كيف طوّعت فصائل المعارضة السورية الزلزال لتوسيع أعمالها غير المشروعة؟

القامشلي ـ نورث برس

تستغل فصائل المعارضة الموالية لتركيا الوضع الكارثي الذي خلفه الزلزال في ريف حلب الشمالي, لتتوسع في أعمالها غير المشروعة من سرقة واستيلاء وفرض إتاوات وتمييز عنصري وإحداث تغيير ديموغرافي وفرض نفسها بالسلاح على المدنيين, وتساهم الفصائل بخلق أزمات جديدة للسكان تثقل كاهلهم وتصعب عليهم التعافي من آثار الزلزال المادية والنفسية.

يعرض التقرير الصادر عن قسم الرصد والتوثيق في نورث برس, القضايا الإنسانية في ريف حلب الشمالي, التي تمكن القسم من رصدها وتوثيقها بالاستناد على المصادر الخاصة والمفتوحة وتحليلها, لتسليط الضوء على معاناة السكان وحقوقهم التي تنتهكها فصائل المعارضة بشكل مستمر منذ عام 2018 إبان سيطرتها على منطقة عفرين بعد الاجتياح التركي.

الزلزال فرصة الفصائل لتموّل نفسها؟

سخط وشكوى مستمرة من سكان مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا بريف حلب الشمالي, من عدم حصولهم على مساعدات أو خيم تأويهم, واتهامات مستمرة للفصائل مع بعض المجالس المحلية بأنهم يستولون على هذه المساعدات وتنقلها إلى مستودعات خاصة, وتمكن القسم من رصد وتوثيق كل هذه الاتهامات الموجهة لهم بعد مقابلات أجريت مع عدد من السكان والنشطاء.

وأفاد مصدر مقرب من المعارضة، أن الفصائل تبتكر بشكل مستمر طرقاً للاستلاء على المساعدات المقدمة لسكان المناطق المنكوبة. وذكر أن فصائل المعارضة تجبر المنظمات العاملة في المنطقة بتثبيت ما يزيد عن 100 حصة من كل فئة مساعدات مقدمة للمنكوبين في بلدة جنديرس بريف عفرين ليتم توزيعها على عناصرها لاحقاً.

وأشار مصدر آخر إلى أن فيلق الشام استقدم عناصر، من بلدتي دارة عزة والأتارب غربي حلب، الخاضعتين لسيطرة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” لاستلام حصص ومساعدات إنسانية في بلدة جنديرس.

كما استطاع القسم الوصول لمعلومات، تؤكد أن عناصر من فصيل السلطان سليمان شاه في الجيش الوطني الموالي لتركيا، قاموا بالاستيلاء على مساعدات إنسانية مقدمة من إقليم كردستان العراق إلى مدينة جنديرس ونقلها لمستودعاتهم في  كوزلية بناحية شيراوا في عفرين, بعد أن منع الفصيل المنظمات من توزيعها وأجبرهم على تسليمها له بحجة أن عناصره سيتكفلون بتوزيعها على السكان.

بالإضافة إلى معلومات تفيد بأن إدارة المجلس المحلي في جنديرس تتواطأ مع فصائل “جيش الشرقية” و”فيلق الشام” و”السلطان سليمان شاه” المعروف بـ”العمشات” وغيرها, لإضافة أسماء من عناصرها خلال جمع البيانات الخاصة بالمنكوبين من الزلزال واستلام حصص ومساعدات إنسانية.

ومن ناحية بلبل قال مصدر لنورث برس، إن المجلس المحلي للناحية والموالي لتركيا، قام بإخفاء الخيام الموجودة ضمن مستودعاته وامتنع عن توزيعها على السكان.

وبحسب ما استطاع القسم رصده من بعض المصادر المفتوحة الموثوقة، فإن أشخاصاً من القائمين على التوزيع في المجلس يقومون ببيع الخيم والمواد الإغاثية.

حيث تستولي الفصائل على المساعدات الإغاثية المقدمة للناجين من الزلزال، إما لتمنحها لقطاعاتها أو لتوزعها بين الأفراد ليتم بيعها لاحقاً بالتجزئة, وتعتبر المساعدات الإغاثية بمثابة دخل إضافي للفصائل إلى جانب الإتاوات التي تفرضها على المدنيين والمنظمات الإنسانية الداخلة إلى مناطق سيطرتها.

فبحسب مصادر محلية، تفرض الفصائل ضرائب على قوافل المساعدات, وبدأ ذلك منذ أن فرض فصيل السلطان سليمان شاه ضرائب على قافلة المساعدات المقدمة من إقليم كردستان العراق المؤلفة من 14 شاحنة، بقيمة 1000 دولار على الشاحنة الواحدة التي دخلت المدينة وبالمثل على الأشخاص القادمين من مناطق أخرى إلى مسقط رأسهم.

خطة تغيير ديموغرافي جديدة

“لن نخرج من منازلنا المهدمة سنضع خيمة في باحاتها أو أمام الباب، لكن لن نبتعد عنها” هذا ما يقوله سكان مدينة جنديرس حين يطلب منهم أن يخلو منازلهم المتضررة من الزلزال.

وتأتي تلك التصرفات خوفاً من أن تسلب منهم المنازل رغم دمارها وأن ترمم ويجلب إليها مستوطنون أو عائلات الفصائل في حال خرجوا منها, ولكل ذلك يلازم سكان مناطق سيطرة فصائل المعارضة منازلهم المدمرة, وعلى وجه الخصوص في مناطق عفرين, لأن المشهد السابق لم يفارق أذهانهم، فمنذ أن سيطرت الفصائل على مناطق شمال غربي سوريا, وهي تبني المستوطنات على أراضي السكان وتوطن آخرين في منازل السكان الأصلين التي تسببت بتهجيرهم قسراً وأحدثت تغييراً ديمغرافياً كبيراً فيها.

ورصد القسم نشاطاً للفصائل يتم دعمه من قبل الحكومة التركية والدول الأخرى الداعمة لها كقطر والكويت, يتمثل بتنفيذ خطة تغيير ديموغرافية جديدة في تلك المناطق وخاصةً ذات الغالبية الكردية.

إذ تقوم الفصائل بتدمير المباني والمنازل بشكل عشوائي وتفجيرها بحجة أنها مهددة بالانهيار دون استشارت مختصين أو دراسة الوضع البيئي للمنطقة والأبنية المجاورة التي لاتزال مسكونة ودون مراعات قواعد حفظ سلامة وأمن المدنيين وحقوقهم في السكن, ودون أخذ موافقة صاحب المنزل.

قال أحد سكان مدينة جنديرس، لنورث برس, إن منزله ومحله التجاري لم يتضررا قط من الزلزال واضطر للخروج من المنزل, وعند عودته وجد أنه تم تفجيرهما دون سابق إنذار.

استطاع القسم توثيق 13 محلاً وأكثر من 5 مبانٍ تم هدمها بشكل عشوائي غير مدروس في كل من عفرين وإدلب, لتعلن بعدها جمعية “قطر الخيرية” بدء المرحلة الأولى من مشروع “مدينة الكرامة”، في إطار خطة لإعادة إعمار المناطق المنكوبة وبالأخص ناحية جنديرس.

وبنت كل من قطر والكويت وفلسطين بالتعاون مع تركيا، أكثر من 50 مستوطنة في ريف حلب الشمالي منذ عام 2018, ووطنت فيها عائلات الفصائل ولاجئين سوريين قادمين من تركيا تم ترحيلهم قسراً تحت مسمى “العودة الطوعية”, وذلك على حساب السكان الأصليين وفي ممتلكاتهم.

ماذا تعتبر أفعال الفصائل في القانون؟

تعتبر كل الأفعال التي تقوم بها الفصائل بشكل ممنهج ضد المدنيين انتهاكاً لحقوقهم وللقوانين والمواثيق الدولية وترتقي لتكون جرائم حرب وجرائم لا إنسانية.

وبحسب القانون الدولي الإنساني فإن الأشياء المستخدمة في عمليات الإغاثة الإنسانية ، مثل الأغذية والأدوية والمباني والمواد والمركبات، هي أعيان مدنية ويجب احترامها وحمايتها و يحظر إتلاف هذه الأشياء أو سرقتها أو نهبها, كما يحظر مضايقة أو ترهيب العاملين في مجال المساعدات الإنسانية.

ووفق مبادئ توجيهية الحق في المساعدة الإنسانية في القانون, ووفق المبدأين الأول والعاشر، إذ ينصان على أن لكل إنسان الحق في الحصول علي مساعدة إنسانية تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه على قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة.

كما يعتبر تدمير المنازل بشكل عشوائي وغير مدروس انتهاكاً لحقوق المدنيين في السكن اللائق, كما أنه يعدُّ تشريداً قسرياً, وهو انتهاك بحسب القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.

يجب أن ينتهي الإفلات من العقاب وأن يحاسب المفتعلين, بالاستناد إلى القوانين, وأن تأخذ الأفعال التي ترتكبها الفصائل بحق المدنيين بعين الاعتبار, وأن تتم إدانتهم بالاستناد إلى القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان, التي تصرّ على أن لكل شخص الحق في حياة كريمة من مأوى وغذاء ورعاية صحية, وتحظر كافة الأعمال التي تسلبهم حقاً من حقوقهم.