الرقة – نورث برس
كان يُعرف بالنهر الكبير أو العظيم، وقامت على ضفافه عدة حضارات، واعتمد عليه سكان سوريا والعراق.
إنه نهر الفرات، من أكبر الأنهار في منطقة الشرق الأوسط، ينبع من تركيا ويصب في شط العرب في العراق، يمر خلالها في سوريا، ويبلغ طوله 2940كم.
لكن ما حال النهر العظيم الذي بات جدولاً؟.
بدأت القصة في شباط/ مارس 2020، حين حبست تركيا مياه النهر عن سوريا والعراق مخالفة بذلك اتفاقية أُبرمت حوله بين الدول الثلاثة.
في 17 حزيران/ يونيو 1987 وقّعت تركيا وسوريا اتفاقية مؤقتة لتقاسم مياه نهر الفرات، خلال فترة ملء حوض سد أتاتورك والتي تمتد إلى 5 سنوات، ونصّت على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلاً سنوياً يزيد عن 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود التركية السورية بشكل مؤقت إلى حين الاتفاق على التوزيع النهائي لمياه نهر الفرات بين البلدان الثلاثة الواقعة على ضفتيه.
وفي 17 نيسان/ أبريل 1989، وقّعت سوريا اتفاقية مع العراق تنص بأن تكون حصة العراق الممررة له على الحدود السورية 58% من مياه الفرات في حين تكون حصة سوريا 42% منه.
وفي عام 1994 سجّلت سوريا الاتفاقية المعقودة مع تركيا لدى الأمم المتحدة لضمان الحد الأدنى من حق سوريا والعراق في مياه نهر الفرات، لكن الحال تغير في شباط/ فبراير 2020، حين حبست تركيا مياه النهر.
منذ ذاك الحين بدأت تتناقص مناسيب المياه في النهر، حيث كانت تقارب الـ 200متر مكعب، لتبدأ بالتناقص لما دون ذلك.
الأمر الذي يهدد سكان سوريا والعراق، ويسبب انتشار الأمراض والأوبئة، وأدى تناقص منسوب النهر لانتشار مرض الكوليرا، بالإضافة إلى ذلك أدى لخروج عدد كبير من محطات مياه الشرب عن الخدمة، ما استدعى القائمين عليها لتوصيل أنابيب جر المياه من النهر.
كما ينعكس تأثيره على الزراعة، حيث يعتمد غالبية سكان سرير الفرات، على مياه النهر في ري أراضيهم، ونتيجة تناقص المنسوب قلّت كميات مياه الري للمحاصيل.
عدا عن ذلك، اضطر الكثير من المزارعين ممن ينصبون محركات الديزل على النهر لمد قساطل إضافية وملاحقة المنسوب بتحويل محركاتهم، حيث ابتعد عن منسوبه السابق بمعدل 200 متر.
وتقدر نسبة الانخفاض بأكثر من خمسة أمتار من منسوب النهر، وتزيد على أربعة أمتار في بحيرة سد تشرين، أما في بحيرة سد الفرات تزيد نسبة الانخفاض على ثلاثة أمتار.
الأمر الذي أثر بشكل كبير على توليد الطاقة الكهربائية، حيث تعتمد مناطق شمال شرقي سوريا، على التيار المولّد من العنفات على سدي تشرين والفرات.
وأمام قلة المياه الواردة واستمرار تدني منسوب البحيرات، خفّضت الإدارة الذاتية ساعات العمل في السدود، وزادت من ساعات التقنين، حتى وصلت إلى 5 ساعات، بعد عودة سد تشرين للعمل.
ومطلع الشهر الجاري، أوقفت الإدارة الذاتية العمل في سد تشرين نتيجة قرب وصوله من المستوى الميت، وجاء ذلك درءاً لخطر تضرر السد إنشائياً، ولتوفير مياه الشرب والري.
وفي وقت سابق حذر إداريون في سد تشرين من وصول المنسوب إلى الميت، حيث يبلغ تخزين السد 325 متر عن مستوى البحر، بينما يبلغ المستوى الميت 320، أما المستوى الحالي فقد وصل إلى 320.30متر ، أي 30سم تفصله عن المستوى الميت.
ويصف مسؤولون في الإدارة الذاتية مناسيب المياه الواردة بالكارثية، وحذروا مراراً من حدوث كارثة إنسانية وبيئة في المنطقة.
ويرى حقوقيون أن الدولة التركية، لم تلتزم بالاتفاقية الموقعة عام 1987، ما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية، وكارثة على المستوى البيئي، والإنساني والزراعي، وانتشار الأمراض المعدية والأوبئة مثل الكوليرا، نتيجة انخفاض منسوب النهر.
كما لم تحترم تركيا الاتفاقيات الدولية بشأن الأنهار العابرة للحدود ترعاها الأمم المتحدة، وهي قانون دولي يُلزم دولة المنبع، بكميات معينة يجب أن تمر لدول المجرى والمصب.
وتنصّ المادة السابعة من اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الموقعة عام 1997، على الامتناع عن التسبّب بأضرار جسيمة للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي.
في ذات الوقت، لم يبدِ مسؤولون أتراك أي أراء حول انتهاك المعاهدات الدولية، وتتوالى تصريحاتهم بمعاناة تركيا من الجفاف.
بيد أن تركيا أقامت 5 سدود عملاقة على نهر الفرات في إطار مشروع الغاب الذي بدأت العمل فيه في سبعينيات القرن الماضي وما زال العمل جار في سدين آخرين.
وينذر مشروع الغاب العملاق بحدوث كوارث إنسانية في سوريا والعراق، في الوقت الذي يرى فيه خبراء زلازل، بأن السدود العملاقة التي أقامتها تركيا على الفرات ودجلة تتسبب بالزلزال إضافة لتأثيرها على القشرة الأرضية.
في ظل كل ما سبق لا زال نهر الفرات يتجه إلى تراجع في المنسوب، دون أي تحركات دولية، أو حتى محلية من قبل الحكومة السورية.