وزير الدفاع الأميركي ورئيس أركانه في المنطقة.. هل هي تحضيرات حرب؟

لم تكن عبثية ولا مصادفة عملية تقاطر المسؤولين العسكريين الأميركيين، ومن أعلى سلم الهرم القيادي، إلى المنطقة. بدءاً بزيارة رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي لتل أبيب ثم عمان ومن بعدها زيارته لـقاعدة التنف، ليحط رحاله بالموقع الأهم في شرقي الفرات، ثم تأتي بعدها مباشرة زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لتحط طائرته في بغداد وبلباسه المدني بعد أن غادر العراق كجنرال وقائد للقوات الأميركية المنسحبة منها.

الزيارات الميدانية عكست اهتماماً أميركياً بمنطقة لطالما أهملتها الإدارات الأميركية السابقة، ولطالما هددت أكثر من مرة بالانسحاب منها، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترامب، وبرغم الاستراتيجية الأميركية التي اعتبرت التواجد العسكري الأميركي في سوريا بديلاً عن الانسحاب من الجغرافية العراقية بعد الاحتفاظ فقط بخبراء تدريب، أصدر أوامره بالانسحاب من سوريا على  غرار انسحاب الرئيس أوباما من العراق، ولولا اعتراض وزارة الدفاع الأميركية ومعها وكالة الاستخبارات الأمريكية لنُفّذ الأمر وغادرت أميركا شرقي الفرات تحت عنوان: لسنا شرطة دولية تتكفل بضبط كل الساحات الساخنة في العالم.

الاهتمام الأميركي المتصاعد بقواتهم المتواجدة في سوريا، وتلك الزيارات، مردها متغيرات غاية في الأهمية طرأت مؤخراً على كامل منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج، وعكست توجساً أمنياً وعسكرياً أميركياً، فرضتها التزامات واشنطن اتجاه حلفائها ومراعاة مصالحها بالدرجة الأولى. من ذلك:

التحرشات الإيرانية في منطقة الخليج وتهديد التجارة العالمية في أهم منطقة عبور للطاقة في العالم، ما بين  الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي ومضيق باب المندب، إضافة لقناة السويس. كان آخر تلك التحرشات الهجوم على سفينة يملكها إسرائيلي “كامبو سكوير” ببحر العرب عبر طائرات شاهد 136، يضاف لتلك التحرشات القصف المتكرر والهجوم على قواعد للتحالف الدولي وللقوات الأميركية وحلفائها في قواعد التنف وحقل العمر ومعمل كونيكو، مع استمرار إيران بجعل سوريا قاعدة عسكرية متقدمة وخلق ساحات صراع مزدوجة على الأرض السورية، واحدة مع إسرائيل والأخرى مع القوات الأميركية، ومع كارثة الزلزال زادت عمليات تهريب السلاح بعد استغلال إيران للنكبة بنقل ما تريد من أسلحة ومعدات عسكرية تحت راية “مساعدات إنسانية للسوريين”، ثم الإعلان عن إمداد الأسد بمنظومة دفاع جوي نوع “خرداد 15″، ما دفع بالتحالف الدولي العامل في مناطق التنف وشرقي الفرات لتزويد طائراته الاستطلاعية بكاميرات أشعة خاصة قادرة على كشف ما تحتويه الشاحنات المغلقة التي تستخدمها إيران للتمويه في عمليات تهريب السلاح إلى سوريا عبر الحدود العراقية، وللتهرب من الضربات الجوية الإسرائيلية وضربات التحالف الدولي عند كشف ألاعيب إيران، وكشفت الولايات المتحدة الأميركية عن علمية التفاف إيراني تفادياً للقصف البري بقيامها حفر نفق تحت الأرض تعبره الشاحنات يمتد من حي التنك بمدينة “القائم” داخل الحدود العراقية ويصل بفندق إيراني يتواجد بقرية “هري” داخل الأراضي السورية، واجتماع كفرسوسة الذي قصفته الصواريخ الإسرائيلية عكس توجهاً إيرانياً جديداً عبر ربط عرى تحالفها في سوريا ودخول حركة “الجهاد الإسلامي” على عمليات التنسيق، ما يهدد بتوسيع دائرة الاستهداف المتبادل بين إسرائيل وإيران.

ومما سرع بزيارة المسؤولين العسكريين الأميركيين، عملية إنخراط إيران إلى جانب روسيا في الحرب التي تشنها على أوكرانيا، عبر نقل صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية لتقاتل على جبهات الروس، ما يشكل تصعيداً إيرانياً وتحدياً عالي المستوى للولايات المتحدة والغرب بشكل عام، أما ما يرفع مستوى التصعيد الإيراني مع الغرب هو توقف عملية المفاوضات حول الملف النووي في “فيينا”، والفلتان النووي الذي تعيشه مفاعلات إيران ووصولها لمستوى تخصيب اليورانيوم الذي قاربت نسبته الـ84% في مفاعلاتها، وترافقت تلك التحديات مع تعثر المفاوضات أيضاً بين وكالة الطاقة الذرية وإيران رغم التصريحات الدبلوماسية والمنمقة لرئيس الوكالة من طهران.

تقول معطيات زيارة رئيس الأركان “مارك ميلي” لشرقي الفرات أنها كانت زيارة مهمة وناجحة. في الغالب وفي ضوء الأوضاع في المنطقة وسوريا يمكن توقع التالي: التعهد باستمرار الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية، وتمكينها عسكرياً أكثر لتأمين منع ميليشيات إيران من التمدد في مناطق شرقي الفرات، ومواجهة الإرهاب الداعشي، ورفض التطبيع مع نظام الأسد والتضييق على المطبعين.

الملف الساخن المهيأ لمواجهة إسرائيلية إيرانية، أو تحالف إسرائيلي أميركي ضد إيران، مرده أن إيران استطاعت جعل الجغرافية السورية قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، ونقلت إليها الكادر البشري المطلوب من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات أخرى مثل زينبيون وفاطميون وميليشيات عراقية، وأنشأت أكبر قاعدتين إيرانيتين خارج إيران، واحدة في جنوب الميادين “قاعدة الأمام علي” والأخرى في حلب “قاعدة حبوبة”، ومؤخراً قامت بتجهيز مطار الجراح شرقي حلب ونقلت إليه ورشة طائراتها المسيرة بعد أن سيطرت سابقاً على مطار النيرب العسكري، وهذا التموضع الإيراني قرب حدود شرقي الفرات يعكس توجساً أميركياً عالياً. إضافة لما سبق أصبحت منظومة الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي الإيرانية “باور 373 وخرداد 15” تتواجد عناصر منها فوق الأراضي السورية وبتأييد ودعم وموافقة من نظام بشار الأسد.

يضاف لما سبق معلومات سُربت بأن هناك تعاوناً تقنياً “روسياً_ إيرانياً” استطاع الوصول لتقنيات جديدة في مجال الحرب الإلكترونية وعمليات التشويش، واستطاع هذا التعاون من اختبار وتصميم نظام “ميكروييف” عالي الطاقة قادر على تعطيل أو نقل التحكم بالطائرات المسيرة المعادية فوق سماء سوريا وبحرها، وأن تلك التقنية كانت أحد بنود النقاش والتدريب في اجتماع حي كفرسوسة (دمشق) الذي حضرته قيادات من حركة الجهاد الإسلامي، والوحدة 840 الخاصة بعمليات النقل التابعة للحرس الثوري الإيراني، ووحدة النقل 190 التابعة لحزب الله اللبناني، لوضع خطة تؤمن نقل تلك التقنيات لداخل “غزة” ومواجهة المسيرات الإسرائيلية، ما استدعى تدخلاً عاجلاً للقدرات الصاروخية الإسرائيلية وقصف المجتمعين بقلب العاصمة دمشق.

مجلة  “ذا انتي سيسبت” الأميركية تحدثت عن سيناريو أميركي معد لضرب إيران، وأن الجيش الأميركي خصص ميزانية خاصة بالإنفاق على عمليات التخطيط والتحضير لضربة أمبركية (حرب) على إيران أطلق عليها اسم خطة “دعم الحارس”، وستوضع في التنفيذ إذا ما فشلت كل مفاوضات منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وقالت المجلة بأن هناك 600 هدف إيراني رصدتها إسرائيل تمثل أهداف الأفضلية الأولى، وأن الخطة الأميركية بالتعاون مع إسرائيل وبعض دول المنطقة تقضي بشل إيران عبر موجات ضربات جوية متتالية تدمر تلك الأهداف، وأن خطة الحرب الأميركية تهدف لشل إيران والوصول لهدفين: الأول منع إيران من أي عمليات رد انتقامية ضد حلفاء أميركا في المنطقة أو ضد قواعدها، والثاني عدم إعطاء الفرصة لروسيا للاصطفاف إلى جانب إيران انتقاماً للدعم الغربي لأوكرانيا، وأن الإدارة الأميركية لم تصل حساباتها العملياتية والاستراتيجية العسكرية لقناعة تامة من القدرة على تنفيذ تلك المهام وفقاً لما هو مخطط. وتمهيداً للوصول لتلك القدرات يتم العمل على تزويد حلفاء أميركا في المنطقة وخاصة إسرائيل بقدرات عسكرية جديدة ومتطورة  كطائرات الجيل الخامس أو منظومات صواريخ قادرة على تجاوز منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، إضافة لتزويد الحلفاء بقنابل خاصة قادرة على التعامل مع الأنفاق والتحصينات البيتونية المسلحة على أعماق تزيد عن 45متر، إضافة لـ(قصقصة) أجنحة إيران الخارجية، والتخفيف من بنك الأهداف الإيراني (الـ600 هدف، أهداف الأفضلية الأولى) قدر الإمكان عبر تدمير ما أمكن منها بضربات نوعية ومتتالية عبر إسرائيل والتحالف الدولي وخاصة في الأراضي السورية.