمعارض الفنية وتشكيل فرق الرقص الفلكلوري (فرقة آشتي) وإقامة حفلات نوروز تحت رعايتها وغيرها من الفعاليات.