دمشق – جاد نجار- نورث برس
بات السوريون ينامون على قهر مع موجات ارتفاع الأسعار الجنونية التي ترافقت مع الارتفاع الجنوني للدولار والذي وصل حدّ الألف ليرة سورية في سابقة لم تحصل من قبل، رغم كل الأزمات والحروب التي مرّت على سوريا.
حيث يقضي الناس أيامهم بين غاضبٍ على الحكومة وفشلها المستمر في إدارة أزمات البلد الاجتماعية والاقتصادية، إذ بات "كل شيء مرتفع الثمن إلا المواطن السوري أصبح بلا قيمة" وبين حال السخرية المريرة التي يتداولونها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي كل يوم من حياتهم التي تمرّ فوقهم كالمدحلة.
تقول الصحفية لينا ديوب لـ"نورث برس": "الآن أستطيع أن أنام مطمئنّةً على حالي وحال أولادي بل وأن أعود لإنجاب أولاد جدد لينعموا برغد العيش والمستقبل الهانئ" ساخرةً بقولها هذا من التصريح غير المقبول لإحدى الشخصيات السياسية عالية المستوى والتي قالت في لقاءٍ مع إحدى وسائل الإعلام: "إن أزمة الدولار يمكن اعتبارها غير دقيقة ومضخّمة وكلام على الورق وهي مجرّد مضاربات تجار السوق وإن الاقتصاد السوري أفضل حالاً بكثير مقارنةً مع عام 2011".
فيما يقول إياد المحيسن لـ"نورث برس": "تخيّل أنا وزوجتي مهندسان ونُعتبر ممن يقبضون رواتب مرتفعة قياساً مع غيرنا وكل ما نستطيعه هو أن ننجو حتى الأسبوع الثالث من الشهر… لن أحدّثك عن تفاصيل العيش القاسية التي نمرّ بها جميعاً، لكن يبدو أن المعنيين لم يبقَ لهم أي وسيلة ليهجّروننا ويتخلّصوا منّا سوى أن يضعوا هذا الشعب العنيد في سفن ويشحنوه إلى غير بلاد".
فيما يحدّثنا نزار مكّاوي (أبو طه) وهو مستخدم في مؤسسة إعلامية ويعاني من نوبات صرعٍ واعتلال عصبيّ تكلّفه أكثر من خمسين ألف ليرة كل شهر ليتمكّن من تأمين أدوية مرضه المزمن. يقول "راتبي فقط /45/ ألف ليرة بعد خمس وعشرين سنة خدمة. أعيش أنا وزوجتي وابني وسبع إخوة مع زوجاتهم وأولادهم في بيت واحد كبير كل عائلة في غرفة. ولولا مساعدة إخوتي لي لكنت الآن إمّا مشردّاً أو في مستشفى المجانين".
ويضيف أبو طه: "احتاج /12/ حبة دواء كل يوم، وكلما ذهبت إلى الصيدلية يقولون لي أن سعر الدواء ارتفع وأن السبب أنه مستورد. أنا لا أفهم بهذه القصص. لكن أعرف أن راتبي لا يكفيني سعر الدواء فقط".
عدم استجابة الحكومة
وعن هذا الارتفاع الحاد والمتسارع للدولار مقابل العملة الوطنية صرّح لـ"نورث برس" عضو اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب أحمد ششمان بقوله: "أحد أهم الأسباب في انخفاض الليرة مقابل الدولار برأيي هو عدم التزام واستجابة الحكومة لمطالبنا في المؤتمر الصناعي الثالث لأننا كنا نقول دائماً إن الإنتاج والصناعة هي الركيزة للاقتصاد ولليرة وهي ما يجلب القطعْ الأجنبي".
ويشدّد ششمان على أن "الانهيار خلال فترة وجيزة ومفاجئة وسريعة سببه تصرفات خاطئة من الفريق الاقتصادي السوري وهو فتح الاستيراد على مصراعيه وهو ما جعلنا نشاهد منتجات جديدة أقرب إلى الرفاهيات والكماليات مثل قطع تجميع السيارات، وهذا ما سبب هذه البلبلة الكبيرة في سعر صرف الدولار مقابل استيراد تلك القطع غير الضرورية في هذه الأزمة وعدم الاعتماد على المنتج المحلّي".
ويضيف: "إن ما حصل في العراق واستمرار الأزمة اللبنانية كل ذلك أرخى بظلاله الثقيلة علينا جميعاً. لأن السوريين لديهم حسابات بنكية في لبنان وكانوا من خلالها يستطيعون أن يتحايلوا على العقوبات على المصارف السورية الممنوعة من التعامل بالدولار وعند توقف الإيداعات والسحوبات توقف معها تصدير أو استيراد البضاعة نحو الخارج وتحوّل ذلك إلى طرق غير مشروعة أو لسوق سوداء أدت إلى تحكّم الجشعين من أصحاب الشركات المالية الكبيرة حتى على مواطني بلدهم وعلى أناسهم وعائلاتهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون".
ويؤكد ششمان أن "استنزاف مدخرات البنك المركزي من القطع الأجنبي لشراء ما لا يلزم في هذه المرحلة مع تمويل المستوردات بسعر صرف المركزي كلها أمور وإجراءات خاطئة كنا ننبه إليها الفريق الاقتصادي لكن لم يكونوا يستمعون".
وهكذا لم يبق أمام السوريين إلا أن يتندّروا على مأساتهم بالضحك والنكت الساخرة إذ قال أحد ظرفاء دير الزور معلّقاً بتهكّم على قرار الحكومة منحَ المواطن السوري مئتي غرام فقط من الشاي مع ثلاثة كيلو سكّر في الشهر وبناءً حصراً على دفتر العائلة": "إنّ الأمور أصبحت واضحة وضوح الشمس وهذا القرار يستهدف الديريين حصراً… لن نسكت" في إشارة طريفة منه إلى تولّع أهالي دير الزور بشرب الشاي.