بعد أكثر من شهر على وقوعه.. الإعمار من جيوب متضرري الزلزال

دمشق ـ نورث برس

بعد مرور أكثر من شهر على وقوع الزلزال صدر مرسوم رئاسي، يقضي بمنح قرض تصل قيمته إلى 200 مليون ليرة للمتضررين في المحافظات السورية الأربعة.

إذ أن الجهات المعنية تعاملت بتجاهل شبه تام مع مصير المواطنين المتضررين من الزلزال، وتجاهلت كل الأصوات والتعليقات التي تساءلت عن حال الذين تهدمت بيوتهم وتهجروا، أو الذين عليهم مغادرة منازلهم خشية وقوعها، وعن مصير التبرعات النقدية خاصة؟

للمرة الثانية

فكرة القرض أعلنت للمرة الثانية خلال شهر عن منح قروض دون فوائد للمتضررين من الزلازل، وهو ما قوبل في المرتين بمواقف متباينة، إلا أن المشترك بينها هو أن جدواها ستبقى محصورة بعدد قليل من المتضررين، إذ أن معظم السوريين غير قادرين اليوم على تسديد قيمة أي قرض، في وقت صار فيه الراتب الشهري للموظف بالكاد يكفي ثمناً للطعام أياماً قليلة.

المرسوم الأخير الذي صدر الأحد الماضي، أعطى ميزات أعلى من القرض السابق، إذ أن سقف القرض الأخير يصل حتى 200 مليون ليرة، ودون فوائد، كما أن المقترض يمنح مهلة 3 سنوات حتى يبدأ بالتسديد على مدى 10 سنوات.

الرئاسة السورية قالت إن المرسوم رقم 3 لعام 2023، يُعد “خطوة هامة للتخفيف عن المتضررين عبر حزمة واسعة من الإعفاءات الضريبية والإعفاءات من الرسوم والتكاليف المالية”.

“عبئاً مالياً

وأضافت الرئاسة عن الضرائب والرسوم: “ورغم أنها حق من حقوق الدولة لتتمكن من تقديم الخدمات للمواطنين إلا أنها الآن – أي الرسوم والضرائب – ستشكل عبئاً مالياً إضافياً على الأفراد المنكوبين أو المتضررين عموماً بعد زلزال السادس من شباط”.

وقالت: “من هنا ولأجل دعم وإعادة تمكين المتضررين، ولمساعدتهم على التعافي واستعادة التوازن لحياتهم التي أصابتها الكارثة بالكثير من الضرر المادي والمعنوي، وكأحد أهم عوامل استجابة الدولة لمرحلة ما بعد الزلزال أصدر الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 3 للعام 2023”.

تقرضهم أموالهم

واتهم البعض الحكومة السورية، بأنها “تقرض المتضررين الأموال التي تم التبرع بها لمساعدة منكوبي الزلزال”.

وأشار رامز محمد لنورث برس، وهو أحد المقيمين في تجمع للمهجرين باللاذقية، بعد تهدم منزله، أن كل من قدم مساعدة إلى سوريا، “تعامل برحمة مع المنكوبين أكثر من الحكومة السورية التي تحركت مؤخراً لتطبق مثلاً يشبه سلوكها تماماً، وهو من دهنه سقيلو”، في إشارة إلى أن الدولة السورية عادت لتقرض السوريين الأموال المخصصة لهم!

وإذا كان الأهالي أبدو الكثير من الاستنكار لعرض المصرف الخاص آنذاك، فإن الوضع يصبح مختلفاً عندما يصدر ما يشبهه بمرسوم، ومع ذلك لم يتوان البعض من المتضررين عن التذكير بالدستور الذين ينص على مسؤولية الدولة بأن تتكفل بتقديم الخدمات للمواطنين المتضررين وتعويضهم بالسكن.

ويضيف رافع علي، لنورث برس، أن الحكومة تتصرف “وكأن المشكلة فقط في الفوائد، وكأنهم يتناسون أن راتب الموظف لا يتحمل أي تقسيط أو تسديد قروض!”

وكرر الأسئلة التي يرددها غالبية السوريين، “وماذا عن المساعدات التي تصل إلى سوريا، وأين تذهب، ولماذا لا تستخدم في حل مشاكل المنكوبين؟”

ورغم عدم الإعلان عن رقم وحجم تلك المساعدات، إلا أنه سبق لأحد الاقتصاديين أن بين لنورث برس، أن “كل الأموال وضعت في البنك المركزي لهذا لم يحصل أي تغيير على واقع الليرة”.

ويشكل المتضررون أعداداً كبيرة بسبب تأثر البيوت من القصف خلال الحرب، كما الحال في حلب، أو بسبب سوء مواصفات البناء التي انكشفت في هزة منشاؤها خارج سوريا.

أسئلة كثيرة

وفي قراءته لفكرة منح قرض بتسهيلات، قال الاقتصادي شادي عيسى، لنورث برس، إن المرسوم الأخير، كما في القرض السابق “ساند”، الذي قدمته الحكومة عبر مصرف “الوطنية للتمويل الأصغر” بسقف 18 مليون ليرة، “يبدو في الشكل نوعاً من المساهمة التي تقدمها الحكومة للمتضررين، لكن الواقع أن هناك أسئلة عديدة حول استجابة السلطات السورية للأزمة منذ وقوع الكارثة”.

أول تلك الأسئلة وأهمها، أن “أحداً لم يقدم حتى الآن بيانات ولو تقريبية لحجم المساعدات التي وصلت إلى سوريا (وما زالت تصل)، إذ لم تتعامل السلطات بأي نوع من الشفافية في هذا الأمر، الذي يُعد من أبسط حقوق المتضررين، فالدول التي قدمت المساعدات إنما كانت تستهدف المتضررين لا الحكومة”.

أضاف “عيسى” أن هناك أسئلة أخرى عن مدى تحمل الحكومة لمسؤولياتها، وأولها “المسؤولية المدنية عما حصل”، فالمواطن الذي انهار منزله، الذي اشتراه دون أن تكون لديه أدوات التحقق من سلامته الإنشائية، “يريد اليوم أن يقول له أحد ما من هم المسؤولون عن كارثته؟ إضافة إلى أحد يتحمل المسؤولية خاصة في بلد تُعد فيه أسعار العقارات من الأعلى في العالم”.

أضعاف متوسط الرواتب

أسئلة أخرى تتعلق بالتسديد، “كم عدد السوريين القادرين على تسديد مبلغ بنحو 800 ألف ليرة شهرياً، فإذا كانت قيمة القرض وسطياً 100 مليون ليرة، سيكون على المقترض تسديد 800 ألف ليرة، وهو ما يعادل أضعاف متوسط الرواتب والأجور”، حسب قول “عيسى”.

وأشار إلى أن دور الحكومات يبرز في الكوارث، وهناك واجبات على الحكومة “وليس عطايا أو مكرمات”، ومن أهم واجباتها إيواء المتضررين، أولاً، ثم تحديد المسؤوليات، وتقديم الحلول التي لا يتحمل فيه المتضررون إلا أقل الأعباء.

وأضاف “عيسى”: “بالتأكيد إن ما يمكن قوله باختصار إن الحكومة لم تقدم حتى الآن أي مبادرة تستحق أن تذكر، فحتى القروض دون فوائد، في بلد صار فيه تأمين الطعام صعبا، لن تكون سوى عبء جديد، خاصة أن أحداً لا يعرف حجم المساعدات التي وصلت، وحُجبت عن المتضررين”.

تشكيك

وضمن الظروف الراهنة التي تمر بها سوريا، يمكن القول إن الإعلان عن القروض الجديدة “خطوة جيدة” حسب تصريح الإعلامي المحلي  شادي الأسود لنورث برس، خاصة أن المرسوم تضمن إعفاء المقترض من التسديد حتى 3 سنوات، وهي مهلة كافية لترميم المنزل أو إشادة منزل جديد، قبل البدء في التسديد.

وقال: “صحيح أن هناك من سيبقى غير قادر على اقتراض مبلغ كذاك، لكن وكما يقال، الكحل أفضل من العمى”، وخاصة أن الخزينة السورية تعاني أصلاً من عجز كبير، وهي بالكاد تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.

ولكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن تكون الحكومة في مستوى ما تم الإعلان عنه، إذ أن الجميع باتوا يعرفون أن ما يعلن ليس بالضرورة أن يكون هو الذي سينفذ، وخاصة في مجال القروض، إذ أن هناك حلقات كثيرة، ودوائر فساد اتسعت في الدولة كلها، وصار من غير الممكن تحصيل أي حق للمواطن، قبل المرور عبرها.

تجاوز الفساد

وشدد “الأسود” على أن المطلوب من الحكومة، أن “تجد آلية مناسبة لتجاوز كل آثار الفساد في موضوع القرض المعلن عنه بالمرسوم رقم 3، خاصة أنه موجه لمتضررين ما زال كثيرون منهم يسكنون في بيوت مهددة بالانهيار”.

وأضاف: “صحيح أن على الدولة أن تقدم أكثر، لكن الظروف التي تمر بها البلاد منذ سنوات لا تسمح بذلك”.

إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله