الفرات ينحسر والمخاوف تتعاظم.. ما حال مزارعي الرقة؟

الرقة – نورث برس

علّق إسماعيل آماله كلها في موسم الحنطة التي زرعها في أرضه، وحين بدا موسماً جيداً، جاءت مشكلة مياه الري وإيقاف السدود لانخفاض منسوب الفرات، لتشغل تفكير المزارع وتثير مخاوفه على محصوله.

يقول إسماعيل الشوبان (50 عاماً)، وهو مزارع من كسرة عفنان جنوبي الرقة، شمالي سوريا، إن مخاوف بدأت تجتاحه من تلف موسمه وانقطاع مياه الري، كما أن منظر الفرات وهو ينحسر بات يؤرق الرجل.

ويعاني مزارعو المحاصيل الموسمية في الرقة، من قلة مياه الري الناتج عن قلة منسوب نهر الفرات، حيث تراجعت ساعات تشغيل قنوات الري، ومع إيقاف سد تشرين تعاظمت مخاوفهم.

وسبّب قرار الإدارة الذاتية بإيقاف سد تشرين عن العمل نتيجة قلة الوارد المائي لنهر الفرات، في ظل استمرار حبس تركيا لمياهه، إحباطاً لـ “الشوبان” وأقرانه، وبات الكثير منهم يجهّز محرك استخراج المياه خاصته، لضمان عدم تضرر محصولهم.

المحصول أولاً

مطلع الشهر الجاري، أوقفت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تشغيل سد تشرين على نهر الفرات بريف منبج الشرقي الجنوبي، بسبب انخفاض حاد في الوارد المائي من تركيا، ورغم تصريحات المسؤولين أن الأراضي الزراعية لن تتأثر بالإيقاف، إلا أن ذلك لم يطمئنهم.

ويضيف “الشوبان”، أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة مياه الري منذ مدة أسبوع، و”هذا أثّر جداً على موسم الحنطة الذي يحتاج إلى وافر من المياه”، على حد قول المزارع.

ويقول بلهجته المحلية: “اعتمادنا على الله ثم على هذه المحاصيل، وضعنا سيء جداً”، وفي حال تعرض موسمه للعطش سيتكبد المزارع خسائر فادحة.

ويكلّف الدونم الواحد من محصول القمح المروي نحو 70 دولاراً متضمنة حراثة وبذاراً ومبيدات وسماد، عدا عن تكلفة المحروقات، بالنسبة لمالك الأرض، بينما المستأجر سيدفع بالإضافة لذلك مبلغاً يتراوح بين 100 و150 دولاراً، ثمناً لاستئجار الدونم الواحد.

ويطالب “الشوبان” الجهات المعنية بجعل تأمين مياه الري من أولويات عملها، إذ أنها لا تقل أهمية عن مياه الشرب، في ظل اعتماد غالبية سكان سرير الفرات على الزراعة كمصدر أساسي للدخل.

والأربعاء الفائت، أعادت الإدارة الذاتية تشغيل سد تشرين للعمل “جزئياً”، وتغذية المناطق بـ 4 ساعات يومياً، بعد إيقافه الأسبوع الماضي.

وأجبرت قلة الوارد المائي من الجانب التركي، الإدارة الذاتية على إيقاف سد تشرين عن العمل، في ظل العمل على أولوية تأمين مياه الشرب والري وإنقاذ الموسم الزراعي، في شمال شرقي سوريا.

ومنذ شباط/ فبراير 2020، حبست تركيا مياه النهر عن سوريا والعراق مخالفة بذلك اتفاقية أُبرمت حوله بين الدول الثلاثة سُجّلت لدى الأمم المتحدة 1994، تنص على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلاً سنوياً يزيد عن 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود التركية السورية.

ومنذ ذاك الحين بدأت تتناقص مناسيب المياه في النهر، حيث كانت تقارب الـ 200متر مكعب، لتبدأ بالتناقص لما دون ذلك.

ويعتمد مزارعو الرقة على مياه نهر الفرات في ري أراضيهم، حيث تصلهم عبر قنوات.

بدائل خطرة

نتيجة قلة مياه الري تأثر محصول محمود الذياب (60عاماً) وهو أحد المزارعين من قرية حويجة السواقي جنوبي الرقة، واضطر لاستخدام محرك الديزل.

ويستجر المزارع المياه من قنوات الري باستخدام محرك الديزل الخاص به، إلا أنه لاحظ قلة في منسوبها في الفترة الأخيرة، الأمر الذي فاقم معاناته في عملية الري، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وقلة الدعم، واضطراره لشرائها من السوق السوداء.

كما أن قلة منسوب مياه نهر الفرات، أثر أيضاً بشكل واضح على المياه الجوفية، الأمر الذي يضع المزارعين ممن يستجرون المياه من الآبار أمام خطر ارتفاع نسبة ملوحة التربة، والتي تؤثر على الإنتاجية.

وطبيعة تربة سرير الفرات الجبسية، تجعل المزروعات عرضة للتأثر الكبير بالملوحة، والتي تؤدي في كثير من المناطق لتلف المحاصيل وتدني إنتاجيتها.

ويرى “الذياب” أن انخفاض نسبة المياه تؤثر بنسبة كبيرة على كل المزروعات، وحتى على مياه الري والشرب، فإن لم يوجد الحل بأسرع وقت ممكن ستصاب الأراضي بالجفاف، بعد أن كانت خصبة وتزرع بمختلف المحاصيل على مدار سنين.

واضطر الكثير من المزارعين ممن ينصبون محركات الديزل على النهر لمد قساطل إضافية وملاحقة المنسوب بتحويل محركاتهم، حيث ابتعد عن منسوبه السابق بمعدل 200 متر، فيما وصل الانخفاض في البحيرات عمودياً إلى 5 أمتار.

ويصف مسؤولون في الإدارة الذاتية مناسيب المياه الواردة بالكارثية، وحذروا مراراً من حدوث كارثة إنسانية وبيئة في المنطقة.

نقضٌ للاتفاقيات

يرى حقوقيون أن الدولة التركية، لم تلتزم بالاتفاقية الموقعة عام 1987، ما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية، وكارثة على المستوى البيئي، والإنساني والزراعي، وانتشار الأمراض المعدية والأوبئة مثل الكوليرا، نتيجة انخفاض منسوب النهر.

كما لم تحترم تركيا الاتفاقيات الدولية بشأن الأنهار العابرة للحدود ترعاها الأمم المتحدة، وهي قانون دولي يُلزم دولة المنبع، بكميات معينة يجب أن تمر لدول المجرى والمصب.

وتنصّ المادة السابعة من اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الموقعة عام 1997، على الامتناع عن التسبّب بأضرار جسيمة للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي.

إلى ذلك، بدأ إبراهيم العلي (26عاماً) وهو مزارع في منطقة الكسرات جنوبي الرقة، يفكر بمحصول صيفي لا يحتاج الكثير من المياه.

ويدفعه إلى ذلك المخاوف التي باتت تجتاحه من انقطاع مياه الري، وخاصة في فصل الصيف، “في الشتاء، وفي ذروة الأمطار المياه قليلة، كيف الحال في الصيف؟”

واعتاد المزارع على زراعة محصول الذرة الصفراء، لكنه بات متيقناً أن موسمها القادم لن يكون بخير، في ظل تراجع حاد في منسوب النهر انعكس على مياه الري.

وأمام مخاوف المزارعين لا زال الفرات ينحسر مهدداً حياة آلاف السكان وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، دون أي رد فعل دولي رادع لممارسات تركيا بحبسها لمياه النهر.

إعداد: فاطمة خالد – تحرير: أحمد عثمان