“فوق الموتة عصة قبر”.. الزلزال يشرّد سكاناً بحلب ويبقيهم بين خيارين أحلاهما مرّ
حلب ـ نورث برس
ثلاثة ملايين ليرة، هو المبلغ الذي دفعه أيمن، لقاء استئجار منزل في حي الحمدانية في حلب لمدة ستة أشهر، تخوفاً من آثار الزلزال على البناء السكني الذي كان يعيش فيه.
المنزل الذي استأجره أيمن البابي (36 عاماً)، ليكون مأوى له ولزوجته وأطفاله الثلاثة، مؤلف من غرفتين أسفل بناء مكونٍ من أربعة طوابق.
وجاء هذا الاختيار والاضطرار للاستئجار، بعد أن أشرف البناء السكني في حي بستان القصر بحلب، والذي يوجد فيه منزل الشاب، على الانهيار بعد أن أصابه الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من هذا الشهر، بأضرار جسيمة.
“فوق الموتة عصة قبر”، مثلٌ شعبي، يصف فيه “البابي” لنورث برس، الحال الذي وصل إليه، ويقول: “منذ اليوم الأول للزلزال لم يعد منزلي قابلاً للسكن فالبناية السكنية التي يقع منزلي في دورها الثالث، قالت لجنة السلامة العامة بأنها غير قابلة للسكن وتقرر هدمها، لذلك غادرته”.
وفي أول ليلة بعد الزلزال، بات الشاب الثلاثيني مع عائلته في إحدى الحدائق العامة، ليبدأ بعدها في رحلة شاقة للبحث عن بيت للإيجار في الأحياء الغربية، “بشق النفس استطعت تأمين غرفتين في الطابق الأرضي في إحدى الأبنية بحي الحمدانية، فمعظم العقارات حجزت للاستئجار وبأرقام كبيرة، فمنزلي إيجاره الشهري 500 ألف ليرة سورية”.

في البداية طلب من “البابي”، دفع ستة ملايين ليرة لإبرام عقد إيجار لمدة عام، “لم يكن بمقدوري سوى دفع ثلاثة ملايين، بعد أن بعت جزءاً من مصاغ زوجتي، لذلك استأجرته لمدة ستة أشهر فقط”.
أمل مفقود
ويفقد الشاب أمله من منزله، “بات من الأشياء المنسية”، وحتى فكرة إعادة بناء ما تم هدمه من قبل الحكومة، يستبعدها “البابي”، بل الأسوأ من ذلك أنه “لا أحد قدّم لنا أي مساعدات. معظم السكان يبيتون في المدارس أو المساجد ويأوون إلى الحدائق، ومنهم من يفترش الطرقات”.
وتواردت أنباء سمعها “البابي”، بأن الحكومة ستنقل المتضررين إلى مناطق بأطراف حلب، “ولكن كلها حلول لا تخفف من معاناتنا. نحن فقدنا كل ما نملك بهذه الكارثة”.
ويطالب الشاب الحكومة بـ”تعويضنا لا أن ترمينا في مساكن مؤقتة ومخيمات نزوح”. وبسبب فقدان السكان الأمل من ذلك التصرف، “نلجأ لاستئجار منزل كحل مؤقت ريثما نجد حلاً لهذه المشكلة التي تسبب لنا بها الزلزال”.
والسبت الماضي، قال مصدر خاص في محافظة حلب، لنورث برس، إن الزلزال المدمر تسبب بانهيار 60 بناءً في حلب، وهدمت القطاعات الخدمية التابعة لمجلس المدينة، حتى يوم الجمعة الماضي، 170 بناءً مهدداً بالسقوط.
وبلغ عدد الأبنية التي تم إخلائها من سكانها حتى الآن نحو 300 بناء مصنف عالي الخطورة في المدينة، بحسب المصدر الذي تحفَّظ على ذكر اسمه.
وفي العاشر من الشهر الجاري، أعلنت الحكومة السورية، محافظات حلب واللاذقية وحماة وإدلب نتيجة الزلزال، مناطق منكوبة.
“وصلت لأرقام جنونية”
ومنذ تسعة أيام يبحث عبدالكريم عن منزل للإيجار، فحتى الآن لم يحالفه الحظ بإيجاد منزل يتناسب مع إمكانياته المادية.
ويقيم عبد الكريم مصاص (42 عاماً) من سكان حي صلاح الدين، مع عائلته المكونة من زوجته وأربعة أطفال، في إحدى المدارس.
لكن السكن بالمدرسة بالنسبة لـ”مصاص” وهو موظف حكومي في مديرية تربية حلب، “ليس حلاً”، ويضيف: “بل هو تشرد يتسبب بشعور فظيع بالألم”، فبنايته السكنية باتت أثراً بعد عين بسبب الزلزال.
ولذلك السبب يواصل الموظف البحث عن منزل للإيجار، “هناك طلب كبير يفوق الوصف على المنازل في الأحياء التي لم تتأثر بالهزات الأرضية ولم تسقط بها أبنية، كأحياء الحمدانية وحلب الجديدة والشهباء والفرقان وغيرها”.
وهذه الأحياء معروفة في مدينة حلب بإيجاراتها المرتفعة قبل هذه الأزمة، “فكيف بعد الزلازل وفرار الكثيرين من الأحياء الشعبية الآيلة أبنيتها للسقوط أو تلك التي سقطت بها الكثير من الأبنية؟”، يتساءل “مصاص”.
ويتطرق الموظف لأسعار إيجار المنازل، “وصلت لأرقام جنونية”، فهناك منازل تؤجر بـ7 ملايين للعام الواحد، وهناك إيجارات سنوية تصل ل10 ملايين.
وفي ظل تلك الأرقام “الخيالية”، يتساءل الموظف: “كيف لي أن استأجر منزلاً بهكذا سعر وراتبي الشهري لا يتخطى 140 ألف ليرة؟”، ويضيف: “هذا الراتب لا يتيح لي المكوث بالمنزل لأيام معدودة”.
ويرى أنه لو كان هناك مساعدة “فعلية” من قبل الحكومة وضبط لانفلات الأسعار أو رفعٍ مؤقت للرواتب “الشحيحة” لكي يتمكن السكان والموظفون من الاستعانة بها على “هذه البلوى التي أصابتنا لربما استطعنا الخروج من حالة البؤس التي نكابدها في مراكز الإيواء”.
ويبرر رئيف حسين (58 عاماً) وهو أحد أصحاب المكاتب العقارية، ارتفاع إيجار المنازل بأنه “من الأساس تواجه حلب مشكلة بالسكن فالكثير من المنازل دمرتها الحرب وهناك نزوح كبير من الأرياف للمدينة، فالطلب كان دائماً كبيراً على استئجار المنازل”.
ومع حدوث الهزة الأرضية، “بات الطلب واسعاً والضغط كبيراً على الأحياء الغربية، لذلك ارتفعت الإيجارات بنسبة 50 إلى 70٪، وهذه الأرقام قابلة للزيادة الكبيرة، خاصة وأن الكثير من مراكز الإيواء كالمساجد والمدراس سيتم إخلائها وسينقل النازحون إلى مناطق سكن في أرياف حلب وضواحيها البعيدة لذلك سيكون استئجار منزل خيارً الكثيرين”.